أصبح من الممكن أن تجد في أسواق قطاع غزة المُحاصَر منذ أكثر من 12 عاماً، الكثيرَ من الملابس التي تحمل شعار Lacoste ،Zara ،Fox ،Polo، وغيرها من الماركات العالمية التي استطاعت ان تجذب زبائنها إلى شراء هذه الملابس، والذين غالباً ما يكونوا من كافة شرائح المجتمع من الفقراء والأثرياء، لعدّة أسباب، منها ما يتعلّق بالفقر، ومنها مايتعلّق بتوفّر الجودة والخامة العالمية بأسعار منافسة لمثيلاتها التي تتوفر في المحلات التجارية الجديدة. ومنهم من جذبهم مغناطيسُ الماركات وهوس الموضة. في الآونة الاخيرة زاد الإقبال على شراء الملابس المستعملة من سوق "فراس"، وهو واحد من أكبر الأسواق الشعبية والأثرية والمركزية في قطاع غزة، والذي يتجوّل فيه معظم السكّان لشراء حاجاتهم الأساسية. ازدهر هذا السوق في الستينيات وما مازال مستمراً حتى الآن، وهو السوق الأشهر أيضاً في غزة للبضائع المستعملة، يزوره الفلسطينيون سكّانُ غزة من كافة المناطق في القطاع، لشراء ما بات يعرف بملابس "البالة". يقول المتحدّث باسم أصحاب معارض بيع ملابس البالة في غزة، التاجر إياد الغز (42 عاماً): "أنا أعمل في هذه التجارة منذ 30 عاماً، توارثتُ هذا الكار عن أخوالي عندما كنتُ اعمل لديهم". ويحكي الغز لـ"رصيف22" روتين عمله في السوق: "أستيقظ كلَّ صباح عند ساعات الفجر، وأسافر إلى إسرائيل بعد حصولي على تصريح دخول، لكي أتفق على أسعار البضائع مع التاجر اليهوديّ، وأحجز (تؤمم) بالعبراني بمعنى "دور"، وبعد ذلك أشحنها مع السائق عبر معبر كرم أبو سالم. فتأتي إلى مخازن غزة لكي يتمّ فرزُها وتوزيعها على التُجّار، بعد غسلِها وكيِّها وحياكتها إن اقتضت الضرورة ذلك. ومن ثَمَّ يتمّ عرضها للبيع في المحلات الخاصة لبيع ملابس البالة أو الأسواق الشعبية".
هدف الزبائن في غزة من الشراء هو الوصول إلى ماركات عالمية، سواءً أوروبية أو إسرائيلية، وخاصة أن أسعار البيع تكون في متناول الجميع من 5 شيكل إلى 15 شيكل فقط، مقارنة بالملابس الجديدة التي لا تقلّ عن 100 شيكل لأيّ قطعة.
خلال عملي في محلات البالة، توجهتُ إلى بيع الملابس الجديدة، ووجدتُ أنها غير مجدية وغير مربحة ومتعبة أيضاً، فرجعت إلى مهنة بيع الملابس المستعملة لأن مجالَها أحلى وأوسع، وعليها إقبال أكثر من قبلِ الزبائن.ويكمل الغز: "في كلّ أسبوع أشحن وأشتري 40 طنّاً من الملابس المستعملة، وتكون بالأوزان وليس بالقطعة الواحدة، ومن ثمّ أبيعها جملة على محلّات البالة في سوق فراس، والمحلات الأخرى". وعن حال تجارة الملابس المستعملة يوضح الغز: "في الوقت الحالي تجلب تجارة البالة الربحَ لي كتاجر، وهي حلقة تكمل بعضها بعضاً، فإذا المستهلك سحب منها، التاجرُ سوف يطلب أكثر". بيع الملابس الجديدة غير مجدية ولا مربحة ومتعبة يقول أحمد أبو حسين (39 عاماً)، صاحب محلٍّ في سوق "فراس": "قبل عام 2014، كانت تجارة الملابس الجديدة وتجارة ملابس البالة، متساويتن، لكن بعد العدوان الإسرائيليّ على غزة، والوضع الاقتصادي السيّئ الذي يشهده القطاع، زاد الإقبال والشراء على ملابس البالة من كافّة طبقات المجتمع، الكادحة العمالية منها، والأرستقراطية". وأوضح أبو حسين: "أنّ هدف الزبائن في غزة من الشراء هو الوصول إلى ماركات عالمية، سواءً أوروبية أو إسرائيلية، وخاصة أن أسعار البيع تكون في متناول الجميع من 5 شيكل إلى 15 شيكل فقط، مقارنة بالملابس الجديدة التي لا تقلّ عن 100 شيكل لأيّ قطعة". وأضاف أبو حسين: "خلال عملي في محلات البالة، توجهتُ إلى بيع الملابس الجديدة، ووجدتُ أنها غير مجدية وغير مربحة ومتعبة أيضاً، فرجعت إلى مهنة بيع الملابس المستعملة لأن مجالَها أحلى وأوسع، وعليها إقبال أكثر من قبلِ الزبائن". حكايات الزبائن: هوس بالموضة الغربية، وتحسّس من الأحرف العبرية! يقول الشاب عبد الرحمن ابو حسين البالغ من العمر 19عاماً: "أنا أرتدي الملابس التي يُكتب عليها باللغة العبرية، لكنني أعرف قبل أن أشتري القطعة ما هو معنى الكلمة المكتوبة عليها؛ مثلًا أنا أرتدي الآن بلوزة مكتوب عليها كلمة بالعبرية، ومعناها مشروب اللبن! وأوضح: "أنا أعمل مع عمي وأهلي في مهنة بيع الملابس المستعملة التي تأتي من أوروبا وإسرائيل، ولكن عندما نبدأ بفرز البضائع، ونجد بها كلاماً وجملاً مكتوبة باللغة العبرية، ويكون معناها مخلّاً بالآداب، فلا نعرضها للبيع، بل نعرض فقط الملابس المكتوب عليها ماركة القطعة أو دعاية لشركة معينة أو كلمات عادية". أما الخمسينية أم عمّار الجحجوح فتقول وهي مبتسمة: "أنا منذ عام 2008 أتردّد على سوق فراس، وأشتري الملابس المستعملة نظراً لسوء الأوضاع الاقتصادية، كما أن خامة منتج الملابس التي تباع في هذا السوق، ممتازة". وتتابع: "أنا أمٌّ لخمسة أولاد، وابنتي تتطلّب مني الملابس المستعملة لأنها تعرف جيّداً أنني سوف أشتري لها 7 أو 8 قطعٍ بثمنِ قطعة واحدة من الملابس الجديدة، ونأتي جميعنا إلى هنا لأنه يمكننا الحصول على بضائع ذات علامات تجارية شهيرة، وبحسب آخر صيحات الموضة في أوروبا، والتي من المستحيل أن تعثر عليها جديدةً في غزة". وتحدّث الشاب أبو جلال اشتيوي 27 عاماً عن "هوس الموضة" في غزة، بأنه يعود إلى 10 سنوات، والهدف أن يرتدي الشابُّ ملابسَ لأوّل مرّة تحمل اسمَ ماركات عالمية، ولا يرتديها أحدٌ قبلَه. ويحكي أبو جلال عن تجربته مع الموضة في محلات البالة: "إدماني وحبّي لملابس البالة لا يوصف، لأنّي أعشق الموضة الغربية والأوروبية، والتي عشت معها بقصّةٍ بدأتْ بأن أكون زبوناً عادياً، وانتهت بفتحِ محلٍّ خاصّ بي لبيع أحلى ملابس البالة التي تحمل اسم الماركات العالمية، خاصة ماركة polo، وهي الأكثر طلباً من قبل الشباب، ولاقت إقبالاً ممتازاً لأبناء هذا الجيل، ومن نفس فئة عمري". ويتفاخر أحمد السنداوي 17عاماً بمهنة بيع ملابس البالة ويقول لـ"رصيف 22": "تركتُ المدرسة في سنّ مبكّرة، وصرتُ أعمل مع أبي، وأنا مستمتع في عملي هذا، مؤكدًا أنّ البيع في سوق البالة مهنة تتوارث عبر الأجيال، خاصة أنّها توفّر الكثير على الفقراء، فهم يشترون الملابس بأرخص الأسعار". ولا يتخيّل السنداوي أن تُستبدل أسواق الملابس المستعملة بنظيرتها التي تبيع الملابس الجديدة، فيقول: "من غير العادل أن يبقى الفقراء بلا ملابس". المخراز، أجهزة قديمة ذات كفاءة ورخيصة "المخراز" أو سوق الأدوات القديمة يشهد هو الآخر إقبالاً لافتاً مقارنةً بالمحلّات التي تبيع البضائع الجديدة، وتنتشر في أنحائه "بسطات"، تعرض عشرات المُعدّات المستخدمة، من أدوات السباكة إلى أجهزة كهربائية، كالسخّانات والغسّالات والثلاجات والأثاث المنزليّ، وهي مستوردة بالأساس من إسرائيل، ولكنّها تستولي على انتباه الغزيّين، كونهم يُفضّلون البضائع ذات الجودة الممتازة. كما أن أسعارها في متناول الجميع، إضافة إلى أنها أطول عمراً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...