15 دقيقة موازية من الجري، 70 نبضة للقلب تتسارع لتصل إلى 120، تقلّصٌ في العضلات وحرقٌ لخمس سعرات حرارية في الدقيقة. ليست أحجية من نوع جديد، وليست حِمية مبتكرة بشكل أو بآخر. إنها بكل بساطة النشاط الجنسي الاعتيادي الذي يقوم به الإنسان، والذي وصفه صندوق الأمم المتحدة للسكان UNPFA بأنه "الرياضة الأكثر ممارسة في العالم".
ممارسة الجنس والرياضة، طرفان لطالما حاول الكثيرون إيجاد العلاقة الصحيحة بينهما. إنْ لم يكن هذا الأمر بذي قيمة لدى الهواة، فإنه لا زال يؤرق المحترفين الذين لم يجدوا جواباً شافياً يزيح عن كاهلهم عناء الالتزام بالتعليمات بناءً على دراسات، أو تجاهلها والسير بحسب الهوى بناءً على دراسات أخرى.
العلاقة الجدلية بين ممارسة الجنس والرياضة ليست وليدة العصر الحديث أو سنوات النهضة العلمية والرياضية الأخيرة، بل إن الأمر يعود إلى آلاف السنين. ففي العام 444 قبل الميلاد قال الفيلسوف الإغريقي أفلاطون Plato إن "على المتنافسين المشاركين في الأولمبياد تجنب ممارسة الجنس"، ليأتي الفيلسوف الروماني بليني الأكبر Pliny the Elder بعد أكثر من خمسة قرون برأي مغاير تماماً عندما أكد أن "الرياضيين يستطيعون تجديد حيويتهم واستعادة نشاطهم عبر ممارسة الجنس".
تقول أحدث الدراسات مطمئنةً الرياضيين، إن ممارسة الجنس بشكل معتدل قبل ليلة من المنافسة الرياضية لن تتسبب على الأرجح بأية عواقب وخيمة، فبعض الرياضيين يظنون أن الاستثارة الجنسية تقلل من فعاليتهم في ميدان المنافسة، أو أنها تقوم باستهلاك مخزون هرمون التستوسترون الذي يعتبر المحفز الأول للعضلات، ما يؤدي إلى انخفاض مستوى أدائهم.
لكن استطلاعات رأيٍ لرياضيين بالتوازي مع دراسات طبية تثبت عكس ذلك، ففي أبحاث عدة منفصلة، عملت على قياس الجهد والقوة والقدرة إلى جانب مؤشرات حيوية أخرى، لم تظهر أية فروقات ترجح تفوق الرياضي الذي لم يمارس الجنس قبل المنافسة على الرياضي الذي مارسه، والعكس صحيح
تعاني هذه الأبحاث شيئاً من القصور كون القائمين عليها درسوا مدى تأثير العملية الجنسية على النشاطات الرياضية المرهقة، وبالتالي فإن النتائج التي وصلوا إليها لا يشترط لها بالضرورة أن تنطبق على لاعب الغولف أو البولينغ، الرياضتين اللتين لا تحتاجان لجهد كبير، على عكس السباحة مثلاً.
من جهة أخرى، فإن ممارسة الجنس لا تبدو قادرة على التأثير في قدرات التركيز لدى الرياضي، بالنسبة للرجال على الأقل، بحسب ما كشفته إحدى الدراسات. الباحثون في هذه الدراسة أعطوا ممارسين لرياضات التحمل (الجري - الدراجات الهوائية) ورفع الأثقال سلسلة من اختبارات التركيز إلى جانب بعض الاختبارات الرياضية، وذلك بعد ممارسة الجنس. اكتشفوا أن العلاقة الحميمة لم تؤثر أبداً في مستوى تركيز اللاعبين. لكنهم استطردوا بالقول إن الاختبارات ذاتها أظهرت تراجعاً في حدة التركيز لدى الرياضيين عندما قاموا بها بعد ساعتين وأقل من الممارسة الجنسية، ما يؤكد على ضرورة وجود وقت كاف من الاسترخاء والراحة قبل الانخراط في أي نشاط رياضي، ذهنياً كان أو جسدياً.
تشدد دراسات طبية- رياضية أخرى على أن التأثير السلبي لممارسة الجنس قبل المباريات (أياً كانت)، ليس سوى أسطورة لا وجود لها، والخبر السارّ الذي ينقله بحث يعود إلى العام 2003، هو أن العلاقة الحميمة تحفز جسد الرجل على إفراز هرمون التستوسترون الذي يعطي ميزة إضافية للرياضي خلال المنافسة. هذا الهرمون الذكوري يفرز بشكل كبير داخل الجسم خلال القذف، ما يساعد على تقوية العضلات ومنحها مزيداً من الطاقة.
الباحثون المشرفون على الدراسة ذاتها، لم يستبعدوا النساء، مؤكدين أنهن يملكن ميزة متفرّدة، حيث أشاروا إلى اكتشاف العلماء لمخدّر حيوي يفرزه جسم المرأة خلال الرعشة الجنسية، ولمدة تصل إلى 24 ساعة، يساعد على تحمل أية آلام محتملة في العضلات، خلال ممارسة الرياضة.
في محاولة لاستخلاص العبرة من عشرات الدراسات المشابهة حول العلاقة الجدلية بين الممارسة الجنسية والرياضة، نجد أن الخيار الأمثل والأقرب لتجنب أية عوارض غير محمودة يكمن في الممارسة الجنسية المعتدلة، غير المتكلفة أو المتكررة، إضافة إلى اختيار التوقيت المناسب الذي يتماشى مع نوع الرياضة المراد ممارستها.
يقول المستشار الجنسي والكاتب المعروف إيان كيرنر Ian Kerner إن الأمر لا يتعلق بممارسة الجنس، بل بالنشاطات الموازية للممارسة كالحفلات والرقص والمشروبات، وهي الأمور التي تؤدي مجتمعة إلى التأثير السلبي الذي يُنسَب بعد ذلك زوراً إلى الجنس. أما مدرب اللياقة البدنية دان ترينك Dan Trink فيقول إن الحالة النفسية للرياضي تلعب دوراً كبيراً في مدى تأثير ممارسة الجنس على أدائه التنافسي، فإن كان اللاعب يعتقد أن ممارسة الجنس ستؤدي إلى تراجع مستواه، فإن ذلك سيحصل حتى وإن لم يكن حقيقياً، وهو يشبه في هذه الحالة من يرتدي جورباً أزرق ظناً منه أنه جالب للحظ.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين