شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
دفعة القاهرة.. عندما يلتقي خليجيون في المحروسة أول مرة

دفعة القاهرة.. عندما يلتقي خليجيون في المحروسة أول مرة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 11 مايو 201904:46 م

"أُمّي الحبيبة، اشتقت إليكِ، واشتقت لحُضنك ولإخوتي وللكويت، ولصوت ماكينة الخياطة. أشعرُ أنني محظوظة، فكُل ما أردته هو أن أحضنك. ارتديت قميصاً خيّطته لي، فغمرتني رائحتك. أُريدك أن تزوريني في القاهرة كي تشاهدي الترام وتتفرجي منه على شوارع القاهرة الجميلة. وطريقٌ من السكن إلى الجامعة يستغرق أُغنية 'جبّار' كاملة".

هذه الكلمات خطتها نزهة (لولوة الملا)، المُبتعثة الكويتية إلى القاهرة التي نزعت عباءتها بعد هبوط الطائرة في مطار القاهرة رفقة مجموعة من المُبتعثات الكويتيات، من بينهن دلال (فاطمة الصفي) التي اقترحت على زوجها الزواج من أُخرى لأنها ليست "مثل والدتها ووالدته"، لا تريد أن "تنجب وتُرضّع وتطبخ"، مُطالبة إياه بالطلاق لتُكمل تعليمها في القاهرة وإلا فستنتحر.

يتناول مُسلسل "دفعة القاهرة" الذي يُعرض في رمضان هذا العام قصص طلبة خليجيين، مُعظمهم من الكويت، اتجهوا إلى القاهرة في الخمسينيات للالتحاق بجامعتها العريقة التي كان يتغنى بها المثقفون. توثق عدسة الكاميرا تفاصيل يومياتهم مُنذ لحظات صعودهم الطائرة حاملين معهم حلم لقاء عبدالحليم وأم كلثوم، حتى وصولهم السكن، ثُم خوض تجربة أول يوم جامعي، الذي شهد تبادل رسائل حُب، وغيرة، ومقالب.



تُقابل دلال حبيبها يوسف (بشار الشطي) في الطائرة. الشاب المُبتعث الذي تقدّم لها ورفضه والدها، ولكنّه لم يكن وحده، بل مُصطحباً زوجته لطيفة (مرام البلوشي) إلى القاهرة لتعتني به وتؤدي دور المرأة النمطي كما يُصوّر في المسلسلات والأفلام الكلاسيكية. نظراتهما نظرات عشق والمشاهد التي تجمعهما تُظهر حقبة قد تكون فيها مصر أكثر تفتحاً مما هي عليه اليوم.

وما بين شقة للشباب وأُخرى للفتيات، يُتابع المُشاهد قصصاً مألوفة جداً له. في سكن الفتيات تعيش خمس فتيات مُختلفات من بينهن المجنونة والضعيفة، والقوية التي تُعرّف نفسها بـ "أم لسان طويل".

وفي منزل الشباب يقيم سامي (محمد خليل) المُسالم، وناصر (مهند الحمدي) المغرم بمُمثلة تدعى زيزينيا كان قد أنقذها من الانتحار بعدما رمت نفسها في النيل، ويقضي مُعظم أوقاته معها في مواقع تصوير أعمالها تاركاً المُحاضرات خلفه. ويُشاركهما في السكن فهد (حمد أشكناني) الضرير ذو اللسان السليط، رغم أن شخصية الضرير كثيراً ما تُقدّم على أنها المسكينة، وعدنان (خالد الشاعر) الذي يُطارد واحدة من الفتيات الخمس وتصدّه دوماً، تُدعى لولوة (نور خالد الشيخ)، وهي زوجته في الحقيقة.

أما يوسف، فيسكن في شقة مُنفصلة في نفس العمارة، لأن زوجته تسكن معه.

عن حُب الحياة والفن والثقافة والتفتّح يُحدثنا المسلسل. عن الوفاء في الغربة وعن تكاتف النساء وقت الضيق وتقبّل الآخر رغم المفارقات الاجتماعية والطبقية.

تبيني أصير فُرجة؟

في سيناريو الكاتبة هبة مشاري حمادة التي تعتبر أن المسلسل "عمل بحسٍ نسوي"، العديد من الرسائل المُبطنة التي تدع المُشاهد يُفكر قليلاً مع نفسه، من بينها حوار دار بين يوسف وزوجته لطيفة حينما ركبا الطائرة في الحلقة الأولى.

طلبت منه ترجمة بعض الكلمات من اللهجة الكويتية إلى اللهجة المصرية. سألته عن الفم، والأنف، والنوافذ وصولاً إلى العباءة في الأخير، فدار بينهما هذا الحوار:

- ما عندهم عباية في القاهرة.

- يمشون سفور؟

- لا ما يمشون سفور، بس ما يلبسون العباية، وبس نوصل القاهرة حطي عبايتك في الشنطة.

- تبيني أصير فُرجة للرايح والجاي؟

- لا ما هو لو لبستي العباية بتصيري فرجة، ما يعرفون لها.

هذا الحوار قد يختصر كيف يسعى الطلبة إلى التكيّف مع القاهرة العلمانية في زمن جمال عبدالناصر، وانفتاحها، بغض النظر عن البيئة التي يأتي المرء منها.

نقد لاذع وُجه إلى مسلسل "دفعة القاهرة"، كاتبته هبة مشاري حمادة لا تزال تدافع عنه، بل تتوعد بمقاضاة البعض. ما الذي يميز دفعة القاهرة عن بقية أعمال رمضان هذا العام رغم الهفوات التي وقع فيها؟

"تبيني أصير فرجة؟"، هكذا خاطبت زوجة الكويتي المبتعث إلى القاهرة زوجها حين طلب منها نزع العباءة عند وصولهما إلى المحروسة. "دفعة القاهرة" يسرد فترات "متخيلة" مما يسميه الخليجيون "الزمن الجميل"، ويعيدهم إلى حقبة زمنية لم يعرفها معظم المتابعين للمسلسل.

سيل من الانتقادات

رغم عُنصر التشويق الحاضر في الحلقات حتى اللحظة، قوبل مسلسل دفعة القاهرة بعاصفة من الأسئلة والانتقادات: هل يوّثق فترة دراسة أول دفعة كويتية إلى القاهرة عام 1956؟ هل ينقل تجربة المُبتعث الخليجي إلى القاهرة؟ هل اقتبست الكاتبة القصة من كتاب "شقة الحرية" للأديب الراحل غازي القصيبي التي تدور أحداثها حول شبان ذهبوا للدراسة في مصر، بين عامي 1948 و1967، وتحولت إلى مسلسل يحمل الاسم ذاته عام 1996؟

اعتبر بعض مُشاهدي المُسلسل أن أحداثه تدور عام 1956 حينما استقبلت القاهرة أول دفعة كويتية. وبناء عليه، ترصّدوا بعض الأخطاء في الإخراج، منها وقوف الفتيات بذهول في الحلقة الأولى من المسلسل حينما وصلوا الشقّة ووجدوا فيها تلفازاً، رغم أن أول بث تلفزيوني مصري كان في 21 يوليو 1960.

واستغرب البعض الاستعانة بأغنية "جبار" لعبدالحليم حافظ، التي وردت في الحلقة الثالثة حينما أخبرت نزهة والدتها بأن الطريق من السكن إلى الجامعة "يستغرق أغنية جبار كاملةً"، علماً أن الأُغنية ظهرت عام 1967 في فيلم معبودة الجماهير.

وكشف الكاتب والمؤرخ البحريني عبدالله المدني عن أن "المبتعثات الكويتيات كن يسكن في 'بيت الكويت' في شارع التحرير مكان السفارة الكويتية حالياً، ولم يقمن في عمارة مشتركة مع مصريين"، مثلما ظهر في المسلسل الذي جعل ضابطاً مصرياً يقيم في شقة فوق شقة البنات.

وإلى جانب هذه الأخطاء، انتقد كثيرون أداء بعض المُشاركين في العمل، من بينهم نور الشيخ وهي إعلامية بحرينية، ومهند الحمدي وهو إعلامي سعودي، كما انتقد البعض عدم الاستعانة بممثلين تدل أعمارهم على أنهم في السنة الجامعية الأولى. 

أما النقد الأكثر قسوة فهو اتهام الكاتبة بسرقة أحداث المسلسل من رواية "شقة الحرية"، الذي يتناول فترة ابتعاث مجموعة من الشبان إلى القاهرة. يتغير توجههم الإسلامي المُتشدد خلال إقامتهم ويصبحون أكثر انفتاحاً وتقبلاً للآخر.

لا توجد أي مقاربة

ردّت الكاتبة هبة مشاري حمادة على هذه الاتهامات، قائلةً في برنامج "تفاعلكم": "إن أردت أن تتهمني بشيء، فكلّف نفسك قراءة الرواية على الأقل أو شاهد مسلسل شقة الحرية الموجود على اليوتيوب".

جاءت كلماتها هذه بعدما انتقدها مشاهدون يزعمون قراءة الرواية، ويرون تشابهاً ملحوظاً بين المسلسل الذي أخرجه علي العلي وكتبته هبة حمادة، وبين رواية القصيبي.

وأضافت هبة أنه لا توجد أي مقاربة في الحوار أو بين الشخصيات والأحداث، مؤكدة أن العمل كانت مقاربته مختلفة تماماً، وأن "التشابه الوحيد هو وجود دفعة من الشباب يسافرون للدراسة، وهو لا يعتبر تشابهاً لأنه طبيعي في كل الدول وليس حكراً على أحد بعينه"، على حد قولها.

وأشارت إلى أن "شقة الحرية" لا تعتبر رواية بقدر ما تعتبر سيرة ذاتية للقصيبي، لافتة إلى أن المقاربة بين دفعة القاهرة ورواية غازي القصيبي "تشريف لا تستحقه" و"إجحاف بحق الرواية"، وليس "تهمة".

وقالت إن المشكلة تكمن في مواقع التواصل، وتابعت "تدار عملية الاشتراك ككرة الثلج. هي جملة، الناس بدأت في تناقلها دون قناعة، من أجل السبق فقط".

ولفتت إلى التنويه الذي يُعرض قبل بدء المسلسل يومياً والذي جاء فيه: "هذا العمل الدرامي بريء تماماً من الواقع، ولم يشر إلى الدولة التي انطلقت منها دفعات الطالبات والطلبة ولا تشير جنسياتهم إلى دولة معينة وكل أحداث العمل وحواراته وتفاصيله متخيلة بالكامل"، وهو ما يتعارض مع المشاهد الأولى من المسلسل حيث نرى طائرة تتجه من الكويت إلى القاهرة.

وأكدت حمادة في التنويه أنه ليس عملاً توثيقياً ولا يمكن اعتماده كمرجع تاريخي ولا يعبر عن أي سيرة ذاتية، مُشيرة إلى أنها اختارت "المحروسة" لأنها كانت وما زالت منارة الجمال والفن والحب والعلم.

وقالت إنها وضعت التنويه لتتحرر من أي قيد تاريخي قد لا يساعدها في سرد الأحداث مُشيرة إلى أنها ركّزت على الجغرافيا فقط.

وعن أُغنية جبّار، قالت إنها "احتاجت إلى كلماتها كونها مغذياً درامياً" بالنسبة لها. وأشارت إلى أن الدراما "لعبة تخيلية بالكامل"، ولكن التوثيق يلعب دوراً كبيراً في الأعمال العربية رغم أن "التوثيق والتأريخ ليستا مادة درامية صالحة"، حسب قولها.

واعتبرت أن الجدل الذي يحصل "صحي"، مُشيرة إلى أنها تكتب الجزء الثاني حالياً، وسيكون فيه الطلبة في سنتهم الجامعية الثانية، ومع ذلك أكدت في حوار لها مع صحيفة الراي الكويتية أنها ستقاضي كل من اتهمها بـ "سرقة أو تشابه" المسلسل مع رواية "شقة الحرية".

رغم النقد، بقي مسلسل دفعة القاهرة من الأكثر تميزاً، في السباق الرمضاني الحالي في الخليج، بحسب رصد التعليقات على مواقع التواصل. مسلسل لا حروب دامية فيه، ولا تحرّشات ولا نصب ولا قمع ولا فساد حتى اللحظة، أعاد إلى أذهان الكثيرين فترة يطلق عليها "الزمن الجميل".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image