ثورة الكرامة، شعار استخدمته الثورات العربية المتتالية، من تونس إلى مصر إلى سوريا، مروراً بالتحرّكات المستمرّة التي يقوم بها الفلسطينيون ضد الاحتلال الإسرائيلي. من الشعارات التي تصب في الخانة نفسها، شعار استخدم في سوريا كثيراً: "الشعب السوري ما بينذلّ".
إن مفهوم الكرامة ليس بالطبع غريباً عن قيم العالم العربي، بل على العكس، قد يكون من القيم الأساسية التي تتميّز بها الثقاقة العربية. ولكن استخدام هذا المفهوم ضمن الثورات العربية التي قامت ضد أنظمة الحكم الديكتاتورية القائمة، ربما يمثّل تغييراً جديراً بالذكر والمناقشة بالنسبة للدور الذي يلعبه هذا المفهوم في مجتمعاتنا.
لطالما ارتبط مفهوم الكرامة في الثقافات العربية بمعاني الشرف وما يتّصل به من قيم، كالرجولة والقوة والبطولة والكبرياء. أهم مثال على ذلك نلمسه في الموروث الشعري التقليدي، فعنترة بن شداد لا يزال أيقونة عربية. من أقواله في هذا السياق: "لا تسقني ماء الحياة بذلّة، بل فاسقني بالعزّ كأس الحنظل/ ماء الحياة بذلّة كجهنّم، وجهنّم بالعزّ أطيب منزل." وكما يتحقق العزّ عند عنترة بالأعمال الفروسية، وبالمحاربة من أجل الحبيبة، فإن العزّ والكرامة والشرف في العالم العربي لطالما شكّلت ركائز المجتمع الذكوري. عادة ما يقاس الشرف بعفّة النّساء، وأفظع مظاهره ما يسمّى جرائم الشرف. وعادة ما يكلّف الرجال بالانتقام عندما يتم المس بكرامتهم أو كرامة عائلاتهم، وغالباً ما يتم ذلك على أساس مشاعر غرائزية، ومن خلال العنف.
مفهوم الكرامة الذي اتخذته الثورات العربية شعاراً لها، ليس هو نفسه المفهوم التقليدي. فالثورات العربية استخدمت مفهوماً تقليدياً ولكن بمعنى جديد غير مرتبط بمعنى الشرف والكبرياء. لا نستطيع فهم المعنى الجديد خارج الفكرة الأساسيّة التي عبّرت عنها التحرّكات العربية وهي حق الشعوب في تقرير مصيرها واختيار حكامها. الكرامة هي إذاً أن يكون خيار الشعب مصاناً، وألّا يكون خاضعاً لغطرسة حاكم.
الكرامة الإنسانيّة، كفكرة مرتبطة بمفهوم الحرية، بدأت مع الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط Emmanuel Kant في القرن الثامن عشر، وجاءت نتيجة رفضه لمذهب المنفعة utilitarianism كأساس للتفكير الأخلاقي. فبحسب مفهوم المنفعة، فإنّ ما يبرّر قراراً أو سلوكاً أو سياسة معيّنة هو ما تأتي به من فائدة للعدد الأكبر من الناس ولو على حساب أقليّة قد تضرّها هذه السياسة أو هذا السلوك. وما رفضه كانط هو هذا النوع من التفكير بالناس كجزء من عمليّة حسابيّة وما يترتّب عنه من التضحية بالأقليّة من أجل الفائدة العامة.
أصرّ كانط على أنّ كل إنسان، بصفته غاية في حد ذاته، لا تقاس قيمته بالنسبة للآخرين أو بالنسبة للمجتمع ككلّ، وهذا هو معنى أن يتمتّع كل إنسان بالكرامة. والكرامة الإنسانية هي أساس فكرة حقوق الإنسان، فحقوق الإنسان تنبع من مجرّد كون الإنسان إنساناً، لذا هي حقوق غير نسبيّة ولا يمكن التنازل عنها.
عندما يرفع الثوّار، رجالاً ونساء، شعار الكرامة، هم إذاً يطالبون بالاحترام لقيمة كل فرد من أفراد مجتمعهم. الذلّ الذي يرفضونه ليس ذلّ الضعف أو الخسارة أو المسّ بالعرض، لكنّه ذل الوقت الطويل الذي عاشوه دون أن يكون لهم فرصة التعبير عن إنسانيّتهم من خلال القيام بخيارات حرّة تتعلّق ليس فقط بنظامهم السياسي ولكن أيضاً بحياتهم اليومية، مهنتهم وهواياتهم ومعتقداتهم ونشاطاتهم.
الذل هو أن يعيش الإنسان خاضعاً لحكام يحكمونه كما يهوون، دون قواعد أو قوانين مرعيّة، وفي الفقر والقهر والخوف من المستقبل. وثورة الكرامة إذاً هي ثورة الحكم العادل الذي يحترم حقوق الإنسان وقدرة الأفراد على تقرير مصيرهم واختيار نمط الحياة الذي يريدون.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع