كان في بيت المقدس أفاعي قاتلة، إلا أن عمر بن الخطاب أبطل مفعولها عندما اتخذ مسجداً من كنيسة هناك تُعرف بقمامة وكانت فيه أسطوانتان كبيرتان من حجارة على رأسهما صور أفاعٍ يقال إنها طلاسم لها، فمتى لسعت أفعى إنساناً في بيت المقدس لم تضرّه، ولكن إنْ خرج عن حدودها شبراً من الأرض مات في الحال.
هذه القصة ذكرها مجير الدين الحنبلي في كتاب "الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل"، وأضاف متحدثاً عن دواء من لدغات الأفاعي قائلاً: "دواؤه من ذلك أن يقيم في بيت المقدس ثلاثمئة وستين يوماً، فإن خرج منه وبقي من العدة يوم واحد هلك".
وبحسب ما ذكره الدكتور عمرو عبد العزيز منير في كتاب "القدس في الأساطير العربية"، روى علي بن أبي بكر بن علي الهروي نحو ذلك في كتاب "الإشارات إلى معرفة الزيارات" فقال إن شخصاً كان يلعب بالأفاعي فلدغته أفعى فخرج من بيت المقدس فمات.
ما رواه الحنبلي والهروي، كل على طريقته، نموذج من حكايات أسطورية كثيرة تداولها مؤرخون ورحالة كتبوا عن مدينة القدس. وأوضح منير لرصيف22 أن تاريخ المدينة وموقعها الجغرافي وتنوعها السكاني والديني أمور تركت أثرها على الموروث الشعبي المقدسي وجعلت العوالم الأسطورية تتعانق مع حقائق التاريخ.
وأضاف أن الرحالة والمؤرخين اعتمدوا في سردهم لأساطير القدس على جانب كبير من الروايات الشفوية التي روت تاريخ المدينة. وشرح أن هذا النوع من القصص التاريخية كان شائعاً في المجتمع العربي على أيدي الإخباريين والرواة الذين كانوا يعقدون مجالسهم في المساجد والمحافل وساحات الإنشاد الديني، واعتمدوا على عنصري الإثارة والتشويق لجذب انتباه السامعين، وطعّموا حكاياتهم بأساطير وقصص خرافية.
ولم يتكوّن هذا الكم الهائل من الأساطير دفعة واحدة، وإنما استمر كل جيل يضيف إليها من خياله ما يوائم تصورات عهده، ليزيد من تأثيرها في أذهان محبي المدينة، ذكر منير.
العنقاء والكلب
بعض الحكايات تحدثت عن طيور خارقة من أجل إضفاء روح المبالغة عليها، لإثبات استمرار الرعاية الربانية للقدس. فقد تحدث بهاء الدين أبو الفتح الإبشيهي في كتاب "المستطرف في كل فن مستظرف" عن طائر العنقاء الأسطوري وادعى أنه خُلق من أجل حماية القدس من الوحوش التي تحوم حول بيت المقدس. وكتب: "إن الله خلق في زمن النبي موسى طيراً يُقال له العنقاء له وجه كوجه الإنسان وأربعة أجنحة من كل جانب، وخلق له أنثى مثله، ثم أوحى الله إلى موسى إني خلقت خلقاً كهيئة الطير وجعلت رزقه الوحوش والطير التي حول بيت المقدس، فتناسلا وكثر نسلهما فلما توفي موسى انتقلت إلى نجد والعراق فلم تزل تأكل الوحوش وتخطف الصبيان إلى أن شكاها الناس إلى خالد بن سنان العبسي (من حكماء العرب 520- 588) فدعا عليها فانقطعت وانقطع نسلها وانقرضت". وفي موضع آخر، يقول صاحب "الأنس الجليل" أن الصحابي الضحاك بن قيس "وضع كلباً من خشب على باب بيت المقدس فمَن كان عنده شيء من السحر إذا مر بذلك الكلب نبح، فإذا نبح عليه نسي ما عنده من السحر".نزول الملائكة
ولم يكن من العجيب أن تتردد عن القدس أساطير وحكايات شعبية في كتابات الرحالة والمؤرخين، ولكن العجيب، حسبما ذكر منير في كتابه، هو إيمان الكثيرين منهم بحقيقة تلك الحكايات، بل ودفاعهم عنها رغم أنها قد تجافي العقل. فعلى سبيل المثال، أكّد عبد الغني النابلسي في رحلته إلى القدس التي دونها في كتاب "الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية" أنه رأى ملائكة في ضريح النبي موسى شرق بيت المقدس. كتب: "قرأنا الفاتحة في ذلك المقام المنيف، وإذا بالخيالات تلمع في داخل تلك القبة بحيث تتحير فيها عيون الأحبة. وهناك من الحضور ما يشهد أنها خيالات تصعد وتنزل من حضرة الملكوت على هاتيك التربة المباركة". وتظهر أنوار الملائكة كذلك عند النابلسي في سياق حديثه عن قبة الصخرة فيشير إلى ذلك بقوله "فصلينا ركعتين في تلك المغارة المباركة التي لا تزال مهبطاً لأنوار الملائكة".باب الجنة
واستند مؤرخون ورحالة للتدليل على مثل هذه الحكايات إلى أحاديث منسوبة للنبي مثل تلك المرتبطة ببئر الورقة. نقرأ في كتاب "الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل" قصة عن أنه في جامع النساء (بئر الورقة) بئر تقع على يسار الداخل من الباب الكبير يسمى بئر الورقة "وقد ورد في أمر الورقة حكايات وأخبار وأحاديث كثيرة مختلفة فمن ذلك ما رواه أبو بكر بن أبي مريم بن عطية بن قيس أن رسول الله قال ليدخلن الجنة رجل من أمتي يمشي على رجليه وهو حي، فقدمت رفقة بيت المقدس يصلون فيه في خلافة عمر رضي الله عنه، فانطلق رجل من بني تميم يقال له شريك ابن حيان يستقي لأصحابه، فوقع دلوه في الجب فنزل ليأخذه، فوجد باباً في الجب يفتح إلى الجنان فدخل من الباب إلى الجنان، فمشي فيها وأخذ ورقة من شجرها فجعلها خلف أذنه، ثم خرج إلى الجب فارتقى، فأتى صاحب بيت المقدس، فأخبره بما رأى من الجنان ودخوله فيها، فأرسل معه أناس ونزلوا الجب معه، فلم يجدوا باباً ولم يصلوا إلى الجنان".حكايات عن العالم السحري لبيت المقدس... يُروى أن عين ماء في وادي اليوسفيات تسمى "نبع العذارى" وأن النساء المتهمات بعدم الطُهر كنّ يخضعن للاختبار بها، فمَن تشرب من ماء تلك العين وتكون مذنبة فإنها تموت...
"خلق الله خلق في زمن النبي موسى طيراً يُقال له العنقاء له وجه كوجه الإنسان وأربعة أجنحة من كل جانب، وخلق له أنثى مثله، ثم أوحى الله إلى موسى إني خلقت خلقاً كهيئة الطير وجعلت رزقه الوحوش والطير التي حول بيت المقدس"وأردف الحنبلي في كتابه المذكور: "كتب (أي صاحب بيت المقدس) بذلك إلى عمر، فكتب عمر يصدق حديثه في دخول رجل من هذه الأمة الجنة يمشي على قدميه وهو حي (استناداً إلى الحديث النبوي)، وكتب عمر أن انظروا إلى الورقة فإن هي يبست وتغيرت فليس هي من الجنة فإن الجنة لا يتغير منها شيء، وذكر ابن قيس في حديثه أن الورقة لم تتغير. ويقال أن هذا الجب هو الذي بالمسجد الأقصى عن يسرة الداخل للجامع".
انضم/ي إلى المناقشة
jessika valentine -
منذ 6 أيامSo sad that a mom has no say in her children's lives. Your children aren't your own, they are their father's, regardless of what maltreatment he exposed then to. And this is Algeria that is supposed to be better than most Arab countries!
jessika valentine -
منذ شهرحتى قبل إنهاء المقال من الواضح أن خطة تركيا هي إقامة دولة داخل دولة لقضم الاولى. بدأوا في الإرث واللغة والثقافة ثم المؤسسات والقرار. هذا موضوع خطير جدا جدا
Samia Allam -
منذ شهرمن لا يعرف وسام لا يعرف معنى الغرابة والأشياء البسيطة جداً، الصدق، الشجاعة، فيها يكمن كل الصدق، كما كانت تقول لي دائماً: "الصدق هو لبّ الشجاعة، ضلك صادقة مع نفسك أهم شي".
العمر الطويل والحرية والسعادة لوسام الطويل وكل وسام في بلادنا
Abdulrahman Mahmoud -
منذ شهراعتقد ان اغلب الرجال والنساء على حد سواء يقولون بأنهم يبحثون عن رجل او امرة عصرية ولكن مع مرور الوقت تتكشف ما احتفظ به العقل الياطن من رواسب فكرية تمنعه من تطبيق ما كان يعتقد انه يريده, واحيانا قليلة يكون ما يقوله حقيقيا عند الارتباط. عن تجربة لم يناسبني الزواج سابقا من امرأة شرقية الطباع
محمد الراوي -
منذ شهرفلسطين قضية كُل إنسان حقيقي، فمن يمارس حياته اليومية دون ان يحمل فلسطين بداخله وينشر الوعي بقضية شعبها، بينما هنالك طفل يموت كل يوم وعائلة تشرد كل ساعة في طرف من اطراف العالم عامة وفي فلسطين خاصة، هذا ليس إنسان حقيقي..
للاسف بسبب تطبيع حكامنا و أدلجة شبيبتنا، اصبحت فلسطين قضية تستفز ضمائرنا فقط في وقت احداث القصف والاقتحام.. واصبحت للشارع العربي قضية ترف لا ضرورة له بسبب المصائب التي اثقلت بلاد العرب بشكل عام، فيقول غالبيتهم “اللهم نفسي”.. في ضل كل هذه الانتهاكات تُسلخ الشرعية من جميع حكام العرب لسكوتهم عن الدم الفلسطيني المسفوك والحرمه المستباحه للأراضي الفلسطينية، في ضل هذه الانتهاكات تسقط شرعية ميثاق الامم المتحدة، وتصبح معاهدات جنيف ارخص من ورق الحمامات، وتكون محكمة لاهاي للجنايات الدولية ترف لا ضرورة لوجوده، الخزي والعار يلطخ انسانيتنا في كل لحضة يموت فيها طفل فلسطيني..
علينا ان نحمل فلسطين كوسام إنسانية على صدورنا و ككلمة حق اخيرة على ألسنتنا، لعل هذا العالم يستعيد وعيه وإنسانيته شيءٍ فشيء، لعل كلماتنا تستفز وجودهم الإنساني!.
وأخيرا اقول، ان توقف شعب فلسطين المقاوم عن النضال و حاشاهم فتلك ليست من شيمهم، سيكون جيش الاحتلال الصهيوني ثاني يوم في عواصمنا العربية، استكمالًا لمشروعه الخسيس. شعب فلسطين يقف وحيدا في وجه عدونا جميعًا..
محمد الراوي -
منذ شهربعيدًا عن كمال خلاف الذي الذي لا استبعد اعتقاله الى جانب ١١٤ الف سجين سياسي مصري في سجون السيسي ونظامه الشمولي القمعي.. ولكن كيف يمكن ان تاخذ بعين الاعتبار رواية سائق سيارة اجرة، انهكته الحياة في الغربة فلم يبق له سوى بعض فيديوهات اليوتيوب و واقع سياسي بائس في بلده ليبني عليها الخيال، على سبيل المثال يا صديقي اخر مره ركبت مع سائق تاكسي في بلدي العراق قال لي السائق بإنه سكرتير في رئاسة الجمهورية وانه يقضي ايام عطلته متجولًا في سيارة التاكسي وذلك بسبب تعوده منذ صغره على العمل!! كادحون بلادنا سرق منهم واقعهم ولم يبق لهم سوى الحلم والخيال يا صديقي!.. على الرغم من ذلك فالقصة مشوقة، ولكن المذهل بها هو كيف يمكن للاشخاص ان يعالجوا إبداعيًا الواقع السياسي البائس بروايات دينية!! هل وصل بنا اليأس الى الفنتازيا بان نكون مختارين؟!.. على العموم ستمر السنين و سيقلع شعب مصر العظيم بارادته الحرة رئيسًا اخر من كرسي الحكم، وسنعرف ان كان سائق سيارة الاجرة المغترب هو المختار!!.