شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
رواية

رواية "جنوب جدة... شرق الموسّم": التاريخ يتكرر والحرب تجتر نفسها

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 30 مايو 201705:30 م
يؤرخ الكاتب السعودي "عمرو العامري" في روايته الأخيرة "جنوب جدة... شرق الموسّم" للتحولات التي طرأت على القرى السعودية بعد هجرة شبابها إلى المدن للعمل فيها، وكيف انعكس ذلك على اختلاف القيم والعادات التي كانت سائدة. كما يؤرخ للتطورات العمرانية والاقتصادية في مدينة "جدة"، وكيف صارت ما هي عليه اليوم. يتتبع "محسن"، راوي الحكاية، تلك التغيّرات على خلفية سرده لحياة خاله "حسين"، إذ يعود بالزمن خمسين عاماً إلى الوراء ليحكي عن قصةٍ ربما تتشابه مع غيرها من القصص، هي قصة حب كلّفت صاحبها أن يعيش في شتات طوال عمره، إذ يغادر القرية متجهاً إلى مدينة جدة بعد أن رفض والده تزويجه من الفتاة التي يحبها زاعماً أن العادات والتقاليد تنصّ على أن يتزوج من ابنة عمه لا من غيرها. "إلى هناك أعود الآن بالطبع، لا لأقيم ولكن لأصطحب معي خالي حسين في رحلته وعشقه وحزنه، وهو يسافر غاضباً من كل شيء، مخلفاً ومتخلياً عن كل شيء، كان يدافع عن قضيته الأولى في زمن لم تكن فيه الكثير من القضايا التي تشغلنا كما هي الآن، كانت قضيته الأولى والوحيدة هي قضية قلبه، وكان قد خسرها بضربة عناد وخيانة من آخرين، وبضربة عناد منه هو أيضاً دمر كل شيء ومضى". ترصد الرواية التحولات التي طرأت على القرى السعودية بسبب زحف التقدم والتكنولوجيا إليها، وبخاصة بعد أن أفل نجم الزراعة وتخلى عنها أهلها، وبدأت تتغيّر القيم التي كان الناس يحافظون عليها جيلاً بعد جيل. فبعد أن كانت الوجاهة تقاس بما يمتلكه الشخص من أراضٍ، صارت تقاس بالشهادات العلمية أو الرتبة العسكرية أو الوظيفة التي يشغلها الفرد، وتبع ذلك تغيّرات عميقة في شخصية الأفراد أنفسهم. كما ترصد الرواية كيف نشأت وتطورت المدينة التي تعتبر العاصمة الاقتصادية والسياحية للسعودية "جدة". كانت جدة كغيرها من المدن والمناطق لكن الاستثمارات وحركة العمران والشركات التي بدأت تظهر فيها جعلت منها مقصداً للشباب الطامحين بتغيير ظروف حياتهم، فبدؤوا يهجرون قراهم ويذهبون إليها، ما ساهم في توسعها.
إذا أردتم التعرف على مدينة جدة وكيف تغيرت خلال 50 عاماً، عليكم برواية "جنوب جدة... شرق الموسّم"
عالم "المخاضرة" في السعودية، أجواء حياتهم، طقوس الاحتفالات لديهم، وسهراتهم العامرة بالغناء والرقص واللهو
وبسبب استقبالها لمختلف الناس القادمين إليها، كانت جدة منذ بداياتها مدينةً للجميع بكل تنوّعاتهم، "رغم توسع جدة الكبير وتزايد الوافدين من كل القرى ومن أصقاع الأرض، إلا أنها بقيت محتفظة بتسامحها وتنوّعها واحتوائها كل القادمين إليها، والتمسك بتراث الفرح رغم غزو الصحراء لها، ورغم اختطاف بحرها، ورغم التهدم الذي كان يطال قلبها القديم". يسلط الكاتب الضوء في فصول الرواية على "المخاضرة" وهم فئة من الناس يغادرون قراهم أيام الحصاد بحثاً عن الرزق، وبعضهم له مستقر يعود إليه وبعضهم جوالون، وهم أشبه بالغجر أو النور في بلاد أخرى. يصوّر أجواء حياتهم، وطقوس الاحتفالات لديهم، وبخاصة سهراتهم العامرة بالغناء والرقص واللهو، كما يصوّر معاناتهم وآلامهم، وذلك كله يرويه من خلال تقاطع حيواتهم مع حيوات شخصيات الرواية الأساسية التي تعيش في القاسمية، القرية التي تستقبلهم كل سنة في الوقت نفسه، فتنشأ بين سكانها وبينهم علاقات صداقة ومودة وربما زواج. الرواية التي تتخذ من خمسين عاماً فضاءً زمنياً تتحرك فيه، تشير في بداياتها إلى الحرب مع الجارة الحدودية "اليمن"، التي كانوا يسمعون أخبارها عبر إذاعة الراديو، وتشير في نهاياتها إلى تجدد الحرب مع هذه الجارة نفسها (الحرب السعودية اليمنية الأخيرة)، وكأن كل تلك السنوات لم تكن إلا مجرد هدنة، بل كأن التاريخ يكرر نفسه والحرب تجتر نفسها، في عالمٍ كل شيء فيه يتغير ويتقدم إلا وحشية الحرب وعنفها. "الأسماء والمدن والقرى التي كنا نسمعها عبر إذاعة الراديو القديم عدنا لنسمعها بعد خمسين عاماً، وعدنا نسمع الطوال والموسم وحرض وعدن وصنعاء، ونسمع مفردات قصف وقنابل وقتل وحرب وموت وتهجير ونازحون وهاربون، فهل أجلنا حسم كل شيء في حينه خمسين عاماً، وكل ذلك البون من الزمن لم يكن أكثر من مجرد هدنة متحاربين؟ فاصل زمني كومضة حلم تبخر وعاد الجانبان للاحتراب". عمرو العامري، كاتب وروائي سعودي. عمل ضابطاً بحرياً، وتقاعد مبكراً برتبة عميد، استفاد من تلك التجربة فكتب كتابه "مذكرات ضابط سعودي". صدر له في القصة: "رغبات مؤجلة"، و"طائر الليل". وتعتبر رواية "جنوب جدة... شرق الموسّم" روايته الثانية، فقد سبقها رواية "تذاكر العودة". الناشر: دار الساقي/ بيروت عدد الصفحات: 160 الطبعة الأولى: 2017 يمكن شراء الرواية من موقع نيل وفرات.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image