شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
قصّة احتجاز

قصّة احتجاز "ديلدو" في أحد مطارات الدول العربيّة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 14 مايو 201902:32 م

وصَلَتْ السيّدة (ل . ف) مطار إحدى الدول العربية بعد زيارة قصيرة لمسقط رأسها، الولايات المتحدة الأمريكية. استلمَتْ حقيبتها من على حزام الحقائب المتحرّك، واتجهت نحو بوابة الخروج. شيء ما في الجوّ، وفي نظرات أفراد الأمن، منذ رفعت حقيبتها من على الحزام، حتى وصولها قُبيل البوابة المفضية إلى قاعة “القادمون”، أشعرها أنهم يعرفون ما في الحقيبة. تقدّم نحوها أحدُ أفراد أمن المطار وسألها إن كانت هذه الحقيبة حقيبتها، فأجابته بنعم، ثم سألها إن كانت هي من قام بحزمها، فكررت الإجابة نفسها. استأذنها وقام بفتح الحقيبة. تحكي لي (ل . ف): “كانت القطعة موجودة في كيس ورقي مقوى أسطواني الشكل، موضوع بشكل قائم في الحقيبة، وهو مفتوحٌ من أعلاه، بحيث يمكن لمن يباعد بين طرفيه -الكيس- أن يرى القطعة منتصبة في وجهه”!

"سيّدتي.. هل ثمة مشكلة ما لدى زوجك؟" سألها، " لم أعد متزوجة، انفصلت عن زوجي" أجابت.

أمسك الشرطي طرفيّ الكيس الورقي بأطراف أصابعه، تقول لي: “كأنها قنبلة توشك أن تنفجر في وجهه”. أخرجه من الحقيبة ووضعه أمامه، بارتباك شديد، باعد بين طرفي الكيس وألقى نظرة خاطفة، ثم تلعثم ناظرًا إليها، يحاول أن يبدأ عبارة، ويتوقف، قبل أن يهتدي إلى ما اهتدى إليه، بسؤال مرتجل "سيّدتي.. هل ثمة مشكلة ما لدى زوجك؟" سألها، " لم أعد متزوجة، انفصلت عن زوجي" أجابت.

استأذنها وذهب لمراجعة مكتب الأمانات بالداخل، وفيما هي واقفة، اصطف بشكل عفوي طابور لباقي أفراد أمن المطار الواقفين على بعد أمتار يراقبون المشهد. تشجّع أحدهم واقترب، ليلقي نظرة، وما هي إلا دقائق حتى صاروا واحدًا تلو الآخر يقترب من الكيس، يباعد بين طرفيه، ينظر ويبتعد. تقول "كانوا خائفين، ولا أفهم مم؟ كلهم ذكور، كلّهم يملك الشيء نفسه”.

عاد الشرطي، وحمل الكيس، بأطراف أصابعه كي لا ينفجر في وجهه إلى الداخل، وقال لها إن عليها مراجعة مكتب الأمانات لترى إن كان بإمكانها استلام هذه القطعة والدخول بها إلى البلاد أم لا. تخبرني أنها تبِعَت التعليمات وذهبت حيث أرشدها، وأن الشرطي المسؤول استقبلها باحترامٍ شديد، واعتذر منها لأنه لن يكون بإمكانها إدخال هذه القطعة معها إلى البلاد، إلا إن حصّلت على تقرير طبيّ يثبت حاجتها إليها!

تشجّع أحدهم واقترب، ليلقي نظرة، وما هي إلا دقائق حتى صاروا واحدًا تلو الآخر يقترب من الكيس، يباعد بين طرفيه، ينظر ويبتعد. تقول: "كانوا خائفين، ولا أفهم ممَ؟ كلهم ذكور، كلّهم يملك الشيء نفسه”.

 تخبرني أنها تبِعَت التعليمات وذهبت حيث أرشدها، وأن الشرطي المسؤول استقبلها باحترامٍ شديد، واعتذر منها لأنه لن يكون بإمكانها إدخال هذه القطعة معها إلى البلاد، إلا إن حصلت على تقرير طبيّ يثبت حاجتها إليها!

شجعها لطف الشرطيّ المسؤول على النقاش، فقالت له: "إنكم تطلبون من الناس ألا يفعلوا هذا خارج إطار الزواج، ثم تمنعون دخول هذه القطع، هذان فعلان غير متسقين". أجابها - وأكاد أتخيل نفاد صبره-: "سيدتي هذا بلد إسلاميّ، والفعل هذا لا يجري بأي حال، خارج إطار الزواج. شكرًا لتفهمك".

لم أفهم، وهي تواصل سرد حكايتها لاستعادة قطعتها المطاطية تلك، ما الذي كان يدور بذهنها وقتها، لكنها بمواظبة المجتهد الساذج فعلَتْ. تقول لي: "ذهبتُ لأطبّاء عديدين، وطلبت تقريرًا طبيًا، يثبت أني أحتاج لهذه القطعة، واعتبرته بديهيًا أن يحتاجها أي إنسان. والفكرة، أنهم كانوا ما إن يسمعوا بطلبي حتى يهربوا مني على الفور. يخافون الأمر، من قبل مناقشته".

لم تحصل السيّدة ( ل . ف ) على قطعة "الديلدو" (القضيب الاصطناعي) خاصتها أبدًا. بقيت القطعة على الأرجح، واقفة بجلال في كيسها الورقي بأمانات مطار إحدى الدول العربية.

 لدي قطعة أخرى محفوظة في أحد المطارات الأمريكية! قالت ضاحكة، وقبل أن أتساءل عن سبب التحفظ عليها في مطار أمريكي، أكملت مستمتعة:“اسمعي الحكاية”. كنت أجلس إلى جوار ابني، الذي يحمل اسمًا عربيًا، في الطائرة قبيل إقلاعها عائدين من زيارة لأمي في الولايات المتحدة، حين سمعت اسمي ينادى عليه من قبل طاقم الطائرة للحضور فورًا، حدث هذا بُعيد أحداث 11 سبتمبر، وكنت لا أزال متزوجة. جلبوا حقيبتي التي حملتها على متن الطائرة وكان ثمة عناصر شرطة يحملون السلاح ومعدات أخرى. تحلقوا حولها كأنها ستنفجر، طرحوا عليّ مجموعة من الأسئلة، من بينها إن كنت أحمل معي أي قطعة سلاح، أجبت بالنفي وأنا أضحك ضحكاً لم يخلُ من بعض توتر من هذا الجمع. استعدوا مليّا قبل أن يحلّوا سحاب الحقيبة وكلّ واحد منهم في موقعه في وضع الاستعداد، ليجدوا مسدسًا بلاستيكيًا، كانت أمي دسته، من دون علمي، في حقيبتي لمفاجأة حفيدها عندما يصل إلى البلاد. ورغم أنه مسدس بلاستيكي للأطفال، فقد تحفظوا عليه وأخذوه.

لم تحصل السيدة ( ل . ف ) على مسدس ابنها البلاستيكي أبدًا، وأصبح عندها تذكار آخر في مطار آخر.

كنتُ كالذي عثر في كلامها على شيء سبقتني هي بقوله: “انظري، إن ألعابي الصغيرة التي احتجزوها تلك، هي وجه مخاوفهم الكبيرة، كلّ حسب قلقه!”

ملاحظة:
كتبتُ المقال باسم مستعارٍ. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image