كانت جزيرة سرنديب (سريلانكا الآن) مقصداً للرحالة العرب والمسلمين في عصور مختلفة. زاروها وكتبوا عن جغرافيتها وأحوال أهلها وملوكها، في مشاهدات امتزج بعضها برؤى أسطورية.
وتقع سريلانكا في شمال المحيط الهندي، جنوب شبه القارة الهندية، في جنوب آسيا، ولها حدود بحرية شمالاً مع الهند، ومع جزر المالديف في جنوبها الغربي.
مهبط آدم على جبل الرهون
يكاد الرحالة المسلمون الذين زاروا سرنديب يجمعون على أنها شهدت مهبط آدم، أبي البشر، إلى الأرض، وهذا ما لفت إليه ياقوت الحموي (1179- 1229) الذي زار الجزيرة ودوّن مشاهداته فيها في كتابه "معجم البلدان".
يذكر الحموي: "فيها جبل هبط عليه آدم ويُقال له الرهون وهو ذاهب في السماء (أي شاهق الارتفاع)، وفيه أثر قدم آدم، وهي قدم واحدة مغموسة في الحجر طولها نحو سبعين ذراعاً، ويزعمون أنه خطا الخطوة الأخرى في البحر وهو منه (أي من الجبل) على مسيرة يوم وليلة".
ويروي الحموي أنه "يُرى على هذا الجبل في كل ليلة هيمة البرق من غير سحاب ولا غيم، ولا بد في كل يوم من مطر يغسله".
ويذكر الكاتب حسين فوزي، في كتابه "حديث السندباد القديم"، أن البراهمة، أي طبقة الكهنوت في الهندوسية، يعتقدون حتى اليوم بأن الأثر القائم على جبل الرهون هو لقدم إلههم براهما، رأس الثالوث البراهماني المقدس، في حين ينسبه البوذيون إلى بوذا، بينما يحج إليه المسلمون باعتباره أثر قدم آدم.
دموع بوذا المتجمدة
بالإضافة إلى الهالة القدسية التي يتمتع بها الجبل، فإنه يتميّز أيضاً باحتوائه على الياقوت الأحمر، إذ تجرفه السيول والأمطار وتكشفه فيُلتقط، وفيه يوجد الماس أيضاً، ومنه يُجلب العود وهو نبات طيب الرائحة، حسبما دوّن الحموي.
ويذكر أبو القاسم عبيد الله بن خرداذبة (820-912)، في كتابه "المسالك والممالك"، أن الجبل فيه يواقيت كثيرة من جميع الأنواع، وأحجار كريمة أخرى، وهذه الجواهر تُغسل بالأمطار، فيبحث عنها الناس في الرمال التي يجرفها السيل من أعاليه إلى الأودية، و"يقول الناس إن هذه الجواهر هي دموع بوذا وقد تجمدت".
وفي أودية هذا الجبل يوجد الماس، وفي أرضه ينبت العود والفلفل والعطر، ويوجد السنباذج (حجر صخري أسود) الذي تُعالج به الجواهر، وفي أنهارها البلور، وحولها في البحر توجد مغائص اللؤلؤ، حسبما ذكر ابن خرداذبة.
وغير بعيد عمّا ذكره الرحالة المسلمون عن الجواهر واليواقيت واللآلئ الثمينة في الجزيرة، روى المؤرخ المصري تقي الدين المقريزي أن رسولاً من ملك سرنديب وصل إلى القاهرة سنة 1283 يحمل إلى السلطان المنصور سيف الدين قلاوون خطاباً بالخط السرنديبي في صندوق ذهب.
وذكر الملك في خطابه: "والجواهر كثيرة في بلادي، وعندي مراكب في البحر، وفي أسواقي الفيلة، ونسيج الكتان والحرير، والقرفة وغيرها من الأفاوية (التوابل والبهارات)، والرماح التي تُستعمل في الحرب، فإذا جهز السلطان عشرين سفينة إلى بلادي، استطعت أن أوسقها (أحمّلها) له سوياً، وفي بلادي سبعة وعشرون قصراً بها الدر والياقوت الأحمر ومغائص اللؤلؤ تحت حكمي".
ملك سرنديب وصنم الذهب
كان أكثر ما لفت انتباه محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس المعروف بـ"الشريف الإدريسي" (1100-1164) خلال رحلته إلى سرنديب الأخبار المتعلّقة بالملك.
يذكر في كتابه "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق"، أن "ملك هذه الجزيرة يسكن في مدينة أغنا، وهي مدينة القصر، وبها دار ملكه، وهو ملك عادل كثير السياسة، يقظان الحراسة، ناظر في أمور رعيته، حافظ لهم، وذاب (مدافع) عنهم".
ويضيف أن "للملك ستة عشر وزيراً، أربعة منهم من أهل ملته، وأربعة نصارى، وأربعة مسلمون، وأربعة يهود. وقد رتب لهم موضعاً يجتمع فيه إليهم ويكتب حججهم وأخبارهم".
يكاد الرحالة المسلمون الذين زاروا سريلانكا يجمعون على أنها شهدت مهبط آدم إلى الأرض. ويروي ياقوت الحموي أن في جبل الرهون أثر قدم آدم، و"هي قدم واحدة مغموسة في الحجر طولها نحو سبعين ذراعاً"
في سريلانكا جبل فيه أحجار كريمة مختلفة وهذه الجواهر تُغسل بالأمطار، فيبحث عنها الناس في الرمال التي يجرفها السيل من أعاليه إلى الأودية، و"يقول الناس إن هذه الجواهر هي دموع بوذا وقد تجمدت"
ويروي أنه يجتمع إلى علماء هذه الملل كثير من الناس من عدة طوائف، فيكتبون عنهم سيرة أنبيائهم وقصص ملوكهم في سالف الأزمان، ويتعلمون منهم شرائعهم ويفهمون ما لا يعلمونه.
ولاحظ ابن خرداذبة أن في الجزيرة هيكل عظيم من ذهب يفرطون في تزيينه بالجواهر، وإليه يجتمع أهلها فيتدارسون سير آبائهم وقصص ملوكهم.
بيد أن ما استرعى انتباه الإدريسي أكثر هو ذلك التمثال الذي لم يكن يفارق يد الملك، وكان من الذهب وعليه در وياقوت وأنواع من الأحجار الثمينة.
وبحسب الإدريسي، لم يكن لأحد من ملوك الهند أن يضاهي صاحب سرنديب في هذا، لأن أكثر ذلك موجود في جبال جزيرته وفي أوديتها وبحرها، وإليها تقصد مراكب أهل الصين وسائر بلاد الملوك المجاورين له.
حرق الملك بعد موته
جذب انتباه الرحالة المسلمين ما ارتبط بموت ملك سرنديب ثم حرقه، وهذا ما رصده سليمان السيرافي الذي زار الجزيرة ضمن رحلته إلى الهند والصين سنة 851، ودوّن ما رآه في مخطوط بلا عنوان، أعيد طبعه سنة 1811 على يد المستشرق الفرنسي لويس ماثيو لانغلس (1763 - 1824).
وبحسب السيرافي، "إذا مات الملك ببلاد سرنديب صُيّر على عجلة قريبة من الأرض على قدره، عريضة، ارتفاعها عن الأرض مقدار شبرين أو نحوهما، وتوضع على العجلة قبة مكللة، ويوضع الملك على تلك العجلة، ويطاف به على المدينة كلها يجره عبيده ورأسه مكشوف لمَن يراه، وشعره ينجر على تراب الأرض بينما امرأة بيدها مكنسة تحثو (تهيل) التراب على رأسه".
وبينما المرأة تفعل ذلك تنادي: "أيها الناس، هذا ملككم فلان بن فلان، عاش في ملكه فارحاً قادراً كذا وكذا سنة، وها هو قد مات وفتح يده بما معه بما لا يملك من ملكه شيئاً، ولا يدفع عن جسمه أذى، ففكروا في ما أنتم إليه صائرون، وإليه راجعون".
وإذا فُرغ من الطواف به، أُخرج إلى مكان من عادة أهل سرنديب أن يحرقوا فيه موتى ملوكهم، فيعلقونه في النار حتى يحترق. وبحسب السيرافي "يهيأ له (أي للملك) الصندل والكافور والزعفران فيحرق به، ثم يرمى برماده في الريح... وربما تدخل نساؤه النار فيحترقن معه، وإن شئن لم يفعلن".
ويقترب ذلك مع ما ذكره الحموي من أنه إذا "مات ملكهم الأكبر قُطع أربع قطع وجُعلت كل قطعة في صندوق من الصندل والعود، فيحرقوه بالنار وامرأته أيضاً تتهافت نفسها على النار حتى تحترق معه أيضاً".
معاقبة الجناة
لم يفت الرحالة المسلمون رصد طرق معاقبة الجناة ومرتكبي الجرائم في سرنديب. ذكر زكريا بن محمد بن محمود القزويني في كتابه "آثار البلاد وأخبار العباد" أن من عادات أهل سرنديب أن يأخذوا من الجاني سبعة دراهم على جنايته.
أما إذا تقاعس المديون عن أداء الدين بعث الملك إليه مَن يخط حول مكان وجوده أو منزله خطاً، فلا يجرؤ على أن يتجاوز الخط حتى يقضي الدين أو يحصّل رضى الغريم، وإنْ تجاوزه بغير إذن أخذ الملك منه ثلاثة أضعاف دينه ويسلّم ثلثه إلى المستحق ويأخذ الملك ثلثيه، بحسب القزويني.
حية تشفي الأمراض
من غرائب ما دّونه الرحالة اعتقاد أهل الجزيرة في حية تشفي من الأمراض. ذكر إبراهيم بن وصيف شاه في "مختصر عجائب الدنيا" أن هناك حية يُقال لها "الملك" لا تُطعم إلا مرة في العام، ويسعى الملوك للحصول عليها بعد اصطيادها فيطبخونها حتى يخرج ودكها (سمنها)، فيُدهنون به فيزيدهم قوة ونشاطاً.
ليس هذا فحسب، فلهذه الحية كما يروي شاه وبرٌ إذا قعد على جلدها مريض السل شفي من مرضه.
عنبر من قاع البحر
لم يكن الياقوت والماس والجواهر هي فقط ما اشتهرت به جبال سرنديب، فقد تحدث أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي في "مروج الذهب ومعادن الجوهر" عن جزائر الديباجات التي تقع بين بحري هركند ولاوري ومنها سرنديب وقال: "والعنبر يوجد في هذه الجزائر يقذفه البحر، ويوجد في بحرها كأكبر ما يكون من قطع الصخر".
ونقل عن غير واحد من تجار عمان وسيراف ممن كانوا يفدون إلى هذه الجزائر أن العنبر ينبت في قعر هذا البحر، ويتكون على شكل (الفطر) من الأبيض والأسود فإذا اشتد البحر "قذف من قعره الصخور والأحجار وقطع العنبر".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...