بعد عزل الرئيس السوداني عمر البشير وتشكيل مجلس عسكري انتقالي، انتاب محمد إبراهيم قلق شديد، وهو الآن لا يتوقف عن التفكير في مغادرة الخرطوم بأسرع وقت.
يقول محمد إبراهيم (اسم مستعار)، وهو إخواني مصري متهم في إحدى قضايا العنف التي وقعت في جنوب مصر، لرصيف22 إن الإخوان، وخاصة المصريين، لا يؤيدون بالتأكيد سقوط البشير، "فأي تغيير في السلطة قد يؤثر على أوضاعنا، ونخشى من ذلك".
ومنذ عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي في الثالث من يوليو 2013، سافر عدد من شباب وقيادات الإخوان المصريين إلى السودان، خاصة وأن السفر إليه لا يحتاج إلى تأشيرة مسبقة، بموجب اتفاقية "الحقوق الأربعة".
واتفاقية "الحقوق الأربعة" هي اتفاقية وقعتها الحكومة المصرية مع نظيرتها السودانية عام 2004، وتسمح لحاملي الجوازات المصرية والسودانية بالتنقل بين البلدين وبالتملك فيهما، بدون الحاجة إلى موافقات أمنية مسبقة.
ولا يوجد حصر دقيق لعدد أعضاء جماعة الإخوان المصريين المقيمين في السودان، ولكن من بين الهاربين أعضاء في مجلس شورى الجماعة (السلطة التشريعية داخل التنظيم) ونواب سابقون في مجلس الشعب المصري، وشباب.
يعتبر الشاب الإخواني المصري أن "المجالس العسكرية في الحكم أمر سيئ السمعة، وسمعنا خلال الأشهر الماضية أن للمخابرات المصرية دور هام في التعامل مع الأزمة السودانية وأنها تقف وراء فكرة تشكيل مجلس عسكري، وذلك كله يدفعنا نحو الخوف على مصيرنا".
السودان... ملاذ الإخوان الآمن
منذ النصف الثاني من عام 2013، شكّل السودان "ملاذاً آمناً" لعناصر الإخوان الهاربين من مصر، إذ استقبلهم واستوعبهم، حسبما يوضح الباحث في جامعة إسطنبول أيدن، والمختص في شؤون الجماعات الإسلامية محمود شعبان بيومي.
يقول بيومي لرصيف22: "لخلفية عمر البشير الإسلامية وعلاقته بجماعة الإخوان المسلمين في السودان أثر كبير في دعمه للإخوان المصريين بعد هروبهم من بلدهم عقب الانقلاب على الرئيس الأسبق محمد مرسي، ووصول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم".
ويضيف أن من العوامل التي ساعدت على ذلك أيضاً "أن البشير قدّم نفسه كحليف لتركيا وقطر الداعمتين القويتين للإخوان، وفتح بلاده بشكل كبير للاستثمارات التركية".
ويلفت إلى أن "للإخوان تاريخ كبير من العلاقات مع السودان منذ ستينيات القرن الماضي وسبعينياته حتى الآن، ما خلق حالة من الوئام والعلاقات القوية بين البشير والإخوان، وبالتالي كان من السهل فتح السودان أبوابه أمام الهاربين من أعضاء الجماعة المصرية وتسهيل بقائهم على أرضه".
بالإضافة إلى ذلك، للإخوان تواجد اقتصادي كبير في إفريقيا، ويتخذون من السودان نقطة انطلاق رئيسية لنشاطهم الاقتصادي في القارة السمراء، و"يتداخلون مع السلطة السودانية بشكل كبير من عشرات السنوات".
وفي حالات قليلة جداً، رفضت السلطات السودانية استقبال عناصر إخوانية قادمة إليها، أو أجبرتهم على مغادرة أراضيها، أو سلّمتهم إلى القاهرة كما حدث في نهاية يونيو 2018 مع باسم محمد إبراهيم جاد الذي تتهمه السلطات المصرية بالمشاركة في استهداف موكب مدير أمن الإسكندرية السابق.
يقول بيومي إنه "لا نستطيع القول إن السودان تخلّى عن الإخوان إرضاءً للنظام المصري، لكن كانت هناك مواءمات، ووفقاً للروايات المتواترة، فإن بعض عناصر الإخوان المحسوبين على تيار العنف كانوا قد اتخذوا من السودان مقراً للتدريب على العمليات العسكرية".
ويضيف أن "الخرطوم لجأت إلى تسليم بعض المحسوبين على تيار العنف للقاهرة في محاولة لتهدئة التوترات بين البلدين، وإرسال رسالة إلى الإخوان مفادها أن بقاءهم في السودان ليس بلا شروط وعليهم تفهّم الظروف المحلية والإقليمية التي يواجهها السودان".
بلد ترانزيت
يقول محمد فتحي، أحد عناصر جماعة الإخوان المسلمين الذين هربوا إلى السودان بعد الثالث من يوليو 2013، لرصيف22 إن "المصريين كانوا يتعاملون مع السودان على أنه محطة ترانزيت، خاصة أن الدخول إليه سهل ولا يحتاج إلى موافقات أمنية أو تأشيرات سفر مسبقة".
ويضيف أن عناصر الجماعة يدخلون السودان ويقيمون فيه لفترة، بعد التواصل مع قيادات الجماعة الموجودين هنالك، سواء المصريين أو السودانيين، ثم بعدها يقررون إما السفر إلى دولة أخرى أو البقاء.
وعن الدعم الذي يوفّره السودان للعناصر الهاربين، قال فتحي إن الخرطوم مواردها قليلة وتعاني من مشكلات اقتصادية، لذا كان سقف الدعم الذي تم الاتفاق عليه هو "الملاذ الآمن"، وتسهيل حياة وأوضاع المصريين وعملهم وانتقالهم من دولة إلى أخرى بدون مشاكل أمنية.
ويتابع: "الإخوان الهاربون نوعان: إما طلبة يدرسون وهؤلاء يعتمدون بشكل كبير على الأموال التي تقدّمها أسرهم لهم، أو هاربون من الأمن".
"لا نعرف حقيقة ما ينتظرنا"
يتوقع رئيس وحدة بحوث السودان في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور هاني رسلان أن يغادر الإخوان المصريون السودان، بعد سقوط رأس النظام الذي كان يدعمهم.
ويقول لرصيف22 "إن الإخوان يشعرون الآن بالخطر الشديد بعد سقوط نظام البشير، وهذا ما قد يدفعهم للهرب مرة أخرى من السودان إلى أيّة دولة أخرى".
"الإخوان الآن كتنظيم، في أضعف حالاته، ما قد يؤثر على مدى تقديم الدعم والمساعدة للإخوان المصريين المقيمين في السودان، وما يعني أن هؤلاء الهاربين عليهم أن يواجهوا مصيرهم بأنفسهم بدون أي دعم"
في الفترة الماضية، كانت لقاءات تجمع أعضاء الإخوان المصريين المقيمين في السودان مع مسؤولين أمنيين سودانيين، ولكن بعد موجة التغيير التي تجتاح السودان، توقفت هذه اللقاءات، والآن، لا يعرف الإخوان حقيقة ما ينتظرهم
وبعد عزل البشير جرى تشكيل مجلس عسكري انتقالي في السودان وكانت أولى رسائل التأييد له من السعودية والإمارات ومصر، ما يشير إلى أنه لن يُبقي على سياسة الأبواب المفتوحة أمام الإخوان المصريين.
برأي رسلان، "الإخوان الآن كتنظيم، في أضعف حالاته، ما قد يؤثر على مدى تقديم الدعم والمساعدة للإخوان الهاربين في السودان، وما يعني أن الهاربين عليهم أن يواجهوا مصيرهم بأنفسهم بدون أي دعم".
وعن التحرك المصري للمطالبة بتسليم قيادات الإخوان للأمن المصري، اعتبر رسلان أن الحديث عن هذا الأمر "سابق لأوانه"، معللاً ذلك بأن "السودانيين يعملون على إعادة ترتيب البيت السوداني ومواجهة مشاكلهم الداخلية".
وتابع: "من الأساس هنالك مشاكل تواجه الإخوان الهاربين منذ اندلاع التظاهرات ضد حكومة البشير في ديسمبر الماضي، ولكن الأمر الآن تطور أكثر".
وشرح رسلان المشكلات التي تواجه العناصر الإخوانية الهاربة بقوله: "الغضب الذي شهده الشارع السوداني ضد حكومة البشير وحزب المؤتمر العام والجماعات الإسلامية المؤيدة للبشير، طال بالطبع الإخوان المصريين الهاربين، وبالإضافة إلى حالات تسليم أو منع دخول عناصر إخوانية بعينها، كل ذلك زاد من الضغوط على الجماعة".
وأشار رسلان إلى أن التنسيق الأمني الذي كان قائماً بين الإخوان والأمن السوداني لم يعُد متاحاً الآن، وذلك كله يزيد من صعوبة وضع الهاربين.
من جانب آخر، كشف أحد قيادات الجماعة لرصيف22 أن الاتجاه الأكبر بين شباب الجماعة وقياداتها في السودان، هو السفر في أسرع وقت إلى خارج السودان.
وتابع القيادي الإخواني أن المناقشات تدور حالياً حول التواصل مع الأمن السوداني وقيادات في المخابرات السودانية، لبحث مصير الهاربين من مصر والتأكد من أنهم ما زالوا مرحباً بهم على أرض السودان.
وأضاف: "من وقت إلى آخر، كانت تجمعنا لقاءات مع مسؤولين أمنيين في السودان، إجراء روتيني، ولكن منذ فترة توقفت هذه اللقاءات، لذلك فنحن لا نعرف حقيقة ما ينتظرنا، ومن هنا ناقشنا محاولة التواصل مع الأمن مجدداً لبحث مصيرنا: إما البقاء بشكل ما، أو المغادرة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...