في فيلم «جعلتني مجرما»، كان لبطل الفيلم أحمد حلمي نظرية أنقذت رجل الأعمال الثري أدهم الشاذلي من الخسارة، وهي «كُل نفسك قبل ما حدّ ياكلك»، ومفادها أن يطرح الشاذلي منتجه القديم بمُسمَّى جديد في السوق بجانب المنتج بالمُسمَّى القديم الذي بدأت مبيعاته في التراجع، ليعود ويستحوذ على حصته التي بدأت تتآكل.
شركة «سنيرجي» للإنتاج التلفزيوني الذراع الفني لشركة "إيجل كابيتال" التي يتردَّد أنها مملوكة لأحد الأجهزة السيادية في مصر، هيمنت على معظم مسلسلات رمضان 2019، ويبدو أنَّها تؤمن بنظرية فيلم أحمد حلمي في «جعلتني مجرما»، لكن ليس بهدف الحفاظ على حصَّة معينة أو زيادة حصَّة كانت تمتلكها في سوق الإنتاج التلفزيوني، ثمّة أسباب أخرى.
تشويق، وكوميديا، وضُبَّاط يُكافحون "الإرهاب"
شركة «سنيرجي» أنتجت 15 عملاً في رمضان 2019، منها ما يفسح المجال صراحة لإبراز الدور الشجاع الذي يقوم به رجال الشرطة في الدفاع عن الوطن مثل الجزء الثالث من مسلسل «كلبش 3»، يحكي عن الضابط سليم الأنصاري، الذي تعرّض في نهاية الجزء الثاني للقتل على يد عناصر إرهابية، لكن مع توالي الأحدث يظهر أنَّه ما زال على قيد الحياة، حيث يتقدم باستقالته من وزارة الداخلية ويؤسس شركة أمن خاصة، لكنه في نفس الوقت يستمر في التصدي للعناصر الإجرامية خدمة للوطن، فـ«شخصية الضابط الفاسد» غير مُرحَّب بها في الدراما التلفزيونية، حسبما أخبرنا سيناريست يشارك في السباق الرمضاني هذا العام، فضَّل عدم ذكر اسمه.
وتظهر في تلك المسلسلات عادة شخصيات رجال شرطة تؤدي أدواراً بارزة، لكن هذه الشخصيات ليست أبطال العمل الرئيسية، مثل مسلسل «لآخر نفس»، وهو من بطولة الفنَّانة ياسمين عبدالعزيز، حيث تفقد زوجها الضابط، لكنها تكتشف أنه لم يكن ضابطاً بل جرى فصله من جهاز الشرطة.
وهناك 4 أعمال كوميدية وهي: "البرنسيسة بيسة"، "بدل الحدوتة 3"، "الواد سيد الشحات"، "طلقة حظّ".
ومنها أعمال تتناول قصصاً اجتماعية/شعبية مختلفة بها دراما/تشويق/غموض/ حركة.. أو بمعنى آخر أعمال لا تتطرَّق للسِّياسة، وهي "زلزال"، "أبو جبل"، "علامة استفاهم"، "ابن أصول"، "قمر هادي"، "بركة"، "حكايتي"، "وهوجان".
"لا تدخين، لا مخدرات"
في عام 2017، علَّق الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي - خلال أحد المؤتمرات - على ما اعتبره رداءة الذوق العام للمسلسلات.
السيسي أشار صراحة وقتها إلى أنّ الدولة تحاول أن تستعيد نشاطها في كافة المؤسسات والمجالس، والتي من ضمنها مجالس الإعلام والصحافة، وستكون الأخيرة معنيَّة بـ«الحفاظ على الذوق العام»
المجلس الأعلى للإعلام الذي ذكره السيسي منذ عامين، اجتمع يوم الثلاثاء 23 أبريل الماضي، أعضاء إحدى لجانه - لجنة الدراما - لوضع خطة عملها، والإعلان عن معايير العمل الدرامي خلال شهر رمضان.
تلك المعايير تضمَّنت إفساح المجال لمعالجة الموضوعات المرتبطة بالدور المجيد والشجاع الذي يقوم به أفراد المؤسسة العسكرية، ورجال الشرطة في الدفاع عن الوطن، والتشديد على خلوّها من مشاهد التدخين والمخدرات.
لجنة الدراما بالمجلس الأعلى للإعلام دعت أيضا إلى تقديم أعمال تحتوي على المتعة والمعرفة، وتشيع البهجة، لكن قبل إطلاق هذه الدعوة، حسبما يقول السيناريست، كانت «سنيرجي» قد مضت في هذا الاتجاه.
والهدف، وفق ما يذكر السيناريست الذي شارك في أحد هذه الأعمال، هو فرض نوعية معينة من الدراما، وإخراج المسلسلات بحسب ما تريد الدولة تصديره، بأن الدولة تحارب الإرهاب، ورجال الأمن من جيش وشرطة يقومون بأعمال بطولية لحماية البلاد من الجماعات الإرهابية والعصابات، مؤكّداً أنَّ المتابع لمسلسلات «سنيرجي» سيلاحظ ذلك من الحلقات الأولى.
"ضباط في أماكن التصوير للاطمئنان"
تتضمّن ضوابط "المجلس الأعلى للإعلام" «التوقف عن تجاهل ودهس القانون عن طريق الإيحاء بإمكانية تحقيق العدالة والتصدي للظلم الاجتماعي باستخدام العنف العضلي، والتآمر، والأسلحة بمختلف أنواعها، وليس بالطرق القانونية». كما تضمنَّت «عدم اللجوء إلى الألفاظ والحوارات المتدنية والسوقية، التي تشوّه الميراث الأخلاقي والقيمي والسلوكي بزعم أنَّ هذا هو الواقع ولغة الخطاب العادية».
«الدولة فرضت سطوتها على صناعة المسلسلات خلاص».. هكذا يخبرنا أحد العاملين في المجال الفني، رفض الكشف عن هويته لمشاركته بأحد المسلسلات، مشيراً إلى أنَّ ضوابط "المجلس الأعلى للإعلام" التي وضعها لصُنَّاع الدراما في مصر «خانقة»، مضيفاً أنَّ الأمر لا يتوقف على ضوابط «الأعلى للإعلام»، يقول:«الرقابة بتطلَّع على سيناريو المسلسل قبل تصويره، وفي مرحلة التصوير يحضر أحد الضباط عملية التصوير للاطمئنان على سير الأمور بشكل سليم".
ويضيف: بعد الانتهاء من التصوير وتجهيز الحلقات للعرض تطلع عليها الرقابة، وتبدي تحفظاتها على المشاهد التي تراها غير مناسبة للعرض التلفزيوني، كالمشاهد التي تتضمن ألفاظاً تعتبرها «المصنفات» غير لائقة.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، تقول الدكتورة هدى زكريا، عضو المجلس الأعلى ولجنة الدراما، إنَّ هناك لجنة رصد تُتابع كلّ ما يتمّ عرضه فى شهر رمضان، مع تشديد العقوبات فى حالة المخالفة التي سيتم رصدها على الشاشة.
والمثير للدهشة أنّ لجنة "متابعة ورصد دراما رمضان"، التابعة للمجلس الأعلى للإعلام، أصدرت تقريراً رصد 53 مخالفة بينها مخدرات، وألفاظ وجمل رأت أنها "بذيئة".
من المخالفات التي رصدتها لجنة رصد «الأعلى للإعلام» في الحلقة الأولى من مسلسل «شقة فيصل»، وهو ليس من إنتاج «سنيرجي»، ما قالته أحد بطلات المسلسل لشقيقتها: «مش عايزة اطفح..اطفحى انتى لوحدك.. انتى بوز فقر»، وجملة أخرى قالها أحد أبطال المسلسل : «الواد زغللة ابن الكلب..أصله مشفش تربية، تربية شوارع"، وقال ممثل آخر: «ده زغلله غدر بيه غدرة وسخة متجيش من واحد غريب».
"الدولة فرضت سطوتها على المسلسلات خلاص"
"اليوم السابع": مسلسلات رمضان تواجه "حروب الجيل الرابع"
«النتيجة أعمال رديئة وشبه بعض».. هذا ما تراه الصحفية المتخصصة في الأعمال الفنية رانيا يوسف.
وتشير رانيا إلى أنَّه في عام 2012 كان هناك حوالي 50 عملاً فنياً في الموسم الرمضاني، فكان التنوّع كبير، والتنافس شديد؛ وظهرت مسلسلات جيدة، لافتة إلى أنّه الآن يتغيّب العديد من نجوم الدراما الرمضانية المتيزين مثل الفنَّانة نيلي كريم، والفنان يوسف الشريف، وغيرهم. وتوقعت يوسف أن تحمل العديد من الأعمال المعروضة في رمضان 2019 «وجهة نظر واحدة».
"الرقابة بتطلَّع على سيناريو المسلسل قبل تصويره، وفي مرحلة التصوير يحضر أحد الضباط عملية التصوير للاطمئنان على سير الأمور بشكل سليم"
«سنيرجي أصبحت منافسة لنفسها في السوق الدرامي، خاصة هذا العام، وتسبَّب احتكارها للكثير من الأعمال الفنية الدرامية في شهر رمضان إلى خروج أهم وأقوى شركة إنتاج للدراما من السوق هذا العام، في سابقة لم تحدث منذ 10 سنوات تقريبًا وهي "العدل جروب"». بحسب ما تقول الناقدة ماجدة موريس.
بخلاف ما ذهبت إليه موريس في تصريحاتها، قال لنا أحد العاملين في مؤسسة تابعة لـ«إعلام المصريين»، التي تتبعها «سنيرجي»، وكلتاهما يتبعان «إيجل كابيتال» أنَّ "الدولة" -المفترض أنه يقصد الشركة - تتعاقد مع أيّ فنان وفق السعر الذي تُحدّده هي «وهو سعر قليل عن اللي كان بياخده الفنان قبل كده»، وتتعامل معه باعتباره موظفا لديها، وإذا رفض «بيقعد في البيت».
"الدولة (يقصد الشركة) تتعاقد مع أيّ فنَّان وفق السعر الذي تحدده، واللي مش عاجبه يقعد في البيت" موظف في مؤسسة "إعلام المصريين"
وكتب الصحفى كريم عبد السلام، رئيس التحرير التنفيذى لموقع «اليوم السابع» المملوك لـ«إعلام المصريين»، مقالاً صحفياً عن سوق الدراما والإعلان بعد مرور اليوم الأول من شهر رمضان، معتبراً أنه انتقل من الفوضى إلى النظام، ومن الإسفاف والقبح إلى الرقي والمهنية، بتقديم محتوى يحترم عقول المشاهدين ويحافظ على البيت المصري.
وينتقد عبد السلام أجواء الانفتاح والحرية التي سادت بعد ثورة يناير، كتب أن الإعلام الفضائى بعد ثورة 25 يناير كان "مفتوحا على البحري" لكل الأموال العابرة وسماسرة الأفكار، وأن مئات الملايين من الدولارات تم إنفاقها على غزو العقول وإفساد الوجدان المصرى، لكن في السنوات الأخيرة «أصبح لدينا كيانات إعلامية كبرى تستطيع ضبط السوق الإعلامي».
الدكتورة لميس جابر، عضو لجنة الثقافة والإعلام والآثار بمجلس النواب، تختلف مع تلك الأفكار التي تروّجها العديد من وسائل الإعلام المصرية، وعبّرت عن غضبها في تصريح لها قائلة: «ما حدث للإعلام من استحواذ.. غير مفهوم؛ وأثَّر على صناعة الدراما»، ولفتت إلى أنَّ هذا الاستحواذ أدَّى إلى وجود ما لا يقل عن مليون ونصف عاطل، كانوا يعملون في مِهَن صِناعة الدراما، متوقعة أنّ نتيجة سياسة الاستحواذ في رمضان 2019 ستكون سيئة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...