يقول إنه لا يعارض ولا يؤيد. يصنّف نفسه إسلامياً ولا دينياً. يعتبر أنه يمارس السياسة حفاظاً على الدعوة. براغماتي ويرفض وصفه بالبراغماتي... هو حزب النور، الذراع السياسي للدعوة السلفية في مصر، والذي يهاجمه الجميع بلا هوادة، وتبقيه براغماتيته حياً حتى الآن.
منذ تأسيسه في مايو 2011، يُنافس الحزب السلفي على المساحة السياسية التي احتكرها الإخوان المسلمون لعقود الطويلة، فحصدوا حوالي 22% من مقاعد برلمان 2012، وصعد كوادرهم إلى ديوان الرئاسة بجوار الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي، إلا أن طريقة عملهم كانت ولا زالت أقرب إلى الشيوخ منها إلى السياسيين.
وبعد خروج الإخوان من المعادلة السياسية في صيف 2013، ظل حزب النور مستمراً في مساره، مقدّماً التنازلات، لا من أجل المكاسب السياسية التي انتُزعت منه لاحقاً، بل للحفاظ على العمل الدعوي الذي تتمحور حوله الدعوة السلفية منذ تأسيسها في أواخر سبعينيات القرن الماضي.
ومنذ تأييده خارطة طريق الثالث من يوليو التي أطاحت بمرسي من الحكم، يكاد "النور" يُظهر دعمه للنظام الجديد في كل المناسبات، فدعم الرئيس عبد الفتاح السيسي في ولايتين، وصوّت بـ"بنعم" في استفتاءين على الدستور، ورغم ذلك لا يعتبر نفسه مؤيداً أو معارضاً بل يقول إنه ينتمي إلى "نوع ثالث"، حسب تعبير رئيس الهيئة العليا للحزب سامح بسيوني.
"نوع ثالث"... "لن نسير على مزاج أحد"
يرى القيادي في الحزب ورئيس هيئته البرلمانية أحمد خليل أن لا وجود لأزمات في مواقف حزبه أو تصريحاته، بل تكمن الأزمة في الآخر الذي "يريد تصنيفنا حسب إيديولوجيته ومزاجه الخاص وموقعه من السلطة".
ويقول لرصيف22: "لن نسير على مزاج أحد، الجميع يقيّمون مواقفنا من الخارج بدون دراسة أو رؤية حيال الأحداث والتغيّرات، ومَن ينتقدوننا يرون أننا نخالفهم في الإيديولوجيا والمواقف السياسية".
يفسر خليل "النوع الثالث" الذي ينتمي إليه الحزب السلفي بقوله: "لن نعارض من أجل المعارضة، ولن نؤيد من أجل التأييد، المواقف هي ما يحدد مواقفنا، والنوع الثالث يعني أننا نلعب دوراً إصلاحياً كبيراً، فالهدف الأكبر هو مصلحة الوطن".
ويضيف: "صنّفونا كثوريين ودواعش ومؤيدين للدولة، لكن في النهاية نحن حزب إسلامي إصلاحي، ليس براغماتياً كما يروّجون عنّا، وليس ثورياً يدعو إلى الثورة واقتلاع الأنظمة، ولسنا حزباً دينياً أيضاً يدعو لدولة ثيوقراطية".
براغماتية "النور"
يقول الباحث الفرنسي في الحركات الإسلامية ستيفان لاكروا في دراسة بعنوان "السلفيون البراغماتيون"، إن حزب النور يوفّر "نموذجاً نادراً لحزب هو في آن شديد البراغماتية في مواقفه السياسية ومتشدّد للغاية في آرائه الدينية".
ويلفت إلى أنه بعد محاولات في البداية للفصل بين العمل السياسي وبين الدين على أساس أن للأول فضاءً مختلفاً عن الثاني، ويتأسس على قواعد خاصة، بسط الشيوخ سيطرتهم على الحزب، في أواخر 2012، وأنتجوا مقاربة للسياسة "تبريرية بالكامل"، تستند إلى "أولوية مصلحة الدعوة السلفية"، وبالتالي صار الحزب أشبه بـ"ذراع من أذرع الضغط لصالح منظمة دينية لا يزال هدفها أساساً تغيير المجتمع من أسفل لا من أعلى".
تتجلى براغماتية "النور" في المرونة السياسية التي يُظهرها منذ تأسيسه، فالحزب الذي يحرّم شيوخه ولاية المرأة والمسيحيين قَبِل بمشاركة النساء والمسيحيين على قوائمه في الانتخابات البرلمانية بدعوى أن الضرورات تبيح المحظورات.
وفي ما خص الرئاسيات، يشرح خليل موقف حزبه بقوله: "في انتخابات 2012 رفضنا الرئيس الإسلامي والعلماني والفلول، فلم ندعم مرسي أو شفيق أو صباحي، وجهزنا عبد المنعم أبو الفتوح لأنه الأنسب لمشروعنا في تلك المرحلة، وحين خُيّرنا بين محمد مرسي وأحمد شفيق، دعمنا مرسي الأقرب لنا، والآن نؤيد السيسي لأن المرحلة تتطلب ذلك، فلا نريد الوقيعة مع النظام".
يرفض خليل وصف الحزب بالمؤيد طوال الوقت، مشيراً إلى وجود مواقف معارضة للحزب مثل رفض قانون الخدمة المدنية الذي أقرّ في نوفمبر 2016، ورفض قرض صندوق النقد الدولي البالغة قيمته 12 مليار دولار والذي وافق عليه البرلمان في مارس 2017، لما يرتبه من أعباء على المواطنين ولأنه "ربا صريح"، ورفض الحزب مشروع التعديلات الدستورية التي أقرّت في استفتاء في أبريل الماضي، بسبب ورود كلمة "مدنية" فيه، قبل أن يعود ويوافق عليه بعد تأكده من أنها لا تعني "علمانية".
وعن الموافقة على المادة التي تسمح للسيسي بالبقاء رئيساً حتى عام 2030، قال: "ليست مهمة النور وحده معارضة مدّ فترة رئاسة السيسي. الجميع وافقوا على تلك المادة، فلماذا يُنظر إلينا فقط؟ ولماذا يطالبونننا بالمعارضة دائماً؟".
"حزب ديني طائفي"
لا تنظر القوى المدنية لحزب النور على أنه حزب سياسي، بل ترى فيه دعوة دينية رجعية، تستخدم السياسة للحفاظ على مصالحها ونشاطها الدعوي.
"لم أستطع التعامل مع حزب النور والسلفيين في العموم على أنهم أصحاب أفكار سياسية بل هم دعوة دينية تحمل أفكاراً محافظة، وتحاول تعزيز حركتها في المجتمع والدولة من خلال المنابر والدعاوى الفقهية" يقول القيادي في الحركة المدنية الديمقراطية خالد داود لرصيف22.
ولعل الفترة الوحيدة التي شهدت تقارباً سياسياً بين "النور" والأحزاب الليبرالية في مصر كانت خلال فترة عمل جبهة الإنقاذ الوطني التي دشنها ليبراليون ويساريون لإسقاط حكم الإخوان، لكن ذلك لم يشفع للنور ولم يترك رصيداً إيجابياً له عند التيار العلماني.
ويقول داود: "تعاملنا مع حزب النور مرة وحيدة في فترة جبهة الإنقاذ الوطني التي تجمّعت للإطاحة بالإخوان، وخلالها تمسكوا بالدستور وبالمواد الخاصة بالشريعة الإسلامية وقدّموا أنفسهم كوسيط وليس كخصم للإخوان، وأعتقد أنها لن تتكرر فلا يوجد رابط فكري أو سياسي بين المدنيين والسلفيين".
بدوره، يقول رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي مدحت الزاهد إن التيار المدني لم يتعامل مع حزب النور على أنه بديل الإخوان، فهو أكثر رجعية وطائفية منهم، ويضيف أن ظروف نشاط جبهة الإنقاذ لن تتكرر لأنها جمعت كل الأطياف من أجل هدف لم يعد موجوداً.
يعدد داود أسباب القطيعة بين الليبرالين والسلفيين بقوله: "ننظر إلى السلفيين على أنهم أصحاب أفكار متطرفة وطائفية تجاه فئات المجتمع مثل تحريم معايدة المسيحيين واحتقار المرأة بدليل إزالة وجوه المرشحات في الانتخابات البرلمانية التي جرت بعد ثورة 25 يناير".
سياسياً، السلفيون ليسوا ثوريين بطبعهم ويحرّمون فكرة الخروج عن الحاكم، لذا لم يشاركوا في ثورة 25 يناير وأصدر مشايخهم فتاوى مناهضة للمشاركين فيها.
يشير داود، وهو الرئيس السابق لحزب الدستور، إلى أن أوضاع السلفيين في عهد السيسي لم تتغير كثيراً عما كانت عليه في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي سمح لهم بالانتشار في المساجد والزوايا وعلى القنوات، لذا "سيؤيدونك طالما بقيت مراكز الدعوة في أمان، وهو ما يترجم استمرارهم في الحياة السياسية حتى الآن، رغم أن الدستور يحظر تأسيس الأحزاب على أساس ديني".
وبرأي داود، استفاد النظام من صورة بيان الثالث من يوليو التي وقف فيها ممثل "النور" بجوار محمد البرادعي وشيخ الأزهر والبابا تواضروس الثاني، وهو لا يريد تعميق المواجه مع الإسلاميين طالما ظل السلفي بعيداً عن شؤون الحكم.
ويتساءل: "لماذا يعادي النظام كتلة السلفيين طالما هو قادر على الاستفادة منهم في الحشد وتلميع صورته أمام المجتمع الدولي بمشاركة حزب إسلامي في الحياة السياسية".
يستبعد الزاهد عودة التنسيق بين "النور" والتيار المدني، ويقول لرصيف22 "إن فلسفة النور لا تعرف المعارضة، وإذا غيّروا قناعاتهم عليهم الاعتراف بأخطائهم.
ويذكّر بأن ميثاق التيار الديمقراطي والحركة المدنية، أشهر الكيانات المعارضة، استبعدا التعاون مع أنصار مبارك والإسلام السياسي والاستبداد باسم الدولة، وبالتالي "النور غير مرحب به إذا قرر المعارضة بجوارنا إلا إذا تغيّرت قناعاته في العمل المدني المشترك واعترف بدولة المواطنة والقانون".
"الحزب المظلوم"؟
يعتبر الدكتور ناجح إبراهيم، القيادي السابق في الجماعة الإسلامية، أن حزب النور من الأحزاب المظلومة في مصر، لتعرّضه لـ"قصف مستمر من جميع الأطراف"، سواء من المحسوبين على الدولة أو العلمانيين أو الإسلاميين، بسبب "وقوفه في صف الدولة ضد الجماعات الإسلامية الأكثر راديكالية".
يقول إنه لا يعارض ولا يؤيد. يصنّف نفسه إسلامياً ولا دينياً. يعتبر أنه يمارس السياسة حفاظاً على الدعوة. براغماتي ويرفض وصفه بالبراغماتي... هو حزب النور، الذراع السياسي للدعوة السلفية في مصر
خلال فترة عمل جبهة الإنقاذ الوطني، عام 2013، على إسقاط حكم الإخوان المسلمين في مصر، وقف حزب النور السلفي بجانب الليبراليين واليساريين لكن ذلك لم يشفع له ولم يمنحه رصيداً إيجابياً عندهم
ويقول لرصيف22 إن "قادة الحزب انتظروا من الدولة منحهم مساحات في السياسية والدعوة ولم يحدث ذلك، وانتظروا من العلمانيين تقدير موقفهم في دعم نظام 30 يونيو ولم يحدث ذلك أيضاً، بل تركوه للإسلاميين يمزّقون جسده بدعوى تحالفه مع الجيش ضدهم".
وكانت وزارة الأوقاف قد جرّدت السلفيين من بعض منابرهم الدعوية، واشترطت الحصول على تراخيص للخطابة لممارستها وأن يكون الخطباء من خريجي الأزهر، ما يعني أن العمل الدعوي للدعوة السلفية وذراعها السياسي حزب النور حوصر نسبياً.
برأي إبراهيم الذي قاد مراجعات الجماعة الإسلامية في التسعينيات، نأى حزب النور بنفسه عن الصراع الدائر بين الإخوان الجيش وحمى نفسه من التهلكة، وهو موقف لا يُلام عليه، إذ حافظ على حياة أعضائه وحريتهم، فكان "من أنجح الأحزاب وأكثرها مرونة"، مشيراً إلى أنه يعمل بشرعية ويتمثل في البرلمان بـ12 نائباً.
هل يتربص الإعلام بالنور؟
يُرجع خليل الصورة السلبية عن حزب النور التي يرّوج لها الإعلام إلى "تصميمه على حصر النور في أدوار معينة، سواء كانت مؤيدة أو معارضة"، لافتا إلى أن الحزب لا يمتلك ذراعاً إعلامية تدافع عنه، لقلة الموارد المالية المتاحة.
ويضيف: "يُطلب منّا الظهور إعلاميا كمعارضين على القنوات غير المصرية أو للحديث على القنوات المصرية في الأمور الفقهية الجدلية مثل النقاب مثلاً، لذا نحتجب ونفضّل الصمت كي لا نقع في هذا الفخ".
وشدد القيادي السلفي على أنهم لا يتلقون تمويلاً من السعودية، بعكس الاتهام الموجّه لهم، مؤكدا أن الحزب لا يُوجَّه من أحد ويعمل بأبنائه وأماناته من مقرات الدعوة السلفية.
"العودة إلى المساجد"
تلوح في أفق السلفيين باستمرار فكرة حل الحزب والعودة إلى العمل الدعوي في المساجد، وتصدر أحياناً عن مؤسسي الدعوة السلفية وأنصارها الذين يخشون من تكرار تجربة الإخوان.
وكان سعيد عبد العظيم، أحد مؤسسى الدعوة السلفية، قد طالب قبل أربع سنوات بحل حزب النور وترك السلفيين العمل السياسي والعودة إلى المساجد، لأن السياسة ألحقت الأذى بالعمل الدعوي.
لكن هذه المطالبات تصطدم ببراغماتية الحزب، وهو ما أبرزه عبد المنعم الشحات، المتحدث السابق باسم الدعوة السلفية، في مقال بعنوان "مشروعية الاستمرار في العمل السياسي".
فقد اعتبر "أن العمل السياسي صار بعد 25 يناير مِن الأهمية بمكان في ظل أجواء ما بعد الثورات وما فيها مِن كتابة وتعديل الدساتير التي تحدد شكل بلادنا، وموقفها من الشريعة"، مشيراً إلى تمسكهم بالعمل السياسي من أجل مواصلة "التصدي لديكتاتورية الأقلية العلمانية التي تحاول الانفراد بالساحة السياسية بالإضافة إلى سيطرتها على الساحة الإعلامية".
ويعلق النائب السلفي أحمد خليل خير الله على دعوات اعتزال السياسة، بقوله لرصيف22: "اخترنا أن نكون إيجابيين والتعبير عن مواقفنا كي لا نقف صامتين، والأسلم والأفضل لنا أن نتحدث باستمرار وندافع عن وجودنا في البرلمان والإعلام. حزب النور الآن هو صوت كل إسلامي ولا نستطيع التفريط في سبع سنوات من العمل في الشارع".
يقر ناجح إبراهيم بأن النور تجاوز جميع التوقعات، فهو طالبهم قبل أربع سنوات بتجميد النشاط والعودة إلى العمل الدعوي، لكنه الآن يؤكد أنه من "الأسلم له الاستمرار كجزء من المعادلة بدلاً من أن يفقد السياسة والدعوة معاً"، موضحا أن قرار العودة إلى العمل الدعوي قد تعتبره السلطة إجراء تصعيدياً ضدها، والأنسب للحزب أن يبقى جزءاً من المعادلة الحالية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...