في الرابع من أبريل، أطلق ما يُعرف بـ"الجيش الوطني الليبي"، بقيادة المشير خليفة حفتر، معركة السيطرة على العاصمة طرابلس، تحت غطاء "شرعي" من مجلس النواب المنتخب التي يتخذ من مدينة طبرق مقراً له.
وتتصدى لهجوم حفتر قوات تقاتل تحت غطاء "شرعي" من الملجس الرئاسي بقياة فايز السراج المعترف به دولياً وفقاً لاتفاق "الصخيرات".
وبعد زحفها نحو طرابلس، توقفت القوى المهاجمة أمام دفاعات خصومها عند الضواحي الجنوبية للعاصمة، على بعد نحو 11 كيلومتراً من وسطها، وراحت تشنّ غارات وهجمات أسفرت حتى الآن عن مقتل حوالي 205 أشخاص، بينهم 18 مدنياً، وإصابة 913 آخرين، بحسب منظمة الصحة العالمية.
مَن هم طرفا الصراع؟
تدافع عن طرابلس مجموعة كتائب عسكرية ومليشيات محسوبة على الثورة، وفي مقدمتها قوة حماية طرابلس التي تتكون من أربع كتائب أساسية هي "قوة الردع الخاصة" و"كتيبة ثوار طرابلس" و"كتيبة النواصي" و"الأمن المركزي أبوسليم".
يشير ديفيد كيركباتريك في تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية إلى أن مليشيات طرابلس حكمت العاصمة كمافيات، تحت غطاء الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة، ويضيف أن كتيبة الردع الخاصة تتألف في المقام الأول من إسلاميين متشددين على النمط السعودي يعارضون الديمقراطية.
ويضيف أن حديث حفتر عن محاربته للإرهاب يشبه "النبوءة التي تحقق ذاتها"، إذ انضمت إلى محاربته بقايا ميليشيا "أنصار الشريعة" التي تصنّفها الولايات المتحدة والأمم المتحدة منظمة إرهابية وقادة ميلشيات مفروضة عليهم عقوبات بسبب الإتجار بالبشر.
ووفقاً لدراسة أعدتها الباحثة التونسية مريم الحامدي، فإن مدينة مصراتة التي تُعَدّ مورد الدعم الأساسي لمقاتلي طرابلس فيها أكثر من ستين كتيبة ولواء عسكري، توحّد جزء منها في ما يُعرف بـ"قوة البنيان المرصوص"، وهي أكبر قوة عسكرية منظمة ومنضبطة وتشرف عليها مجموعة من الضباط المحترفين.
ويصل عدد مقاتلي مصراتة إلى نحو 30 ألفاً يمتلكون أكثر من 11 ألف آلية عسكرية، بين سيارات ومدرعات ودبابات إلى جانب قاعدة جوية، وفي المدينة قاعدة عسكرية إيطالية.
أما القوة المهاجمة فتُسمّى "الجيش الوطني الليبي"، وتدّعي أنها تضم 85 ألف مقاتل ولكن لا توجد تقديرات ذات صداقية حول ذلك، وهي بقيادة المشير خليفة حفتر، الجنرال السابق الذي كان مقيماً في الولايات المتحدة خلال حكم الزعيم الليبي معمر القذافي، وتسيطر حالياً على معظم الأراضي الليبية.
ويمتلك هذا "الجيش" ترسانة أسلحة مهمة خاصةً في سلاح الجو، ويضم عسكريين سابقين ومقاتلين من القبائل، وأبرز مكوّناته كتيبة " طارق بن زياد" و"الكتيبة 106" وكتيبة "أتباع السلف الصالح" المدخلية وكتيبة "شهداء الزاوية" وكتيبة " أولياء الدم" وكتيبة "قوات الصاعقة". وبحسب تقرير "نيويورك تايمز المذكور" يضم وحدات إسلامية سلفية على النمط السعودي معادية للديمقراطية.
مَن يدعم حفتر؟
بحسب دراسة للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، لا توجد دولة عربية تلعب دوراً كبيراً في ليبيا مثل مصر، ويتجلّى ذلك في الزيارات المنتظمة للقادة الليبيين إلى القاهرة.
ورغم أن القاهرة تؤكد في مواقفها الرسمية دعمها للعملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، إلا أنها في الحقيقة تؤيّد حفتر. ولا تقتصر علاقتها به على عمليات نقل الأسلحة المهمة فحسب، وتدريب الطيارين الليبيين، ولكن هناك مشروعاً سياسياً مشتركاً بين الجانبين هو القضاء على الإسلام السياسي.
في 14 أبريل، التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بحفتر، ما يعكس دعم مصر للعملية التي ينفّذها الجنرال الليبي.
وتشير الدراسة المذكورة إلى أن مصر تعتبر أن وجود المنطقة الشرقية من ليبيا تحت قيادة زعيم صديق، مثل حفتر، سيحقق لها الأمن ويمنع تسرّب مقاتلين متشددين إلى أراضيها.
من جانبها، تشارك الإمارات مصر في بعض الأهداف في ليبيا، لكن، بحسب الدراسة المذكورة، لديها موقف أكثر دعماً لمفاوضات الأمم المتحدة، كما تراجع دورها في ليبيا منذ تدخلها في اليمن.
ومع ذلك، لا تزال الأسلحة الإماراتية تصل إلى كل من حفتر وميليشيات مدينة الزنتان، وفقاً لتقرير صادر عن لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة.
لاعب آخر دخل المشهد الليبي مؤخراً هو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي التقى في الرياض حفتر قبل أيام هجومه على طرابلس ووعده بتقديم الدعم المالي لتمويل حملته للسيطرة على طرابلس، وفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية.
دولياً، تؤكد وسائل الإعلام الإيطالية أن مستشارين عسكريين فرنسيين يعملون على دعم قوات حفتر للسيطرة على كامل ليبيا، وتضع ذلك في إطار صراع المصالح بين روما وباريس.
ولفرنسا معسكر في قاعدة جوية بالقرب من بنغازي، وسقط ثلاثة جنود فرنسيين في المدينة عام 2016، كانوا على متن مروحية تابعة لقوات "الجيش الوطني".
وفي الأسبوع الماضي، عطلت فرنسا صدور بيان أوروبي يدين هجوم حفتر على طرابلس.
وأشارت تقارير إلى أن روسيا أرسلت أسلحة ومستشارين لدعم حفتر الذي زار الكرملين مؤخراً. وعرقلت موسكو الأسبوع الماضي صدور بيان عن مجلس الأمن يطالب بوقف الهجوم على طرابلس.
يقول الأكاديمي والباحث الليبي في مركز الدراسات الإستراتيجية في لندن عبد العزيز أغنية أن مصر لديها مصالح في ليبيا تتعلق بأمنها القومي، ويعتبر أن جماعات الإسلام السياسي تشكل تهديداً لأمن الدولة المصرية.
ويضيف لرصيف22 أن "كل مواطن ليبي واعٍ يتفهم المخاوف المصرية، وتحركاتها في ليبيا، لأن المليشيات المحسوبة على الإسلام السياسي أوصلت السلاح إلى سيناء والقاهرة، ما هدد استقرار مصر ودول أخرى خلال السنوات التسع الماضية".
في المقابل، يقول المحلل السياسي الليبي المحسوب على جماعات الإسلام السياسي في طرابلس أسامة كعبار أن دعم دول غربية لحفتر يعود إلى رفضها وجود حكومات وطنية تعيق سيطرتها الاقتصادية على المنطقة، على الرغم من أنها تطالب بالديمقراطية ويضيف لرصيف22: "في محاربة الدول الغربية للسيد رجب طيب أردوغان خير دليل على ذلك".
ويتابع كعبار الذي تتهمه وسائل إعلام موالية لحفتر بأنه يشرف على نقل أسلحة من قطر إلى طرابلس ومصراتة أن دول الخليج تدعم حفتر لأن "أنظمتها تخاف على عروشها، وتخاف من أن نجاح الثورات سيجعلها تصل إليهم".
ويعتبر كعبار أن هناك أطماعاً لدى السلطات المصرية فى ليبيا وهذا أمر معلن من خلال نخب في القاهرة تحدثت علناً عن حق مصر في الشرق الليبي.
وفي ما خص الولايات المتحدة، فهي تدعم العملية لسياسية في ليبيا، وطالب وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو حفتر بوقف هجومه فوراً، مؤكداً أنه لا يوجد حل عسكري للنزاع.
مَن يدعم قوات طرابلس؟
يقول أغنية إن داعمي الإسلام السياسي في ليبيا وحلفاءهم تركيا وقطر وإيطاليا، هم داعمو القوات المسيطرة على طرابلس "لأسباب أيديولوجية بالنسبة إلى أنقرة والدوحة، أما روما فهي تعتقد أن مصراتة هي الأقوى والأكثر خدمة لمصالحها الاقتصادية".
وفقاً للمركز الأوروبي، فإن تركيا وقطر ليس لديهما تأثير على حكومة الوفاق الوطني وحلفائها بمستوى تأثير مصر والإمارات على معسكر حفتر.
تدعم تركيا وقطر ومعهما إيطاليا بشكل مباشر قوات حكومة الوفاق الوطني التي تسيطر على العاصمة الليبية، بينما تقف مصر والإمارات والسعودية ومعها فرنسا وروسيا بجانب قوات خليفة حفتر... ماذا يجري في طرابلس؟
"ليس من السهل على حلفاء حفتر الإقليميين والدوليين التراجع عن دعمه بعد سنوات من الاستثمار في قواته"، وفي المقابل، تكبدت قوات حفتر خسائر كبيرة على مشارف العاصمة الليبية... إلى أين تسير معركة طرابلس؟
ويؤكد المركز أن لجنة خبراء الأمم المتحدة رصدت قيام شركات تركية بتسليم أسلحة إلى جماعات الإسلام السياسي التي كانت تقاتل تحت مسمى "فجر ليبيا"، مشيراً إلى وجود روابط سياسية قوية لقطر مع سخصيات هامة مثل السياسي الليبي والجهادي السابق عبد الحكيم بلحاج منذ عام 2011.
من جانبها، كشفت صحيفة "ريبوبلكا" الإيطالية أن الدوحة قد تكون أول دولة مستعدة لتمويل عملية مقاومة هجوم حفتر على طرابلس.
وقالت هفنتغون بوست في نسختها الإيطالية إن خسارة حفتر لمعركة طرابلس ستكون بفضل مقاتلي وأسلحة مصراتة، المدينة التي تعتبرها روما "إسبارطة الليبية"، وبالتعاون مع أجهزة الاستخبارات الإيطالية، مشيرة إلى أن هناك 15 ألف مقاتل من مصراتة في طرابلس لحمايتها.
في المقابل، أكد كعبار أنه ليس هناك حلفاء للسراج مثل حلفاء حفتر لكن حكومة الوفاق الوطني هي الحكومة الشرعية وانبثقت عن مسار حوار الصخيرات وبرعاية أممية وبالتزام أممي لدعمها، وعليه فكل مَن يدعمها إنما يدعم المسار الذي اتُّفق عليه أممياً.
وشدد على أن قطر و تركيا انسحبتا من الملف الليبي منذ سنوات، أما إيطاليا فهي تعارض هيمنة فرنسا على ليبيا وثرواتها، وتعمل لتحقيق مصالحها أولاً، وثانياً تراعي الجانب الأخلاقي من الالتزام بالاتفاق الدولي حول حكومة السراج والذي تنتهكه فرنسا صراحة.
سيناريوهات معركة طرابلس
يقول الكاتب الليبي عبد العزيز أغنية إن المعركة في طرابلس حالياً هي "معركة طحن عظام للإسلام السياسي بمختلف أطيافه"، سواء جماعة الإخوان المسلمين أو الجماعات المتشددة مثل داعش وبقايا كتائب مجلس شورى بنغازي.
ووحّد هجوم حفتر على العاصمة مقاتلين يجمعهم العداء لهذا الجنرال، مع أن بعضهم يعارض العملية السياسية التي تشرف عليها الأمم المتحدة.
وقال أغنية إن السراج هو "شخص مختطف حالياً ومسلوب الإرادة وتحت قبضة المليشيات التي تضغط عليه ليصرف لها الأموال ويوفّر لها الشرعية، وبحال رفضه سيتم قتله"، وهو اختار حالياً التحالف معها.
وأضاف أن "العالم سينتظر لفترة وجيزة ثم سيأمر بوقف الحرب، لكن الأهم أن الجيش فرض طوقاً على طرابلس والمليشيات ستظل داخلها في حالة دفاع. وسيحتاج الجيش وقتاً طويلاً ليسيطر على العاصمة، كما حدث في بنغازي".
وأكد أغنية أن هدف السراج والمليشيات حالياً هو جلب قوات أجنبية لفك الطوق الذي فرضه الجيش لكن هناك أطرافاً خارجية لن تتخلى عن طرابلس لأنها "آخر كنز" لها في المنطقة.
وختم أغنية بأن قطر وتركيا اللتين خسرتا نفوذهما في عدد من الدول كمصر وسوريا ستخوضان المعركة لآخر نفس.
في المقابل، يقول كعبار إن "المتمرد حفتر هزم شر هزيمة في طرابلس، وتكبدت مليشياته خسائر كبيرة في الأرواح أولاً قبل المعدات، وهذه الخسائر في الأرواح ستسبب ضغطاً اجتماعياً كبيراً عليه، وستفقده مصداقيته داخلياً وخارجياً"، هو الذي يروّج لفكرة أنه القوة الضاربة الوحيدة في ليبيا.
ويضيف أنه "في ما يخص حلفاء حفتر الإقليميين والدوليين، فإنه ليس من السهل عليهم التراجع الآن بعد كل هذا الاستثمار في حفتر والمشروع الانقلابي خلال السنوات الماضية، وعليه فإن السيناريو القادم في تقديري هو إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الغزو الأخير لطرابلس".
وختم كعبار بأن "الدول المعنية رأت الآن مدى قوة القوات في الغرب الليبي، وعليه سيتم الشروع في المسار السياسي مجدداً".
يبدو أن حفتر الذي يصفه البعض بمعمر قذافي الجديد فاجأ حلفائه قبل خصومه بهجومه على طرابلس، وبالتأكيد فاجأ فريق الأمم المتحدة المعني بإيجاد تسوية للأزمة الليبية، وقد يؤدي تفرّده في اتخاذ قرار كبير مثل قرار اقتحام العاصمة الليبية إلى ممارسة حلفائه ضغوطاً جدية عليه لإعادته إلى طاولة المفاوضات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين