يأتي رمضان 2019 على غير العادة، مُحمَّلاً بموسمٍ دراميٍّ مصريٍّ شحيح، فبعدما كنا نرى في مواسم سابقة 60 مسلسلاً أو يزيد، تبدّلت الأرقام وبتنا على موعدٍ مع منافسة تدور بين 25 مسلسلاً فقط لا غير.
قد يرى البعض أنَّ الأمر يبدو عادياً، لكن غير العادي أن نرى في هذا الموسم 7 أعمالٍ كوميديّةٍ دفعة واحدة، ما يعنى أنَّ ما يقترب من ثلث تجارب الموسم الرمضاني تقريباً تدور في فلك الكوميديا، ويمثّل ذلك تحدياً نتوقّف أمامه اليوم، خصوصاً أنَّ تلك التجارب ستكون على المحكِّ بفضل لغة الأرقام، التي أعلت من تجارب الأكشن والغموض والإثارة في السنوات الأخيرة، وجعلتها تتصدّر قائمة الأعلى مشاهدة، متجاوزةً نظيرتها الكوميديّة.
ترى هل من طوق نجاةٍ لتلك التجارب في موسم رمضان؟ وهل هي قادرة فعلاً على تغيير مزاج المصريّين الذي "تعكّر" بسبب الأوضاع الاقتصاديّة والسياسيّة الأخيرة التي أحبطت تطلّعاتهم، وهل تستطيع احتلال قائمة الأعلى مشاهدة، أم يبقى الوضع على ما هو عليه وتخرج من السباق كما دخلته؟
منافسة عائلية كوميدية: إيمي وأختها وزوجها
يدخل المُمثِّل أحمد فهمي المنافسةَ بمسلسل "الواد سيّد الشحات" الذي تدور أحداثه حول شاب فقير يتزوّج من فتاةٍ غنيّةٍ، وفي أثناء الأحداث يُفاجأ الشاب بمن يطاردونه بسبب 6 ملايين جنيه، احتال عليهم فيها أحد أفراد عائلته، ويحاولون استرداد المبلغ منه.
كما تدخل الشقيقتان دنيا وإيمي سمير غانم السباق الرمضاني بمنافسةٍ من نوع خاص، حيث تطلّ الأولى بمسلسل "من أوّل نظرة" الذي يدور في حلقات منفصلة/ متصلة حول 3 قصص، تُستعرض كلّ قصّة في 10 حلقات، تتعرَّض دنيا خلالها، عن طريق تجسيد أكثر من شخصية، لمواقف كوميديّة كثيرة.
أما شقيقتها إيمي التي تخوض أوّل بطولةٍ مطلقةٍ لها بمسلسل "سوبر ميرو"، فتُقدِّم شخصيّة صحفيّةٍ بإحدى المجلات، وتمرّ بالعديد من المواقف الكوميديّة.
إيمي لن تكتفي بمنافسة شقيقتها فقط، حيث وجدت نفسها تشارك في مواجهة زوجها حسن الرداد، الذي يطلّ في رمضان بمسلسل كوميدي اختار له اسم "الزوجة الـ 18"، تدور قصّته حول شاب كثير الزواج، يمرّ بـ 17 زيجة حتى يجد راحته في الزوجة 18، لتنقلب الأحداث عليه فجأة، ويجد نفسه في مواجهة 17 امرأة، ما يدفع بنا إلى الكثير من المواقف الكوميديّة.
أما ثنائي "مسرح مصر" علي ربيع ومصطفى خاطر، فمن المقرّر أن يخوضا هما أيضاً منافسةً خاصّةً، حيث يطلّ ربيع بمسلسل "فكرة بمليون جنيه" والذي يدور حول شاب يعتقد أنه يمتلك أفكاراً خاصّةً، الأمر الذي يورّطه في عددٍ كبيرٍ من المفارقات الكوميديّة، أما مصطفى خاطر فيطلّ بمسلسل "طلقة حظ" ويدور حول شاب يواجه الكثير من المشكلات مع شقيقاته الأربع، بسبب علاقته بزوجته، الأمر الذي يضعه في مطبّات كوميديّة يخرج منها بمساعدة زوجته.
وإلى هشام ماجد وشيكو ومسلسل "اللعبة" الذي يدور حول شخصية وسيم، ويشغل منصب مدير الفندق الذي يدخل في مواجهاتٍ كوميديّةٍ مع النزلاء بسبب صديقه، وفي كلّ مرّة يضطرّ إلى مواجهة مشاكله بحيلةٍ جديدةٍ تُفجِّر المواقف الكوميديّة.
يرى القاضي أن المشاهد الفَطِنَ لا يحتاج إلى الكوميديا في كل الأحوال، والأهمّ بالنسبة له، أن يرى نفسه ويشعر بأن هناك احتراماً لعقله واعتناءً بمشاكله.
"الكوميديا" أو "اللعب في المضمون"
يرى الناقد كمال القاضي "اللجوء إلى الأعمال الكوميديّة في الدراما الرمضانيّة محاولةً يائسةً للخروج من الأزمة التي مُني بها الموسم الرئيس والأهمّ هذا العام" في عالم الدراما التلفزيونيّة.
وأوضح أنّ "الرهان بشكلٍ كاملٍ على الكوميديا لا يحقّق التوازن المطلوب، فهي تتأسّس على الأفكار الخفيفة التي قد لا ترضي شغف المشاهد وتشبع رغباته، فالمشاهد يميل إلى الأعمال المثيرة التي تحتوي على مضامين تناقش قضاياه المهمّة والملحّة، غير أنه يعتبر الكوميديا في كثير من الأحيان بمثابة مهدّئات ليس أكثر".
ويرى القاضي أن المشاهد الفَطِنَ لا يحتاج إلى الكوميديا في كل الأحوال، والأهمّ بالنسبة له، أن يرى نفسه ويشعر بأن هناك احتراماً لعقله واعتناءً بمشاكله.
ويعتبر القاضي "التعويل على الكوميديا" كمادّةٍ أساسيّةٍ في الخريطة الرمضانيّة "هروب اضطراري" من جانب الكتّاب والمخرجين والمنتجين، تماما مثلما يحدث في السينما، حيث تسويق الكوميديا ما هو إلا "لعب في المضمون"، حيث تسويق الكوميديا متاح بشكل أكبر، ونجومها الكثر من جيل الوسط، بعيداً عن كبار المحترفين، لا يمثّلون عبئاً إنتاجيّاً كبيراً.
أغلب المسلسلات الرمضانية يتمّ "سلقها" خصوصاً وأن بعض الفنانين يكتشفون فجأة أن شهر رمضان على الأبواب، فيبدأ كلٌّ منهم بتصوير المسلسل وضغط ساعات العمل، قبل أن يتمّ الاستعانة بأكثر من وحدة لإنقاذه
وينتصر القاضي للدراما الاجتماعيّة والتراجيديّة، ويرى أن لها الغلبة على الكوميديا، يقول: لا أعتقد أن الكوميديا وحدها يمكنها تغطية الموسم بالكامل، هي فقط مجرد مُقبّلات أو مشهّيات، وتظلّ الوجبة الرئيسيّة تعتمد في مكوّناتها على الأعمال الاجتماعيّة والتراجيديّة، وأي خروج عن هذا النسق سيكون في غير صالح الموسم الرمضاني، وسيؤدّي حتماً إلى ارتباكٍ حقيقي، ولكي نتبيّن حقيقة هذا الأمر لابد من مراجعة النوعيّات المزمع تقديمها خلال رمضان المقبل، سنجد أنها لا تزال مختلطة بين أكثر من صنف برغم قلّتها، ولا تشغل الكوميديا بها أكثر من 30 بالمائة تقريباً من إجمالي الإنتاج، وتلك معطيات تقودنا إلى نتيجة حتميّة مفادها أنه لا غنى بأي حالٍ عن الأعمال التراجيديّة والميلودراميّة والاجتماعيّة، لأنها الأصل.
فيما يرى الناقد أحمد حسين أن التجارب الكوميديّة التي شاهدناها في المواسم السابقة، ورغم أنها حملت توقيع كبار النجوم، لم تترك أيّ أثرٍ لدى الجمهور، ذلك لأنها "جاءت دون المستوى وعلى غير التوقّعات".
يتابع حسين: المشكلة الكبرى التي واجهت تلك التجارب هي أنها كانت تقليديّةً وجاءت سطحيّةً للغاية، رغم أنها رسمت للجمهور صورةً كاذبةً بأنها تناقش أهمّ القضايا التي يعانى منها المجتمع، غير أن تلك المعالجة لم تكن على المستوى المطلوب، وجاءت خاليةً من كوميديا الموقف، واعتمد أغلبها على الايفيهات التي نسمعها يوميّاً على السوشيال ميديا وعلى الكليشهات التي مللنا منها جميعاً.
أما عن تجارب هذا العام، يستدرك حسين، فأرى أنَّ أحداث المسلسلات السبعة لا تقدّم جديداً يُذكر، بالعكس، مسلسل حسن الردّاد مثلاً قريب جدّاً من مسلسل "الزوجة الـ13 "؛ لن يضيف لي كمتفرّجٍ أيّ جديد، كذلك مسلسل مصطفى خاطر فهو شبيه في فكرته بمسلسل علي ربيع الذى قدّمه العام الماضي "سكّ على أخواتك"، وإذا أضفنا إلى تلك المشكلة أزمة كل عام، المطّ والتطويل، فالنتيجة النهائيّة ستكون خروج المسلسلات الكوميديّة من الموسم، دون تحقيق أي نجاحٍ يُذكر ، وتُترك الساحة خاليةً لمسلسلات الغموض والإثارة والتجارب الاجتماعيّة والميلودراما، والتي بات واضحاً للجميع أنها تحظى برضا وقبول قطاع عريض من الشعب.
"مسلسلات مسلوقة"
ويرى الكاتب محمود سلامة أن المسلسلات الكوميديّة السبعة قد تضع قدماً على طريق المنافسة، وربما تعتلي الصدارة هذا العام إذا ما قدّمت نوعاً من الكوميديا السياسيّة والاجتماعيّة التي تشرح وتنتقد الواقع، وقدّرت قيمة وجود سيناريو حقيقي يدفع بالحدث إلى الأمام باتجاه الحلّ، على أن يلمس المتلقّي تطوراً حقيقيّاً للشخصيات.
ولكن سلامة يعبّر عن تشاؤمه حول استيفاء المسلسلات السبعة شروط تفوّقها، وفقاً لمعطيات واقع الإنتاج في مصر، يقول: استناداً إلى أرض الواقع، وبالنظر إلى أنَّ أغلب تلك الأعمال يتمّ "سلقها" خصوصاً وأن بعض الفنانين يكتشفون فجأة أن شهر رمضان على الأبواب، فيبدأ كلٌّ منهم بتصوير المسلسل وضغط ساعات العمل، قبل أن يتمّ الاستعانة بأكثر من وحدة لإنقاذه، كل هذه العوامل تؤثّر سلباً على المحتوى وتؤدّي إلى خروج العمل من المنافسة، وأعتقد أن هذا ما يحدث مع المسلسلات السبعة هذا العام.
وبعيدا عن الكوميديا، يلفت القاضي النظر إلى دخول "نوع درامي جديد" في السباق الرمضاني وهو "الدراما الرياضيّة" التي تمثّل الفكرة الرياضيّة محاور مهمّة فيها، مثل مسلسل "هوجان" لمحمد عادل إمام، و"لمس أكتاف" لياسر جلال وهما مجرّد عيّنات فقط لأعمال أخرى قادمة من نفس النوع، سيكون لها الغلبة في المواسم التالية لو نجحت في الاختبار الرمضاني.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نايف السيف الصقيل -
منذ يوملا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 4 أياممقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ 6 أيامتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
بلال -
منذ أسبوعحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...
HA NA -
منذ أسبوعمع الأسف