شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
حرب الرحلات المجانيّة إلى إسرائيل... وهم

حرب الرحلات المجانيّة إلى إسرائيل... وهم "التفوّق الأخلاقي"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 22 مارس 201908:02 م

في يوليو المقبل، ستُنظّم جمعيّة "جي ستريت"(J Street) رحلات مجانيّة لطلاب جامعات يهود يأتون من أمريكا لزيارة إسرائيل على مدى عشرة أيام. فتحت الجمعيّة باب التسجيل للمشاركة في الرحلة قبل أسبوع، وفُتح باب الجدل إسرائيلياً بشأن ما ستقوم به الجمعيّة هناك، لا سيّما وأن جدول الزيارة اعتُبر "تحدياً واضحاً" لجمعيّة "بيرثرايت"( Birthright) التي تُنظّم منذ تأسيسها عام 1999 رحلات شبيهة.

الهدف من "الرحلة الصيفيّة"، بحسب الجهة المنظّمة والمُموّلة، هو رفد الجيل اليهودي الأمريكي الشاب بسرديّة "أكثر توازناً" حول الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، وتحديداً في الشقّ المتعلق بـ"قضيّة الاحتلال الشائكة".

كيف ستقوم بذلك؟

شرح زاكاري سبيتز، وهو ناشط مسؤول في "جي ستريت يو" (الذراع التنظيمي لـ"جي ستريت" الذي يتولى أعمالها في الجامعات)، بأن الرحلة ستتضمّن "التحدث مع مجموعة متنوعة من الناشطين الإسرائيليين والفلسطينيين على حدّ سواء، وفهم شكل الحياة بالنسبة للأشخاص الذين يعيشون في الضفة الغربية تحت الاحتلال العسكري، وزيارة مستوطنات الضفة الغربيّة".

نظراً لأن "بيرثرايت" ترفض العمل بهذه الطريقة، تتباهى "جي ستريت" بأنها "تتقدّم، وتُقدّم نموذجاً دقيقاً لهذا النوع من الرحلات التعليمية التي يرغب جيلنا في الاستمرار بالقيام بها".

كجزء من هذه الحملة، سيحثّ ناشطو "جي ستريت يو" الطلاب اليهود الأمريكيين على توقيع بيان يؤكد رغبتهم في التعرف على "مفاتيح الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني" وعلى "الاحتلال" وما تُسميه الجمعية بـ"وضع الأقليات في إسرائيل".

وفي شقّ من الرحلة، تأخذ "جي ستريت" التحدي مع "بيرثرايت" بعيداً. تطلب الأولى من المشاركين التعهد بـ"المشاركة فقط في الرحلات التي تشمل اجتماعات مع كل من الإسرائيليين والفلسطينيين، والتي تُظهر للمشاركين كيف يؤثر الاحتلال على الحياة اليومية للفلسطينيين الذين يعيشون خارج الخط الأخضر".

هذا الشرط هو بالذات ما تُجبر "بيرثرايت" المشاركين معها على التعهّد بنقيضه. منذ تأسيسها عام 1999، أسهمت الجمعيّة في تأمين زيارة أكثر من 500 ألف شاب إلى إسرائيل، تحت بند أساسي يُوقع عليه المشارك في الرحلة: "ممنوع الانفصال عن المجموعة بأي حالٍ من الأحوال، محظور دخول الضفة الغربية، أو قطاع غزة، أو شرق القدس، ممنوع ركوب المواصلات العامة، ممنوع المشاركة في أي لقاءات مع (عرب) إسرائيل!".



وكانت حادثة الشبان الأمريكيين اليهود الخمسة الذين انفصلوا عن الرحلة مع "بيرثرايت" قبل أشهر، والتحقوا بأعضاء من منظمة "كسر الصمت" اليسارية قد أثاروا الجدل حول هذا النوع من الرحلات. وكان هؤلاء قد قاموا بجولة داخل مدينة الخليل، وتحدثوا عن رؤيتهم حقيقة الاحتلال والفصل العنصري، وشاركوا تغريدات من نوع "لم تقولوا لنا الحقيقة، هذا ليس عدلاً، نحن نسعى للحقيقة"، مستغربين أن الخريطة التي وُزّعت عليهم لم يكن فيها الضفة الغربية.

بين جيريمي بن عامي وشلدون أدلسون

يتضّح شكل التحدي أكثر إذا عدنا إلى تاريخ كل من الجمعيتين والحيثيات المرافقة لتأسيسهما وهوية من يقف وراءهما.

"بيرثرايت" و"جي ستريت"... جمعيتان  تنظمان رحلات مجانيّة إلى إسرائيل  للهدف ذاته ظاهرياً لكن التحدي مشتعل بشأن التواصل مع الفلسطينيين، فما هي المشكلة بين الطرفين؟

في شقّ من الرحلة، تأخذ "جي ستريت" التحدي مع "بيرثرايت" بعيداً. تطلب من المشاركين التعهد بـ"المشاركة فقط في الرحلات التي... تُظهر للمشاركين كيف يؤثر الاحتلال على الحياة اليومية للفلسطينيين"

تُعرّف "جي ستريت" نفسها كـ"منظمة ليبراليّة غير ربحيّة"، تأسست عام 2007 بهدف "الدعوة لإنهاء الصراع العربي - الإسرائيلي والقضيّة الفلسطينيّة بطريقة سلميّة ودبلوماسيّة"، وتعمل في كواليس السياسة الأمريكيّة في دعم الأمريكيين الذي يؤمنون بأن مصلحة واشنطن تكمن في "تعزيز السلام الحقيقي والأمن لإسرائيل والمنطقة" .

ومنذ تأسيسها، درّبت الجميعة آلاف الطلاب في الجامعات التي تنشط فيها (حوالي الخمسين) للترويج لطرح "حل الدولتين" وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.

أما صاحبها جيريمي بن عامي، فقد كان مستشاراً للسياسات العامة في إدارة كلينتون كما لعب أدواراً عديدة مع جمعيات إسرائيليّة رفعت شعار "السلام" وكذلك كان حاضراً في مبادرة جنيف، ويُعاونه في رئاسة الجمعيّة مستشارون كثر بينهم سفير سابق لواشنطن في إسرائيل ورئيسة سابقة لمكتب مكافحة معاداة السامية، وخبراء وناشطون في شؤون الشرق الأوسط.

في ظاهرها، تبدو "بيرثرايت" على الضفة المقابلة. تُعرّف عن نفسها كجمعية أمريكية يهودية متخصصة في تنظيم رحلات للشباب "اليهود فقط" إلى إسرائيل، بهدف "توثيق روابط الجيل الجديد باليهودية"، بينما يُمكن لمن يُتابع نشاطها في جذب الشبان من كل أنحاء العالم أن يُدرك أن الهدف هو توثيق العلاقة بإسرائيل.


أما صاحبها فهو شلدون أدلسون، الجمهوري الأمريكي ومالك صحيفة "إسرائيل اليوم"، ومعروف عنه صداقته القوية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ولرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

لعبة "الفروقات الدقيقة"

في "التحدي" الذي تابعته الصحافة الإسرائيليّة بين الطرفين، برز الحديث عن "القيم اليهوديّة والتقدميّة" لدى "جي ستريت"، كما حين ذكرتها الطالبة في جامعة "ستانفورد" إيفا بورغواردت أثناء توقيعها على تعهد الرحلة مع "جي ستريت يو" معبّرة عن رغبتها "العميقة والصادقة بالذهاب إلى إسرائيل والتعرّف على تحدياتها الحالية - وفي إطار ذلك لا يمكن إغفال ومحو الأصوات والأفكار الفلسطينيّة".

 الأمر ليس أخلاقياً بالمعنى الفعلي للكلمة، بقدر ما هو رفاهيّة تُقدمها جمعيّة كـ"جي ستريت" تريد الحل السلمي بالشكل الذي يناسبها، وتشعر بتفوقها الأخلاقي على أمثال شلدون أدلسون

لكن "الفروقات الدقيقة" وما عبّرت عنه الصحافة الإسرائيليّة بالـ"nuances" بين الجمعيتين، لا يمنع من الخوض فعلاً في الفروقات الدقيقة في موقف "جي ستريت" نفسها.

تصف "جي ستريت" نفسها كمنظمة داعمة لإسرائيل، وهي في ذلك على عكس جمعية "إف نات ناو" (إن لم يكن الآن/ If Not Now) اليسارية التي تأسست عام 2014 إبان الحرب على غزة وتنظم رحلات إلى إسرائيل لمناهضة الاحتلال وحث المشاركين مع "بيرثرايت" على الخروج عن المجموعة.

وفي عام 2011، عارضت "جي ستريت" مثلاً الاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة، وكانت معارضتها شديدة في مقابل دعمها لوجود إسرائيل كوطن للشعب اليهودي. كما أنها عّبرت مراراً عن وقوفها ضد أي طرف أو فرد معارض لإسرائيل.

على هامش الجدل حول ما وصفته بعض الصحف بـ"إحراج" منظمة "جي ستريت" لـ"بيرثرايت"، تحدث البعض عن ضرورة صرف التمويل باتجاه آخر لدعم الشعب اليهودي، على اعتبار أن الثقافة اليهودية غير محصورة بإسرائيل، ولا يمكن الاستمرار بصرف أموال طائلة في رحلات مماثلة، بينما يُمكن خلق الارتباط في مجالات أخرى حول العالم.

برأي آنشيل بفيفر مثلاً، الخلاف بشأن تلك الرحلات لن يجعل "بيرثرايت" تُغيّر أهداف عملها، فتلك معركة هامشيّة، إذ أن "المشكلة الأساسيّة مع جدول رحلات الأخيرة ليست في أنها تخفي الجانب القبيح لإسرائيل، ولكنها تستند إلى مفهوم ضحل للغاية للارتباط الواقع الإسرائيلي والهوية اليهودية".

وإن كان مفيداً الاطلاع على نقاش مماثل وعلى ما تصفه الصحافة بـ"الفروقات الدقيقة" بين تلك المنظمات، لا تبدو الفروقات للواقفين على المقلب الآخر بهذه الدقة، إن كانت موجودة أساساً. فنقاش "التقدميّة والقيم" يُسهم في إشباع "الصورة الإنسانيّة" التي يود هؤلاء تصورها عن أنفسهم. وهي بذلك حرب إسرائيلية - إسرائيلية تُسهم في الدفاع عن حقوق إسرائيليين يعتبرون أنفسهم أفضل من إسرائيليين آخرين، مع الأخذ بالاعتبار بعض الحالات الخاصة جداً التي يجعلها التعرف على الفلسطيني تتخذ مواقف جذرية في معاداتها لإسرائيل.

هذا النقاش الداخلي الحاصل في إسرائيل يهم دائماً وضعه في سياقه الفعلي، وهو أن "البحث عن المعرفة في الجانب الفلسطيني" يندرج في سياق حق هؤلاء اليهود في المعرفة وفي أن يكونوا "عادلين" حسب معتقداتهم، أكثر من كونه يندرج في سياق إعطاء صوت فعلي للفلسطينيين.

هنا الأمر أبعد من كونه أخلاقي بالمعنى الفعلي للكلمة في الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، بقدر ما هو رفاهيّة تُقدمها جمعيّة كـ"جي ستريت" تريد الحل السلمي بالشكل الذي يناسبها، وتشعر بتفوقها اليهودي الأخلاقي على أمثال شلدون أدلسون.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image