شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
غَزَل، ونكات، وعُقَد نفسية..القصف الإسرائيلي في يوميّات غزة

غَزَل، ونكات، وعُقَد نفسية..القصف الإسرائيلي في يوميّات غزة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 13 مايو 201901:52 م

نادراً ما يمرّ شهر ولا يتعرَّض فيه قطاع غزَّة المُحاصَر للعدوان الاسرائيلي، منازل ومساجد ومدارس ومنشآت حكومية تحت مرمى القاذفات، حتى باتت الحرب جزءً من المناخ العام لفلسطينيي غزة.

"بيكفي تزنّ زي الزَّنَّانة"، تحضر هذه العبارة على لسان أم محمد(34عاماً) كثيراً، تقولها لصديقاتها عندما يثرثرن، ولأولادها عندما يشاغبون، ويلحّون في طلباتهم.

ويطلق فلسطينيو غزة على طائرات الاستطلاع الاسرائيلية اسم" الزَّنانة" نظراً لصوتها المزعج.

تقول أم محمد لـ "رصيف 22": " صوت طائرة الاستطلاع الإسرائيلية" الزنانة" غريب، ومرتفع، ومزعج للغاية، فعند تواجدها في أجواء القطاع نشعر بالإزعاج وعدم الراحة والصداع، نحن نستاء منها كثيراً، في اليوم الذي تحلّق به في السماء لا ننام الليل، ونبدأ بالدعاء على الشخص الذي يُسيّرها بأن يُصاب بشلل، أو تسقط لكي ننام".

وتضيف" نظراً للإزعاج الكبير الذي تسببه طائرة الاستطلاع الإسرائيلية" الزنانة" أطلقت على كل شيء مزعج اسم زنانة، فعندما يكثر أبنائي الحديث عن شيء معين، أو أثناء مشاغبتهم أقول لهم: بيكفي تزنوا زي الزنَّانة".

 "نظراً للإزعاج الكبير الذي تحدثه طائرة الاستطلاع الإسرائيلية "الزنانة" أطلقت على كل شيء مزعج هذا الاسم، فعندما يكثر أبنائي الحديث عن شيء معين، أو يلحون في طلباتهم، أقول لهم: بيكفي تزنّوا زي الزنَّانة".

وكذلك عندما تقابل صديقاتها، وتمتعض من أصواتهن المرتفعة، تقول: "بيكفي ازعاج أصواتكن مثل الزنانة"، وقد غضبت منها صديقة لأنها وصفت ثرثرتها بـ"الزنانة".

"قنبلة مدمرة" و "رصاصة روسية أصلية"

أما محمود خالد (27عاماً)، فقد أثَّر القصف فيه وأصدقائه ولكن بطريقة أخرى، فعندما يصادفون فتاة جميلة يصفونها بـ"قنبلة مدمرة"، و"صاروخ من الطراز الثقيل"، و "رصاصة روسية أصلية".

يقول محمود: " تكرار الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة، والغارات الجوية، واستخدام الاحتلال الإسرائيلي أنواعاً مختلفة من الأسلحة، أثر على لغتنا كثيراً حتى أصبحنا نستخدم تلك الأسماء في حياتنا اليومية، وغيَّرت أساليبنا في معاكسة الفتيات الجميلات، فبدلاً من أن نقول لهنّ يا "جميل، يا حلو"، بدأت ألفاظاً جديدة تدخل الخدمة".

ويُبرِّر استخدام تلك اللغة العسكرية في الغزل، يقول: "نطلق تلك المصطلحات لأن الصاروخ والقنابل والرصاص يقتلونا ويدمرون منازلنا، والبنات الجميلات تقتل وتدمر قلوبنا عندما نشاهدهن".

خلال العدوان الأخير، تحوَّلت المكالمة العاطفية بين سامح، 28 عاماً يعمل بالبرمجة، وعشيقته، إلى مكالمة عن الأسباب التي دفعت الاحتلال الإسرائيلي إلى قصف غزة، وكيفية إطلاق صواريخ المقاومة الفلسطينية تجاه الأراضي المحتلة، وما هو وجه الاختلاف بين الصواريخ الفلسطينية والإسرائيلية.

يقول سامح: "بعد نهاية الحديث عن الصواريخ والقذائف، أردتُ العودة إلى الحديث العاطفي، ولكن ليس بعيداً عن أجواء الحرب، فعندما سألتني عن قوة الصواريخ ومداها، قلت لها تلك الصواريخ قوية وتأثيرها قوي، ولكن عندي صواريخ أقوي بكثير وشكلها حلو".

وتتحول تفاصيل الحرب والعدوان إلى مزحة بين الأصدقاء في غزّة أحياناً، يحكي عمَّار حمد (27 عاماً): " في خلال أيام التصعيد التي تعرضنا له الأيام الماضية حاولنا الخروج من أجواء الحرب إلى أجواء الضحك والمرح، فكنت برفقة عدد من الأصدقاء، وفجأة غادرت المكان، أصدرت بقطعة حديد صوتاً قوياً يشبه صوت الصاروخ، الأمر الذي جعلهم ينبطحون على الأرض، ومنهم من نطق الشهادة".

"تكرار الغارات الجوية علينا، أثَّر على لغتنا؛ بدلاً من أن نغازل الفتاة الجميلة "يا حلو" أو "يا جميل"، نقول "قنبلة مدمرة" أو "صاروخ من العيار الثقيل"

يضيف عمَّار ضاحكاً: "حياتنا في غزة أصبحت مرتبطة بالحروب والقتل والدمار، حتى عندما نريد أن نضحك، لا نجد إلا تلك الوسائل لنضحك بها، كوننا اعتدنا عليها، فبعد المشهد المضحك الذي تعرَّض له أصدقائي، لم أتمالك نفسي من الضحك، وخرجنا من أجواء الحرب إلى الضحك والمرح".


"ما هذا الصوت يا أمِّي؟!"

من ناحية أخرى أحدث العدوان المتكرر على قطاع غزة أعراضاً نفسية، خاصة لدى الصغار، فالطفل أحمد حميد (9 سنوات)، تخبرنا والدته سناء، 40 عاماً ربة منزل، أنَّه لا زال يعاني من آثار القصف الذي استهدف موقعاً عسكرياً يتبع للمقاومة الفلسطينية، مكانه قريب من منزلهم قبل عدة أشهر".

تقول سناء لـ"رصيف 22": " منذ عدة أشهر وما زال طفلي يعاني من مشكلة كبيرة، يفقد السيطرة على البول، فهو لا يذهب للمرحاض لقضاء حاجته، ويقضيها على ملابسه، هذا الأمر يرهقني كثيراً، طوال اليوم أنظف ملابسه والأرض المتسخة".

وتضيف سناء شاكية:" لم أترك طبيبا إلَّا ذهبت إليه، الجميع يخبرني أنها حالة نفسية وليس لها علاج، وعلاجها يكون مع الوقت، وأنا صبرت كثيراً، ووضعه يزداد سوءً يوماً بعد يوم، فالقصف المتكرر على قطاع غزة سبَّب حالة نفسية لطفلي، وأصبح خائفاً بشكل دائم، ويرتعب عند سماع أصوات عالية، فهو يظن أنها قصف".

أما المواطنة نسرين صافي (40 عاماً) فكانت حريصة كل الحرص خلال العدوان الأخير الذي تعرض له قطاع غزة، على ألَّا تخبر أطفالها عمَّا يحدث من قصف وتدمير.

تقول لـ "رصيف 22": "تعمدتُ ألَّا أخبر أطفالي عن الحرب، وعندما يسألوني عن أصوات الصواريخ والقذائف، أخبرهم أنَّ هذا من الجيران، كي لا يخافوا، أحرص ألَّا يعرفوا شيئاً لما يحدث في غزة، وعن واقعنا المأساوي، حتى لا يؤثر ذلك على حياتهم مستقبلاً، أو يشاهدوا كوابيس في أحلامهم وتتسبّب لهم بحالة نفسية".

وتروي نسرين ما تقوم به عندما يتعرّض حيّها لغارة جوية: "خلال العدوان الإسرائيلي الأخير ذهبتُ إلى بيت عائلتي، لأنَّ القصف كان قريباً من منزلي، خشية أن يسمع أطفالي أصوات الانفجارات ويسألوني عنها، أو يتعرضوا للخطر".

"تعمَّدتُ ألَّا أخبر أطفالي عن الحرب، وعندما يسألوني ما هذه الأصوات يا أمّي؟، أخبرهم أنَّ هذا من الجيران، كي لا يخافوا".

وقد أظهر تقرير لمركز الميزان لحقوق الانسان حول ارتفاع حالات المرضى المحولين لمستشفيات الطب النفسي بنسبة 21% مقارنة مع عام 2017،  وارتفاع عدد المرضى المترددين على مراكز الصحة النفسية الحكومية بنسبة 69% مقارنةً بعام 2016.

من جهة أخرى يقول الأخصائي النفسي محمد يونس لـ"رصيف 22": "من الواضح أنَّ سكان قطاع غزة أصبحوا يعانون من آثار نفسية نتيجة الحروب الإسرائيلية المتكررة التي تعرضوا لها".

ويضيف: "الحروب لها تأثيرات سلبية تستمر لفترات زمنية طويلة على الناس بمختلف فئاتهم، فالأطفال الذين يتعرضون للصدمات والخوف، لن يتمكنوا من النوم، ويصاب معظمهم بالتعثّر في الكلام والالتصاق بالأم، وعدم القدرة على التحكم بعمليات البول".

ويوجز يونس رؤيته قائلا: "كُلَّما زاد العنف ارتفعت مُعدَّلات الأمراض النفسية".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard