أشكمان لطرد غازات المجتمع السامة
عوضاً عن السلاح، قرر عمر ومحمد قباني حمل الريشة وطلاء الألوان والغوص في عالم الغرافيتي، فقاما بتأسيس فرقة أطلقا عليها إسم "أشكمان" سرعان ما أصبحت حديث الناس وتصدرت أخبارهما الصحف العربية والعالمية. أما عن سبب اختيارهما لهذا الإسم فيخبر عمر أن كلمة "أشكمان" "لبنانية مئة بالمئة وعفوية كما أنها قريبة من الشارع الى حدّ بعيد"، مؤكداً أنها تتضمن رمزية معينة: "كما يطرد "أشكمان" السيارة الغازات السامة من داخلها الى خارجها، كذلك نسعى كفرقة "أشكمان" الى طرد وسخ المجتمع من الداخل الى الخارج". ويوضح "عمر" أن انطلاقتهما كانت وليدة عائلة آمنت بموهبتهما وإحتضنتهما من الناحية الفنية، فقدمت لهما الدعم المعنوي وحثتهما على خوض غمار هذه التجربة التي تحولت الى عمل محترف. يقول:" والدتي رسامة تعشق الطبيعة ووالدي يعشق الأدب ومتأثر بعدة مفكرين على رأسهم جبران خليل جبران، وبالتالي نشأنا في كنف عائلة تعشق الفن والأدب". كان لوقع الحرب تأثير كبير عليهما خاصة انها طوت في ذاكرتيهما جدران شوارع الحي الذي يقع فيه منزل العائلة، وطبعت في وجدانيهما شعارات الميليشيات اللبنانية المشاركة في الحرب، من هنا قررا إلغاء كل ترسبات الحرب وشعارات الأحزاب واستبدالها ببعض الأمل على غرار غرافيتي حمل عبارة:" لن يموت شعب لديه غرندايزر" أو رسماً ركز على قول الثائر زياد الرحباني "بالنسبة لبكرا شو؟"، وذلك كله نوع من التعبير السلمي البعيد كل البعد عن منطق السلاح والعنف."سلام" من سماء بيروت
كون التوأمين قباني مواليد "برج الثور" يمكن القول إن "العناد" صفة مشتركة بينهما، وفق ما أكده عمر، الذي أوضح أن هذا ما دفعهما الى المثابرة وتأسيس فرقة تغني الراب وتجمّل الجدران للانتقال بعدها الى تأسيس شركة تنشط في عدة بلدان، فضلاً عن المشاركة في مهرجانات ونشاطات في بضع بلدان عربية وأجنبية ( جدة، دبي، الكويت، المملكة المتحدة، أرمينيا، جنيف) وذلك كله بمجهود شخصي وتمويل ذاتي. لا يمكن الحديث عن فرقة "أشكمان" دون التّوقف عند مشروع "أوزفيل"، وهو مبادرة قام بها "عيّاد ناصر" بهدف تحويل منطقة الأوزاعي "المحرومة" و"المهملة"، على غرار "وينوود" في ميامي و"باشويك" في بروكلين، إلى منطقة تحظى باهتمام الناس ومعلم سياحي بارز، وذلك من خلال دعوة فريق "أشكمان" إلى تجميل جدران المنطقة كونها أول ما يلفت نظر القادمين من مطار بيروت. من هنا تخطط "فرقة أشكمان" لزرع بذور السلام بطريقة فنية راقية تقف على أعتاب العالمية. يقول عمر: "فكرة مشروع سلام تعود الى عامين تقريباً حين أردنا تنفيذ أكبر غرافيتي في العالم، فولدت فكرة طلاء كلمة "سلام" على أسطح أكثر من 100 بناية لتظهر الكلمة من الجو". ويلفت "عمر" إلى أن العمل يتم بفضل جهود curator 19.90 و"عيّاد ناصر" الذي يأخذ على عاتقه مهمة الاهتمام بالتفاصيل اللوجستية وتقديم الدعم الكامل على الأرض، بغية أن يتحقق هذا الحلم ويصل المشروع الى العالمية. أما عن سبب اختيار كلمة "سلام" دون سواها، فهو يعود الى أهمية هذه الكلمة ورمزيتها. يقول عمر: "نحن بحاجة الى السلام الداخلي ونريد من خلال هذا المشروع التركيز على أن لبنان بلد سلمي يحب الحياة بخلاف ما تحاول الدول الغربية تصويره". وهل سيتوقف يوماً ما عن عمله؟ يجيب عمر:" ما رح وقّف حتى قلبي يوقف"."أشكمان": لغتنا العربية هي شغلنا الشاغل
في الواقع تمكنت فرقة "أشكمان" من الإبحار في عالم الغرافيتي وذلك من "الصفر"، إن جاز التعبير، أي من دون دعم مادي من أحد، وفق قول عمر، ويروي كيف تمكنت الفرقة من الصعود الى سلم النجاح درجة درجة من خلال التمويل الذاتي: " في بداياتنا كنا نذهب الى الشارع خلسة في الليل وتحديداً عند الساعة الرابعة فجراً ونقوم بالرسم على الجدران بأدوات اشتريناها من مصروفنا الخاص، فنرسم طوال الليل ويستيقظ اللبنانيون في اليوم التالي على مشهد جميل: جدران ملوّنة أشبه بنشرة أخبار، فيتمكن المرء من إدراك ما يحصل من مستجدات في البلاد بمجرد تأمل هذه الرسوم التي غالباً ما تتضمن رسائل سياسية واجتماعية وفنية". ومع الوقت، أصبحت رسوم الأخوين "قباني" معروفة، حتى أنها نالت إعجاب بلدية بيروت التي باتت تساندهما في كل المشاريع (باستثناء شعار "أنت حر أو لا تكون" التي قامت البلدية بإزالته "عن طريق الخطأ" ضمن حملة رفع الشعارات السياسية من المدينة) وبالتالي تحوّل عملهما من الليل الدامس الى وضح النهار وبشكل علني وقانوني. ولكن قد يتساءل البعض ما الذي يميّز أعمال فرقة "أشكمان" عن غيرها؟ يشدد عمر على أن ما يميّز هذه الرسوم هو اللغة العربية التي تشكل عنصراً أساسياً في أعمالهما، فهي اللغة التي أضحت "شغلهما الشاغل" خاصة بعد أن لمسا خجل الجيل الجديد بلغته العربية التي يعتبر أنها ليست "كول" كالإنجليزية والفرنسية. من هنا ركز الأخوان "قباني" على ما يعرف بالكاليغرافيتي، أي فن الخط، الذي يدمج فنون الخط العربي بالغرافيتي، فكانا أول من أسس لهذا الفن في لبنان، وبفضل احترافيتهما وموهبتهما المميزة لفتت أعمالهما انتباه القيّمين على قسم الفنون في عدة جامعات عريقة مثل الجامعة الأميركية في بيروت التي دعتهما الى إقامة ورش عمل بهدف تدريب طلابها على الغرافيتي باللغة العربية فقط.تخليد ذكرى الفناني
قرر كل من عمر ومحمد قباني تخليد ذكرى الفنانين الراحلين من لبنان على طريقتهما الخاصة. فإذا كنتم تجولون في شوارع بيروت وتحديداً في الأشرفية، فسوف تفاجئكم صورة ضخمة مرسومة على الحائط للفنانة الراحلة صباح التي عرفت بحبها وعشقها للحياة، فبوجه مشرق ومفعم بالحياة تستقبل "الصبوحة" المارة، تبتسم لهم وتحاكيهم بنظراتها كأنها تقول هامسة:" بدي عيش للمية ليسموني الصبوحة". واللافت أن هذا العمل الفني المميز الذي يهدف الى تسليط الضوء على فنانة محبوبة عرفت بإيجابيتها وعفويتها، استغرق الكثير من الوقت لناحية اختيار الألوان المناسبة ومكان الجدار، غير أن التنفيذ دام نحو 3 أيام متتالية. كذلك كرّم "أشكمان" المبدع الراحل وديع الصافي بعد أسبوع من وفاته، في رسم استغرق تنفيذه 5 ساعات من العمل المتواصل بهدف تخليد ذكرى فنان كانت مسيرته حافلة بالإنجازات، وكتبت الفرقة فوق الصورة، التي زيّنت منطقة "التباريس،" عبارة "ذهب صافي"، في إشارة الى حنجرته "الذهبية" وصوته المميز.وفي إطار تكريم المبدعين، سواء أولئك الذين رحلوا الى دنيا الحق أو الذين لا يزالون بيننا، زيّنت فرقة "أشكمان" آخر الأسبوع الماضي منطقة "كورنيش المزرعة" وتحديداً مبنى تلفزيون الجديد بغرافيتي يعود لأيقونة لبنان السيدة فيروز التي بدت وكأنها تغني للوطن وتقول "من قلبي سلام لبيروت"، في إشارة الى الأحوال المضطربة التي تمر بها بيروت منذ وقت طويل.
واللافت أن هذه اللوحة المميزة طولها 14 متراً وعرض ها8 امتار وقد استغرق إنجازها حوالي 20 ساعة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع