دقائق ثلاث من توقيع المخرج سمير عبود، نُشرت على يوتيوب، وتعرض على المحطات التلفزيونية، أشعلت جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي.
هي المدة التي استغرقها إعلان "مجموعة زين" للاتصالات فحصد الفيديو، حتى كتابة هذه السطور، حوالي ثلاثة ملايين مشاهدة على قناة زين في يوتيوب في غضون أربعة أيّام عقب نشره، ليحل بذلك على لائحة أكثر الفيديوهات مشاهدة في منطقة الخليج على المنصّة، والأكثر جدلاً في الوقت ذاته.
عمران
يذكر العالم الطفل عمران دقنيش وقد لطخ الدم وجهه وغطى التراب شعره. يجلس الطفل الحلبي وحيداً في سيارة الإسعاف، صامتاً، من شدة ذهوله، ويتفحص جروحه بهدوء تام. هكذا صورته عدسات الصحافة بعدما نجا من الغارة الروسية التي أصابت منزل والديه في حلب عام 2016. لكنّ "مجموعة زين" أجلَسته في باص مفخخ وقررت أن تجعله ينطق في حملتها الإعلانية لرمضان هذا العام. يفتتح الإعلان بمشهد يصور رجلاً يصنع قنبلة، ويتقاطع ذلك مع صوت طفل في الخلفية كأنه يخاطب قتَلَته، ويعدهم بأنّه "سيخبر الله" بفعلتهم التي خربت وطنه. ينطلق الانتحاري لتنفيذ مهمته بحزام ناسف، ويبدأ حوار ملحن بينه وبين "ضحايا" تفجير سابق، فيذكرونه بأن الله بريء من فعلته. عند الدقيقة الأولى للفيديو، يقف الانتحاري في مواجهة طفل جسّد دور عمران. يتشهد الانتحاري، فيرد من أدى دور عمران: "[الله] مسامح حليم، لم يؤذِ مَن أذاه"."لنفجّر… لنفجّر"
يتجول الانتحاري مكبراً في مواقع التفجير، ويتداخل ذلك مع تكبير المغني حسين الجسمي. يطوف الجسمي مترئساً مجموعة من الناس، نحو الانتحاريّ الذي يحاول الفرار. ينشد الجسمي باسماً ويمدّ يد العون للانتحاري ويخاطبه مردداً: "اعبد ربك حباً لا رعباً، كن في دينك سهلاً لا صعباً، خالف ندّك سلماً لا حرباً، اقنع غيرك ليناً لا غصباً". وما إن يهم الانتحاري بالضغط على زر التفجير حتى تُطلق المفرقعات في السماء، فيتابع الجسمي مدندناً "لنفجر العنف رفقاً، لنفجّر الضلال حقاً، لنفجّر الكره عشقاً، لنفجر التعصب نرقى". وذيل الإعلان بجملة ختامية من زين: "كلّما يفجّرون كرهاً، سنغنّي حبّاً… من الآن إلى السعادة". &feature=youtu.beسقط سهواً أم عمداً؟
أثار #إعلان_زين موجة استياء عند الناشطين الذين رأوا فيه "تشويهاً للحقيقة"، فأطلقوا وسم #زين_تشوه_الحقيقة للتعبير عن غضبهم.ماذا يحصل عندما تتبنى شركة تجارية قضية سياسية أو جزءاً منها؟..عن #إعلان_زين والجدل حوله
أثار #إعلان_زين استياء بعض الناشطين الذين رأوا فيه "تشويهاً للحقيقة" فأطلقوا وسم #زين_تشوه_الحقيقةظهور عمران في الإعلان في سياق مكافحة الإرهاب الديني "تضليل للواقع واجتزاء للحقيقة" بحسب رأيهم. صوّرت "زين" في الإعلان عدداً من الناجين من أحداث عنف باسم الدين في الأردن والعراق والكويت. وإذا كان الهدف من ذلك هو الحثّ على نبذ التطرّف الديني، فاختيار عمران لا يُسجل في الخانة نفسها، فهو ليس ضحيّة الإرهاب الديني. فقد انتشل عمران من تحت ركام منزله في حلب بعدما استهدفته طائرات حربية، هي في الغالب روسية. آخرون عبروا عن انزعاجهم لأن "زين" تحاول تجريد القضية من سياقها السياسي، فتحصر العنف والإرهاب بالجماعات الإسلاميّة المتطرفة بدل أن تصوّر المشهد الأوسع للصراع في سوريا والمنطقة. الكثيرون وجدوا في العمل تعزيزاً للصورة النمطيّة لترادف الإرهاب والإسلام بدل دحضه. فيما انتقد آخرون عدم احترام الشركة للمعايير الأخلاقيّة، لأنّها انتهكت شخص عمران وأقحمته في سياق استهلاكيّ من دون أن يصرّح هو وعائلته بذلك. فيما طالب البعض الشركة بالاعتذار إلى الشعب السوري وسحب الإعلان، ودعى آخرون لمقاطعة الشركة تجارياً والتحوّل إلى مزودين آخرين. ولا يبدو واضحاً حتى الآن ما إذا كان هذا الاختيار ينم عن جهل بالحقيقة أم تعمد إعادة تأطير الواقع، فالشركة لم تصدر حتى الساعة بياناً ترد فيه على تساؤلات الجمهور.
"لايكات" اليوتيوب
وفي مقابل أربعة آلاف سجّلوا عدم إعجابهم بالإعلان على يوتيوب، إلا أن خمسين ألف مستخدم حتى الآن سجلوا إعجابهم. وتنوعت التعليقات بين من وجد العمل "جميلاً" و"جريئاً" و"عميقاً" ومن رأى أن ردود الفعل السلبية "مبالغ بها".طقس إعلاني رمضاني
مجموعة زين للاتصالات، ومركزها الرئيسي الكويت، تعمل في ثماني دول عربية هي: الكويت والسعودية والبحرين والعراق والأردن والسودان والمغرب ولبنان. وهذا الإعلان لا يدخل في خانة الاستهلاك المباشر بحسب المفهوم الدعائيّ المجرّد، أي أنّه لا يروّج لمنتج معين. إلّ أنه نشاط تسويقي يروج لفكرة مرتبطة بالعلامة التجارية الكبرى وما تنسب لنفسها من قيم. وهو ما يهدف عادة إلى شخصنة العلامة في أذهان المستهلكين، كي يميلوا إلى اختيارها وتفضيلها لاحقاً. أما عن مقياس نجاح هذه الحملات، فهو تردد اسم العلامة عند الجمهور، وذلك ما حققته الشركة فعلاً من خلال الجدل الدائر حول حملتها. في سجل زين الرمضاني مجموعة من الحملات المشابهة، فقد أنتجت إعلانًا في رمضان الماضي بعنوان "السلام عليكم"، تأدية المغنّي سعد لمجرّد، الذي شارك في 2016 في سباق "جائزة الفانوس" The Lantern Award التي تمنحها يوتيوب. وقد لمّح الإعلان في بدايته لفكرة الحرب والإرهاب، إلّا أنّ رسالته لم تكن مباشرة مثل هذا العام. &feature=youtu.be أما في 2015، فقد وجهت زين إعلانها الرمضاني إلى اللاجئين في أغنية مشتركة بين مجموعة من الفنّانين العرب منهم كارول سماحة ونوال الكويتية وأسماء المنور. صوّر فيديو الإعلان في مخيم لجوء، وتخلّله ظهور لعلا الفارس، سفيرة العلامة، التي ختمت الفيديو بالقول: "في زين، نصوم عن السعادة حتّى تفطِر (أي اللاجئ)". "زين.. عالم جميل"، هو الشعار الذي تتبناه مجموعة الاتصالات الضخمة، وكثيراً ما تذيل حملاتها الإعلانية به. لكن "زين" هذا العام تغامر باختياراتها الرمضانية في حقل ألغام سياسي وتجاري. وأمام هذه الضجة الإعلامية، لا يبقى لعمران إلا الصمت، لأن العالم ليس جميلاً.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين