أصبحت تطبيقات المواعدة جزءاً حيويّاً من حياة الكثيرين، عزّاب أو مرتبطين، مهما كان تعريفهم لذاتهم ضمن الطيف الجنسانيّ، هي المساحة التي تسمح باللقاءات الوديّة أو الجنس العشوائيّ، في ذات الوقت فتحت مجالاً نحو تجارب جنسيّةٍ جديدةٍ، و تساؤلات عن طبيعة العلاقات الإنسانيّة، ولا نتحدّث هنا عن حالات العنف والاغتصاب المتعدّدة التي قد تنتج عن اللقاء مع "غرباء"، بل عن أشكالٍ جديدةٍ من الحراك الاجتماعيّ كـحالة ناتاشا أبانتي التي قامت العام الماضي بتنظيم "هابينينج" في أحد الساحات، حيث وعدت عدداً من الرجال عبر تيندر بلقائهم في ذات المكان، ليجدوا أنفسهم بالمئات، في واحدةٍ من ساحات مانهاتن، لتقف بينهم، وتخبرهم بأنها ستخضعهم لمجموعة من اختبارات اللياقة البدنيّة، لتختار من بينهم من سيخرج معها في موعد، في محاولة للتأكّد من أن ما يصفون به أنفسهم على حساباتهم على تطبيق المواعدة حقيقي، وليس مجرّد وصفٍ خياليٍّ لجذب الآخر.
هذه الأشكال الثقافيّة والاجتماعيّة الناتجة عن تطبيقات المواعدة مرتبطة بالاستثمار في الملذّات، بصورةٍ أدقّ في مساحة من الرغبات التي ترتبط بإشباع الشهوات والوصول للرضا، سواء جنسيّاً أو عاطفيّاً، كما تشكّل قناة مختلفة عن الأشكال التقليديّة، إذ يقدّم فيها المرء صورةً عن ذاته، اصطناعيّة -أو مفبركة في بعض الأحيان- ليلفت انتباه من يشبع رغباته، تلك التي لا تعرف حدوداً أو شكلاً، و من هذه الاحتمالات اللامتناهيّة للذّة، ظهر عام 2014 تطبيق "فييلد-feeld" والذي أصبح الآن متداولاً في مختلف أنحاء العالم ومنافساً لتطبيق Tinder/تندر الشهير.
التطبيق يحمل نفس خصائص تندر، بل كان يسمى قبل ذلك 3inder، حتى عام 2016، حين اعتمد فيلد كالاسم الرسمي للتطبيق، بسبب خلاف مع تيندر، لكن، ما الذي يقدّمه هذا التطبيق من جديد؟
المميّز فيه انه موجّه للعلاقات الثلاثيّة وما فوق، ويُتيح عدداً كبيراً من تصنيفات الطيف الجنسي والتوجّهات التي يمكن الانتقاء بينها، لاختيار الشركاء المناسبين، "المتحرّرين"، الذين يريدون المغامرة مع عددٍ أكبر من الشركاء في ذات الوقت، ليكون مساحة متاحة للجميع لاستكشاف عوالم الشهوات والرغبات، خصوصاً أنه يُتيح السريّة، أي عدم استخدام الاسم الحقيقي، لكنه في ذات الوقت يُطالب بتأكيدٍ عبر الفايسبوك أو رقم الهاتف للتأكّد من أن المشترك شخص حقيقي.
ما هو "جندر" كلّ منّا؟
التطبيق يتحرر من أي توقعات تحكمنا في هذا السياق، وتطرح طيفاً حاضناً للتعددية:
عن ماذا/من نبحث؟
يتحول التطبيق إلى تجربة وفرصة نبحث من خلالها عن معان ومفاهيم تعيد خلق أشكال العلاقات وتحول جمود التوقعات المسبّقة إلى طاقة للتجدد.
هذا التطبيق وما يشبهه يحرّر الفانتازم الجنسيّ من مساحات المحرّم أو نادر الحصول، وينفي ما هو مرتبط به عادة من معيبٍ أو مشين، إذ يمكن إيجاد أشخاص عاديين وترتيب لقاءات في أماكن عاديّة، لا داعي للنوادي الخاصّة أو تلك المثير للشبهة، أي أن الطريق للفانتازم لم يعد محفوفاً بالمخاطر الأخلاقيّة والاجتماعيّة المرتبطة بالفضائحيّة، هو وسيلة لتحدّي الشكل التقليديّ للعلاقات الثنائيّة وما تحمله من معارف ومعايير، تلك العلاقات التي، ومع تغير شكل المجتمع والعلاقات البشريّة، مازالت محكومةً بالتزامٍ جسديّ بين شخصين، بغضِّ النظر عن ميولهما، إلى جانب أنها تجعل "تعدّد الشركاء" شكلاً متخيّلاً وصعب التحقيق في الكثير من الأحيان.
ينافس فيلد التطبيقات الأخرى على المستوى الاقتصاديّ، فهو أوّلاً، كتنيدر، يحوي عضوية ذهبيّة تتيح للمستخدم معرفة من "أعجب" به مسبقاً، لكنه، بعكس البرامج التقليديّة، يستهدف ذوي العلاقات المفتوحة، أو الباحثين عن المغامرة، الذين سيستخدمون التطبيق مراراً، لا لمرّة واحدة، فالعلاقات التقليديّة، إن بدأت عبر تيندر مثلاً، أي في حال توافق الطرفان وقرّرا الالتزام جسدياً، سيقومان بحذف التطبيق والتوقّف عن البحث عن شركاء جُدد، أي أن التطبيقات التقليديّة مهدّدة بسبب أشكال المواعدة التقليديّة، ما يعني تناقصاً دائماً في عدد المستخدمين، في حين أن غياب الالتزام الثنائي في فييلد، يضمن تزايد عدد المستخدمين والزوّار، وخصوصاً أن غواية التجريب والاكتشاف، تزداد مع نجاح كل تجربةٍ وتعارفٍ، ليتحوّل التطبيق إلى بِرْكةٍ من الملذّات وصيغ العلاقات التي معدّلات زيادتها أكثر من نقصانها، فغواية اكتشاف الآخر تدفع المزيد دوماً للاشتراك، دون تهديد للعلاقة الثنائيّة المفتوحة.
هل يمكن لتطبيق أن يمنحنا الحرية الجنسية والمساواة الجنسانية، رغم غيابها في الواقع؟ "3inder" يقدم نفسه كفضاء وديّ وآمن تنال فيه الفئات كلّها ذات الاعتراف
هل نعرف حقيقة هويتنا الجندرية؟ ألا يجب أن نطلع على كامل طيف الانتماءات وأن نفهمها قبل أن نحدد الفئة أو الفئات التي ننتمي إليها؟
يحاول تطبيق Feeld التحرر من الأشكال التقليدية للعلاقات، ويحاول خلق"مساحة ليكتشف فيها المرء جنسانيّته ويتعرّف عليها بنفسه، مع نصفه الآخر أو أيّ إنسان يحبه".
يقول ديمو تريفونوف مؤسس التطبيق، بإنه يحاول الربح من التطوّر الطبيعي للعلاقات، والتي يظن أنها تنزاح بعيداً عن الالتزام الثنائيّ، فالحبّ برأيه يتطوّر نحو الأمام، ولا يهمّ حقّاً ما هي النهاية، ويضيف واصفاً تطبيقه بأنه " مساحة ليكتشف فيها المرء جنسانيّته ويتعرّف عليها بنفسه، مع نصفه الآخر أو أيّ إنسان يحبه".
المميّز في التطبيق أنّه، بعكس التطبيقات الأخرى التي تقدّم خيارات محدودة فيما يخصّ الميول الجنسيّة الذاتيّة، أو تلك لدى الشريك المرغوب، يُتيح الكثير من الخيارات التي تعكس تنوّع الطيف الجنسي، ويحرّر المستخدمين من التقسيمات والفئات التقليديّة، مثلي/ غير مثلي، ويخلق فضاءً ودياًّ وآمناً لذوي التعريفات الذاتيّة السريّة عادة، أو التي لا تجد مساحةً للظهور وممارسة رغباتها دون أحكامٍ مسبقة، إذ تنال الفئات كلّها ذات الاعتراف، والقدرة على التواصل مع المتشابهين، والخروج من دوائر الحذر والترقّب والبحث في الصورة التقليديّة عمّن "يشبههم" لا فقط في الميول الجنسيّة، بل أيضاً في الموقف من العالم وبنائه الثقافيّ ذي التقسيمات الجندريّة الواضحة، فأحياناً يكفي الكلام وتبادل الأحاديث للخروج من دائرة السريّة والأحكام الأخلاقيّة -وأحياناً العنف- المرتبطة بالميول المختلفة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...