"أحب نفسك كما أنت، لست مُطالباً بأن تكون غيرك، أن تكون صادقاً ذلك هو المهمّ"... الجمل السابقة والتي تدعو إليها دراسات نفسيّة كثيرة، لكي يتخلّص الإنسان من كثير من الأمراض، تنطبق، بشكلٍ أو بآخر، على الدول في كلّ نواحيها، سواء الفنيّة، الرياضيّة والأخلاقيّة، طالما ليس هناك فرض رأي أو وصاية أو الدعوة إلى ما يضرّ، لماذا لا نكون أنفسنا بعيداً عن أي "كتالوج آخر"؟
في حفل سحب قرعة بطولة الأمم الإفريقيّة "كان 2019" بالقاهرة، استعان منظّمو الحفل بفرقة "فابريكا" لتقديم عروضٍ غنائيّةٍ واستعراضيّةٍ ضمن حفل الافتتاح، وللإنصاف فإن سيرة الفرقة الذاتيّة التي تُعدّ أول مؤسّسة مصريّة مستقلّة متخصّصة في المسرح الموسيقى الغنائي يؤهّلها لذلك، فبعيداً عن أعضائها الموهوبين، استطاعت الفرقة أن تجد لها جمهوراً من محبي ما يقدّمونه من ترجمة مسرحيّات عالميّة وعرضها بشكلٍ يجذب الجمهور، ونتج عن ذلك جولات في الولايات المتحدة الأمريكيّة ودولٍ أخرى.
ولم يكن استعانة الدولة بهم في حفل سحب قرعة "كان 2019" الأوّل من نوعه، فقد شاركت الفرقة في حفل تكريم منتخب مصر الوطني بعد تأهّله لمونديال روسيا 2018، كما قدّمت العرض الموسيقي في افتتاح مهرجان الجونة السينمائي في دورته الأولى، لكن ذلك كلّه انتهى بعاصفةٍ من التعليقات الساخرة التي اجتاحت موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، سخريةً من وزن بعض أعضاء الفرقة بعد تقديم فقرتهم، في حفل سحب قرعة بطولة الأمم الإفريقيّة.
التعليقاتُ شملت السخريّة من "التخان" ومروراً بـ"إزاي دول يبقوا واجهة مصر في حدث رياضي قاري"، ثم وصلت "السخافة" لإعلان أحد مراكز التخسيس عن تقديم كورس لأعضاء الفرقة مجّاناً، ضاربين عصفورين بحجر، السخرية والإعلان عن المركز وسط "الترند".
"شعب كلّه بكروش يبقى النجم بتاعه سمباتيك ليه"؟
في بداية ثمانينيات القرن الماضي، كان المخرج الراحل محمد خان يبحث عن بطلٍ لفيلمه الجديد "خرج ولم يعد"، ووقع اختياره على يحيى الفخراني ليكون رهانه في هذا المشروع، لكن هذا الرهان سبقه الكثير من التحذيرات لـ"خان"، السؤال الأهمّ، كما يوضّح بلال فضل في برنامج الموهوبون في الأرض: "كيف تستعين بممثل تخين؟" ليكون نجماً أوّلاً في فيلمٍ غير كوميدي، ذلك السؤال كان منطقيّاً في ظل رؤية حصر أي ممثل "تخين" في دور كوميدي أو على الأقل "سنّيد".
لكن "خان" لم يلتفت لكلّ ذلك، بل قال جملته الأثيرة: "شعب كلّه بكروش يبقى النجم بتاعه سمباتيك ليه؟ إحنا بنتكلّم عن مصر والبطل مصري والفيلم مصري، ملناش دعوة بنجوم برّه"، ولولا تلك الرؤية للمخرج العبقري الذي كسر هذا التابوه، لما شقَّ يحيى الفخراني طريقه الذي أثبت فيه أنه نجم مصري صاحب موهبة وكفاءة.
نعود لحفل افتتاح كان 2019، فأعضاء فرقة "فابريكا" قد تلقّوا انتقاداتٍ واسعةً بسبب الوزن الزائد قليلاً لبعض أعضائهم، ولم ينتقد أحد أداءهم، ولا نوعيّة الموسيقى التي قدموها، وبتاريخهم الذي سبق وذكرناه، فإنّهم قدّموا المطلوب منهم بكفاءةٍ وموهبةٍ، فلم كلّ هذا الانتقاد؟
التعليقاتُ شملت السخريّة من "التخان" ومروراً بـ"إزاي دول يبقوا واجهة مصر في حدث رياضي قاري"، ثم وصلت "السخافة" لإعلان أحد مراكز التخسيس عن تقديم كورس لأعضاء الفرقة مجّاناً، ضاربين عصفورين بحجر، السخرية والإعلان عن المركز وسط "الترند".
لكن "خان" لم يلتفت لكلّ ذلك، بل قال جملته الأثيرة: "شعب كلّه بكروش يبقى النجم بتاعه سمباتيك ليه؟ إحنا بنتكلّم عن مصر والبطل مصري والفيلم مصري، ملناش دعوة بنجوم برّه"، ولولا تلك الرؤية، لما شقَّ يحيى الفخراني طريقه إلى النجوميّة.
أعضاء فرقة "فابريكا" قد تلقّوا انتقاداتٍ واسعةً بسبب الوزن الزائد، ولم ينتقد أحد أداءهم، ولا نوعيّة الموسيقى التي قدموها، فإنّهم قدّموا المطلوب منهم بكفاءةٍ وموهبةٍ، فلم كلّ هذا الانتقاد؟
أسرى الكتالوج
بين حادثة محمد خان ويحيى الفخراني يمكن أن نقول إننا أصبحنا "أسرى الكتالوج"، فالمخرج الراحل عرف ماذا يريد أن يقدّم ولمن يقدّمه، وبالتالي اختار الأنسب ولو كان مشروع السينمائي "أكشن" مثلاً لأختار نجماً آخر بلا شك، نفس الأمر في حفل سحب قرعة البطولة الإفريقيّة، ففي تلك الحفلات تعبّر كلّ بلدٍ عن هويّتها وثقافتها بكل الطرق، بداية من زيارة آثارها الخالدة ومروراً برموزها الفنيّة والثقافيّة وأغانيها التراثيّة ورقصاتها الأثيرة، بتلك النظرة رأيت فرقة "فابريكا"، شباباً مصريين يقدّمون موسيقى تعبّر عن بلدهم، حتى وزنهم الذي انتقده البعض، رأيته مصيباً تماماً حتى لو لم يكن الأمر مقصوداً، لكن تلك الأجساد التي ظهرت على المسرح هي أجساد غالبية المصريين.
وإذا كنا أصلاً شعباً يعيش السمنة، فبحسب الأرقام الرسميّة فإن 45% من المصريين يعيش السمنة، لماذا نلجأ لـ"موديلز" لا يعبّرون بالضرورة عن شريحةٍ كبيرةٍ من المصريين لا في الشكل أو الجسد؟ ومن قال إن هناك مواصفاتٍ جسديّةً صالحةً لكلّ الدول والمناسبات؟ أو إن هناك طريقاً واحداً للنجاح؟ إن الأمر يتعلّق بالموهبة والكفاءة وما يتمّ تقديمه، ففي بلاد أخرى يمكن أن تكون الأجساد الرفيعة معبّرة، أما في مصر فـ"كروشنا" تقول غير ذلك، بل وكثير من أصدقائي الذين انتقدوا الفرقة التي في رأيهم تسيء إلى مصر "كروشهم مدلدلة" وهذا لا يعيبهم في شيء!
كثير من أصدقائي الذين انتقدوا الفرقة التي في رأيهم تسيء إلى مصر "كروشهم مدلدلة" وهذا لا يعيبهم في شيء!
الوقوع في أسر الكتالوج لم يكن وليد لحظةٍ أو نبتةٍ شيطانيّة، كثير من العوامل شاركت فيها، ويمكننا القول إن الأعمال الفنيّة من "سينما وتلفزيون ومسرح" كرّست تلك الصورة، حين حصرت أصحاب الوزن الثقيل في أدوار كوميديّة بحتة طوال عمرهم، بداية من السيّد بدير ومروراً بالراحل علاء ولي الدين.
لكن ولأن الصورة لا تكون دائماً قاتمة، فإن هناك من أثبت كذب تلك الصورة، والمثال الأوضح في الوقت الحالي الفنان ماجد الكدواني الذي شقّ طريقه كممثل كوميدي في البداية، لكنه ما إن حانت الفرصة أمامه حتى تمرّد على ذلك كله، بانتقاء أدوار أخرى فنيّة استطاعت أن تجعله ضمن "الموهوبين في الأرض" وأحد النجوم الذين باتوا يمثّلون إضافةً فنيّةً إلى أي عمل يشاركون به.
في النهاية، ليس المطلوب منا أن نكون غيرنا، أو نعبّر عن أنفسنا بصورة زائفة، لأن ذلك يدفعنا لنجلد من يخالف تلك الصورة، التي هي في الأصل نحن.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...