شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
الثورة وحرية الصحافة والتعبير عن الرأي... هل تمنحنا ثوراتنا حريات أكثر؟

الثورة وحرية الصحافة والتعبير عن الرأي... هل تمنحنا ثوراتنا حريات أكثر؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

يتكرر طرح إشكالية العلاقة بين الثورة والحرية نظرياً على مستويات مختلفة. من هذه العلاقة يأتي التساؤل حول هل الشعوب التي تتمتع بحرية نسبية أقدر على إطلاق ثورات من الشعوب المقموعة، ومنها يأتي التساؤل حول مستوى الحريات بعد الثورات، فهل يتراجع أو يزيد؟

في الدول العربية، قليلة هي الإحصاءات التي تساعدنا على فهم هذه العلاقة الثنائية المتعددة المستويات. ولكن بعض البيانات الصادرة عن "الباروميتر العربي"، وهو "شبكة بحثية مستقلة" تُجري استطلاعات للرأي العام في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منذ عام 2006، تساعد على التوصّل إلى بعض الخلاصات.

فقد أجرى الباروميتر العربي إحصاءات تغطّي ثلاث مراحل زمنية بين عامي 2010 و2017، في دول عربية عدّة ورصد رأي أبناء هذه الدول (عبر عيّنة تتألف من 1200 شخص في كل دولة، في كل مرحلة زمنية) في قضايا حرية الصحافة وحرية التعبير عن الرأي، ونشر نتائجه بشكل محايد بدون ربط الأرقام بالظروف السياسية التي تميّز كل مرحلة.

تأسيساً على هذه النتائج، سنحاول ربط الأرقام بالظرف السياسي العربي العام وبتغيّراته، في محاولة للخروج ببعض الخلاصات حول علاقة الثورة بالحرية، مع تحملنا المسؤولية الكاملة عن هذه الخلاصات، فهي خلاصات نضعها نحن لا "الباروميتر العربي" الذي نأخذ من عمله فقط الأرقام.

وتجدر الإشارة إلى أن استطلاعات الرأي التي يقدّم "الباروميتر العربي" نتائجها لا تشمل كل الدول العربية، وفي بعض الأحيان تشمل دولاً في سنة محددة دون سنوات أخرى، ما يحول دون الحديث عن حال كل الدول العربية ودون الخروج بخلاصات شاملة.

عام الربيع الأوّل

انطلقت ثورات الربيع العربي في نهاية 2010 وبداية 2011، ويمكن اعتبار عام 2011 الأكثر امتلاءً بالروح الثورية وبالرغبة في التغيير، قبل أن تبدأ هذه الروح بالخفوت تدريجياً وصولاً إلى عموم موجة من "مشاعر الإحباط" بدءاً من عام 2014 تقريباً.

في ذلك العام الذي يمثّل ذروة المد الثوري للربيع العربي، نجد رقمين معبّرين جداً، أحدهما من مصر والآخر من تونس.

ففي مصر، اعتبر 93% أن حرية الصحافة في بلدهم مضمونة إلى درجة كبيرة أو متوسطة، كما اعتبر 95% أن حرية التعبير عن الرأي مضمونة إلى درجة كبيرة أو متوسطة، وهي نسبة مرتفعة جداً، وذلك بحسب استطلاع رأي جرى في يونيو 2011.

أما في تونس، فقد اعتبر 71% أن حرية الصحافة في بلدهم مضمونة إلى درجة كبيرة أو متوسطة، كما اعتبر 77% أن حرية التعبير عن الرأي مضمونة إلى درجة كبيرة أو متوسطة، وهي نسبة مرتفعة جداً، وذلك بحسب استطلاع رأي جرى في سبتمبر 2011.

للأسف، لا توجد أرقام تُعبّر عن تقديرات الرأي العام للتمتع بهاتين الحريتين قبل مرحلة الربيع العربي، ولكن يمكن الافتراض باطمئنان أن النسب ارتفعت عام 2011 بشدة. والأكيد أنها كانت الأعلى مقارنةً بالدول العربية الأخرى التي شملتها الاستطلاعات.

ونفترض أن ارتفاع معدلات الحرية في هذين البلدين كان سببه ثورة الشعبين المصري والتونسي والضغط الذي مارساه على السلطة (القديمة التي سقطت والانتقالية التي حكمت بعد الثورتين) التي تمتلك أدوات القمع، ما جعلها تتراجع عن ممارساتها القمعية، تحت ضغط الشارع. وبالتالي، نفترض أن الأرقام المذكورة تدلّ على أن الحريات يمكن انتزاعها بحال طالبت الشعوب بها بجدية وتحدّت الأنظمة القمعية وواجهتها.

دومينو الحرية

الأرقام الأكثر أهمية ضمن أرقام "الباروميتر العربي" هي تلك التي تسمح بالمقارنة بين واقع الحال في بدايات الربيع العربي أو قبله بقليل، وبين واقع الحال في فترة 2012-2014، حين كان خوف الأنظمة العربية من "تأثير الدومينو" لا يزال قائماً.

في تلك المرحلة، أحدث خوف الأنظمة العربية من أن يطالها تأثير الثورات إرباكاً في تكتيكاتها التقليدية تجاه شعوبها وولّد لديها خوفاً من انتهاج سياسات قمعية، فمنحت مواطنيها المزيد من الحريات في إطار معادلة استقرار جديدة.

تحت تأثير الظروف المذكورة، ارتفعت نسبة المواطنين الذين يعتبرون أن حرية الصحافة وحرية التعبير عن الرأي في بلدهم مضمونتان إلى درجة كبيرة أو متوسطة، ما يدلّ على أن معدلات الحريات ترتفع مع ارتفاع نسبة التهديد الذي يشعر به النظام، وعلى أن تحقيق شعب دولة عربية مكاسبَ يمكن أن ينعكس على حال باقي شعوب الدول العربية.


اللافت أن تلك المرحلة شهدت تدني نسبة القائلين بأن حرية الصحافة وحرية التعبير عن الرأي مضمونتان في مصر، إذ انخفضت من 93% (2011) إلى 63% (2013)، ومن 95% (2011) إلى 66% (2013) على التوالي.

يعود ذلك إلى اكتشاف المصريين أن الواقع أضيق من أن يتسع لحلمهم الكبير بالحرية، مع العلم أن أرقام 2013 تعود إلى مارس 2013، أي إلى ما قبل إقصاء الإخوان المسلمين عن الحكم، وبالتالي فإن المسؤولية عن هذا التراجع يتحملها كل من المجلس العسكري والإخوان، السلطتين اللتين تعاقبتا على حكم مصر بعد الثورة.

تحدي الشعوب للأنظمة القمعية ومواجهتها يمنح المواطنين حريات أكثر... هذا ما تدلّ عليه الأرقام المعبّرة عن حال حرية الصحافة وحرية التعبير عن الرأي في السنوات الماضية
كمواطنين في دولة عربية، نتأثر بالأحداث التي تجري في دولة عربية أخرى، ويظهر ذلك من ارتباط مستوى الحريات التي نتمتع بها بالمناخ العربي العام

ولكن تأثيرات الثورة المصرية على باقي الشعوب العربية لم تكن قد خفتت وكان المناخ العام لا يزال "ربيعياً"، ومن ذلك يمكن استنتاج أن أثر الأحداث التي تجري في دول عربية على شعوب باقي الدول العربية قد لا يكون مباشراً، ما يعني أن "تأثير الدومينو" يتطلب وقتاً (بضعة أشهر) لـ"هضمه".

يشذّ حال السودان عن حال باقي الدول العربية، وذلك لأن نظام الرئيس السابق عمر البشير شذّ عن نظرائه في الدول التي شملتها الاستطلاعات، واختار أسلوب قمع المواطنين للحفاظ على بقائه، وبالتالي تراجعت نسبة السودانيين القائلين بأن حرية الصحافة في بلدهم مضمونة إلى درجة كبيرة أو متوسطة، من 60% (2011) إلى 46% (2013)، كما تراجعت نسبة القائلين بأن حرية التعبير عن الرأي مضمونة إلى درجة كبيرة أو متوسطة من 53% (2011) إلى 41% (2013).

عودة إلى الوراء

أدى إقصاء الإخوان المسلمين عن السلطة في مصر وعودة الجيش إلى لعب دور واضح في الحياة السياسية وما تبع ذلك من وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى سدّة الرئاسة وإصدار مجموعة كبيرة من القوانين المقيّدة للحريات ولنشاط منظمات المجتمع المدني، وما سبق ذلك من قمع النظام السوري لمعارضيه واندلاع الحرب السورية وإفشال الدول الخليجية لثورة البحرين بتدخل عسكري والفوضى في ليبيا واليمن، إلى توليد حالة إحباط عربية عامة.

ويبدو أن الرابح الوحيد من هذا الإحباط كان الأنظمة العربية التي شعرت بأن تهديد شعوبها لها قد زال، فعادت إلى ممارساتها القديمة، وعاد القمع، لا بل تثبت الأرقام أن ممارساتها القمعية زادت.

في هذه المرحلة الجديدة من تاريخ العرب الحديث، جرى الترويج لسردية أن الثورات تخلق الفوضى مع الإكثار من الاستشهاد بالتجربة السورية، واقتنع مواطنون عرب كثيرون بذلك، ما منح السلطة مبررات للقمع في سبيل تحقيق الاستقرار الأمني.


وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من تأثير المناخات العربية العامة الكبير على مختلف الشعوب العربية، إلا أنه لا يمكن إغفال خصوصيات السياقات الوطنية، وهذا ما تظهره أرقام الأردن التي لم تتدنَّ بين عامي 2013 و2016، وكذلك أرقام دول أخرى مثل المغرب (56% قالوا إن حرية الصحافة مضمونة إلى درجة كبيرة أو متوسطة عام 2013 مقابل 62% عام 2016، و59% قالوا إن حرية التعبير عن الرأي مضمونة إلى درجة كبيرة أو متوسطة عام 2013 مقابل 67% عام 2016).

ويبدو أن أثر الربيع العربي على هذا الدول ساهم في إنتاج معادلة بين الشعب والسلطة تقوم على قمع أقل، وجرت المحافظة على هذه المعادلة بمعزل عن المجريات الإقليمية، ما تطلب فصلاً للمسارات الوطنية عن الظرف العربي العام وتأثيراته العابرة للحدود، وهو فصل يمكن ملاحظته في الحالة المغربية مثلاً من تولّي إخواني رئاسة الحكومة، رغم موجة إبعاد الإخوان عن السلطة في العالم العربي.

الآن، بعد اندلاع موجة تغييرية جديدة أطاحت بالرئيس عمر البشير في السودان وبالرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الجزائر، يطرح البعض فكرة ولادة الربيع العربي من جديد، ويرى آخرون أن الربيع العربي لم ينتهِ أساساً.

فهل هذا صحيح؟ تتطلب الإجابة مراقبة الأوضاع العربية في الأشهر القادمة ورصد أثر الدومينو الذي ستحدثه المجريات الجديدة على مستوى اندلاع ثورات عربية جديدة وعلى مستوى تأثيرها على معدلات الحريات في دول أخرى.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image