من بعيد كان يراقب جاره خلال ركوبه الأمواج، يحلم أن يكون مثله، طفلاً تحمله مخيلته شيئاً فشيئاً إلى أعلى موجة على شاطئ غزة وتطير به خارج الصندوق الذي يعيش فيه منذ سنوات بالحصار والحروب... وعندما كبر، أو كما خيل له في عمر الثانية عشرة طلب منه أن يصحبه معه ويعلمه هذه الرياضة التي يستطيع "الطيران" خلالها.
"علي أرحيم" هو ابن البحر، فبيته على شاطئ القطاع الأوسط لا يبعد كثيراً عن أمواجه، ويعلم تماماً كيف يسبح ويغطس عميقاً، ولكن هذه الرياضة كانت جديدة عليه، وبالفعل صنع لوحاً من الخشب والفلين ورافق جاره وخرج إلى البحر دون علم أهله. ولم يمر الكثير من الوقت حتى أصبح يتقن ركوب لوحه على الموج.
يبلغ "علي" من العمر الآن (28 عاماً) وبعشقه لهذه اللعبة وبجهوده الذاتية أصبح محترفاً بركوب الأمواج، ولكنه كما كل ممارسي هذه الرياضة في القطاع، احترفها من العدم، فلا مساعدات ولا معدات ولا حتى أندية لها، إلا أنها لهم "متنفس" من الخناق المفروض عليهم بفعل الحصار.
هذا التعلق بالبحر وأمواجه جعل علي يمتهن مهنة " منقذ على شواطئ البحر" حتى لا يبتعد عنه، وهو ما جعله صاحب حظ أكبر من باقي ممارسي هذه الرياضة عندما شاهدهم أحد لاعبي هذه الرياضة الأمريكيين خلال زيارته للقطاع في العام 2006 من نافذة فندق على البحر وقام بمساعدتهم بتأسيس " نادي ركوب الأمواج" افتراضياً، وإدخال 20 لوح ركوب إلى القطاع في العام 2010، ومنذ ذلك الحين، يعتبر "علي" هذا اللوح أغلى ما يملك.
ورافق هذا قيام مخرج ألماني من أصول مصرية إعداد فيلم حول هذا النادي وإصرار اللاعبين على ممارسة هذه الرياضة من "العدم"، وكأنها رسالتهم للعالم "هنا في القطاع المحاصر نستحق الحياة".
شاهدهم أحد لاعبي هذه الرياضة الأمريكيين خلال زيارته للقطاع في العام 2006 من نافذة فندق على البحر وقام بمساعدتهم بتأسيس " نادي ركوب الأمواج".
هناك محاولات لصنع ألواح السيرف إلا أنها اصطدمت بعدم وجود المواد اللازمة في القطاع والتي تمنع دخولها إسرائيل بشكل قاطعيقول محفوظ الكباريتي، رئيس اتحاد الشرائع والتجديف في القطاع، وهو الاتحاد الأقرب لينتمي إليه ممارسو هذه الرياضة لعدم وجود نوادٍ ولا اتحاد للرياضة، إنها أخذت طابعاً مهنياً في العام 2006. وقال الكباريتي إن كثيراً من التبرعات التي تقدمها الجمعيات والنوادي الخارجية لإدخال متعلقات لهذه الرياضة، ولكن بسبب عدم السماح من قبل إسرائيل، كانت هناك محاولات لصنع هذه الألواح، إلا أنها اصطدمت بعدم وجود المواد اللازمة في القطاع والتي تمنع دخولها إسرائيل بشكل قاطع". عشق "علي" لهذه اللعبة جعله يمارسها رغم كل المخاطر التي تحيط بها، " أحياناً أشعر بالألم في صدري من الفلين الذي كان ينخر فيه" قال، وحتى امتلاكه للوح لم يجعله في مأمن، فأي خلل في اللوح لا يستطيع إصلاحه ويقوم بممارسة هذه الرياضة بالرغم من عدم وجود الزي الخاص أو الإكسسوارات. "علي" كان من مجموعة الشبان الذين أسس معهم اللاعب الأمريكي النادي، هو وأصدقاؤه الذين كان لهم حظ السفر للخارج بحكم علاقاتهم الشخصية. "علي" أيضا تلقى عدداً كبيراً من الدعوات للتدريب في الخارج والمشاركة في البطولات إلا أنه لم يتمكن من اللحاق بأي منها، بسبب إغلاق المعبر الدائم، وعدم وجود أتحاد يقوم على تسهيل مهمة السفر وتغطية تكاليفها، وهي مشكلة أخرى تضاف لمشاكل اللاعبين في القطاع، "تدربت أكثر من مرة للمشاركة في بطولات خارجية ولكن إغلاق المعبر كان يمنعني من السفر"، يؤكد علي. وهو يشعر بغربة بعد هجرة صديقه في اللعبة من القطاع إلى السويد، كذلك يشعر بحسرة وهو يراقبه عن بعد وهو يمارس هذه الرياضة بكل الإمكانات المتاحة له، يقول " لماذا علينا أن نترك بلادنا حتى نحقق أمنياتنا". صديق علي هو " محمود الرياشي" أشهر لاعبي هذه اللعبة في القطاع، ومؤسسها بشكلها الاحترافي مع "علي" وعدد آخر من اللاعبين، وقد سافر من القطاع قبل عامين، وترك " لوحه" لشقيقه الأصغر "يوسف" الذي احترف هذه الرياضة أيضاً. يوسف" كان عمره (11 عاماً) عندما كان يقوم بتصوير شققيه أثناء ركوبه الأمواج، وكان يطلب منه أن يجربها، ولكن لصغر سنه كان يرفض، فكان الحل أن يقوم سراً بمحاولاته الأولى. وكما غيره بدأ يمارس هذه الرياضة على لوح من الفلين والخشب، وشيئاً فشيئاً اقتنع شقيقه بالسماح له باستعمال لوحه "وهو أحد الألواح الـ20 التي كانت قد وصلت غزة"، وعندما سافر شقيقه إلى الخارج أصبح لديه لوح خاص به، خلال حديثه يصر يوسف على استخدام كلمة " لعبة" بدل رياضة وكأنه طفل يتمسك ب "لعبة طفولته" كي لا تفلت منه. هذه البهجة التي يشعر بها يوسف أثناء ممارسته للعبة يرافقها خوف دائم على اللوح، الذي أصبح مهترئاً من كثرة الاستخدام، إلا أنه أفضل من لا شيء. ورغم كل هذه الظروف يقول "يوسف" هناك أقبال شديد من قبل الشبان على ممارسة هذه الرياضة، ويضيف "لو حياتنا عادية والمعدات متاحة لكانت كما كرة القدم في غزة". هذه الرياضة لم تكن متنفساً للاعبين فقط، بل لأهالي القطاع الذين ينظرون إليها كأنها حدث جديد يتابعونه بكل شغف. الصحافية الرياضية "نيلي المصري" تحاول منذ سنوات رصد انتشار هذه الرياضة في القطاع، وكانت ترافق اللاعبين الأوائل في تدريباتهم، وتقول:" شغف الشبان بممارسة ركوب الأمواج جعلهم يخاطرون بحياتهم. كنت أراهم يقعون وتكسر أطرافهم ولكنهم حالما يتعافون يعودون من جديد". وتضيف: كنت أسمع منهم نفس الجملة عندما أجري مقابلات معهم: "ونحن فوق اللوح نشعر أننا كباقي الناس... نشعر بالحياة أكثر ويتحول البحر الذي يحاصرنا إلى نافذة للحرية". ويبدو أفق تطور هذه الرياضة في القطاع معدوماً في ظل منع الاحتلال الإسرائيلي أية معدات من دخول القطاع، لتخوفه من استعمالها لأغراض أخرى. تقول المصري: "رغم ذلك الأقبال شديد على الرياضة أتوقع لها تطوراً كبيراً في السنوات القادمة، ولكن على المستوى البشري فقط، في ظل غياب كل مقومات هذه الرياضة. ونأمل أن يواكب هذا التطور وصول المعدات التي تضمن حماية للاعبين. ومن جهة أخرى لا يوجد أفق لهم للسفر للتدريب في الخارج".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين