لما كان للعرب اعتقاد راسخ بأن "هم البنات للممات وزواجهن سترة"، اعتبروا الزواج المبكر "فضيلة" وميزة بل سعوا للبحث عن الخُطَّاب وقالوا "اخطب لبنتك".
وقد كان في كل منطقة عربية طقوس وعادات وأفكار قديمة مرتبطة بالرغبة في سرعة تزويج الفتاة، وقد استطاعت بعض هذه العادات الغريبة أن تستمر حتى يومنا الحالي، ليمارسها السكان وكلهم ثقة بأنها ستجلب الزوج للفتاة بسرعة.
لكن لم الرغبة بإسراع زواج الفتاة؟
يقول الشاعر والخبير بالتراث الشعبي المصري، حامد أنور أن هناك العديد من الأسباب التي رسخت منذ القدم لظاهرة الزواج المبكر. لعل أهمها الرواسب الثقافية السلبية التي تجعل من الزواج المصير الأوحد المقبول للفتاة، وأن بقائها دون ارتباط يصمها بالعنوسة، وهي صفة يذمها المجتمع، بل ويطال أسرتها بالاتهام ويهدد شرفها وسمعتها. ويستطرد: "الوضع الاقتصادي الصعب يدفع الآباء لفكرة التخلص من وجود الفتاة حتى يتفرغوا لتربية بقية الإخوة، ولتخفيف العبء المادي، وحتى يحمل آخر – الزوج – مسؤوليتها، ففي يقينهم أن البنت مصيرها للزواج ونسلها يكون للغير".الشموع والأحجبة والنذور في مصر
وعن طقوس الإسراع بالزواج في مصر يوضح أنور: "يقول المثل المصري اقرصيها في ركبتها تحصليها في جمعتها، أي أن قرص العروس في الساق من دواعي التفاؤل بسرعة الزواج، كما أن الحصول على إحدى قطع الملابس القديمة للعروس من أوجه البشارة كذلك". في بعض الأحيان لا يكتفي البعض بتلك البشائر البسيطة بل يبذل مزيداً من الجهد لسرعة الزواج، فنجد الفتاة تذهب إلى الأضرحة أو الكنائس وتشعل شمعتين واحدة لها والأخرى للعريس المنتظر. فإذا كانت ترغب في شخص معين تسميها باسمه وإذا لم يوجد شخص بعينه تشعلها أملاً في سرعة حدوث الزواج، يقول أنور. ويضيف أن زيارة الأضرحة واللجوء للمشايخ وعمل الأحجبة ونذر النذور من الطقوس التي تلجأ لها الكثيرات حتى الآن في حال تأخر زواجها. وربما لا يكون هناك تأخيراً بالمعنى المفهوم لكن لكل مجتمع نطاقه عمري الذي يعد تخطيه "عنوسة"، وقلة من الشباب يعتمد نفس الطرق في حال تكرار رفض عرضه للزواج من عدة فتيات.عقيدة وليس ظاهرة
يوضح حمد شعيب، الخبير بالتراث البدوي، أن لزواج المبكر ليس مجرد ظاهرة داخل مجتمع البادية بل هو قاعدة أساسية وعقيدة متبعة. "الفتاة إذا بلغت العشرين فقط تعد عانساً، وفي هذه الحالة ليس أمامها سوى القبول بأول شخص يتقدم لها وغالباً ما يكون أرملاً أو مطلقاً"، يضيف شعيب لرصيف22. برأيه، تتخلى الكثير من الفتيات عن التعليم الجامعي ويكتفين بمؤهل متوسط خشية الوقوع في فخ العنوسة، وإلا فالزواج من وافد غريب هو أمل الطبيبات والمهندسات من فتيات منطقة الواحات مثلاً في صحراء مصر الغربية. ويشير إلى أن الطقس الوحيد المتبع للإسراع بالزواج تقوم فيه الأمهات بتزيين فتياتهن بالحناء في المناسبات والأفراح وتسعى لعقد اتفاقات نسائية للزواج من أحد المعجبين."اقرصي العروس في ركبتها تحصليها في جمعتها" عن بعض نصائح العالم العربي للقضاء على العزوبية بسرعة
الممارسات والعادات التي يتبعها العرب للعثور على زوج للفتاة بأسرع وقت ممكن
اليمن والتصاق الساقين
تقول هيفاء طاهر، الباحثة بعلم الاجتماع بجامعة صنعاء، أن على من ترغب بالزواج سريعاً في اليمن أن تطلب من العروس قرصها، لا يهم أين: في يدها، أو رقبتها، أو خدها. ويمكنها أن تلصق ساقها بساق العروس أيضاً. "أتذكر صديقاتي في أثناء زفافي كيف كن يتسابقن من أجل أن أقرصهن، وحتى الآن لم تتزوج منهن واحدة غير أن الطقس سارٍ بقوة وهن مقتنعات به"، تقول لرصيف22.تنوع الممارسات بتونس
في تونس تتعدد المعتقدات بهذا الشأن، فتؤكد جميلة بن عون، أستاذة علم الاجتماع، أن ارتداء "الحجبة" أي آخر لباس ارتدته العروس قبل فستان الزفاف هو من الأمور التي تحرص عليها الفتيات لضمان سرعة الزواج. غالباً ما تقدم "الحجبة" هدية من العروس لإحدى المقربات لها التي تأخر زواجها، كما يمكن أن توزع ملابسها القديمة على من يرغبن بالزواج من صديقاتها كفأل خير، تقول بن عون. وتتابع: تناول المياه من كف العروس أحد المعتقدات المنتشرة أو حتى تناول الماء بعدها من نفس الكوب ومن نفس الموضع، كما أن السير خلف العروس مباشرةً في الزفاف أحد الطقوس المتبعة، حتى أن العروس تجر أقدامها حتى تمنح البنات فرصة لتتبعها واللحاق بها في دنيا الزواج. "في بعض مناطق تونس، تتجمع الصديقات وبنات العائلة غير المتزوجات في منزل العروس في اليوم السابع للعرس، ويلقى السعف أو أوراق النخيل ويرش العريس الماء عليه ومن تجمع أكبر قدر من السعف تستبشر بزواج قريب، تردف بن عون.الجزائر طقوس قديمة وحديثة
لا يختلف الأمر كثيراً بالجزائر، فيؤكد توفيق ومان، رئيس الجمعية الجزائرية للأدب الشعبي ورئيس الرابطة المغاربية للتراث الشعبي، أن الفتيات الراغبات في الزواج يذهبن معاً إلى أضرحة الأولياء الصالحين ومعهن الشموع والبخور، كما أنه في ليلة الحناء التي تسبق الزفاف، تقوم العروس بتوزيع الحناء على الفتيات حتى يلحقن بها. ويتحدث ومان عن طقس حديث يتم اتباعه في السنوات الأخيرة، وهو أن تقوم العروس بإطعام أحب صديقاتها أو أختها من نفس قطعة التورتة التي تناولتها هي والعريس، حتى يكون فأل خير وتكون أول من يلحق بها بالزواج من بين الفتيات.الشباب أيضاً
وللشباب جانب كذلك من الطقوس المتبعة في عدد من الدول العربية. ففي الجزائر، في ليلة الحناء تحديداً، يقوم أصدقاء العريس بوضع الحناء في كف يده وإصبعه الأصغر ويحذون حذوه للحاق به. كما أنهم يتمسحون به بوضع طرف "البرنوس"، أي المعطف الجزائري، على أكتافهم لنيل البركة والفأل الحسن منه بسرعة الزواج، ولا يمنع الأمر من بعض القرص كذلك، بحسب ومان. أما في اليمن، ففي قرية الوطاة في محافظة إب، يوجد حجر أعلى جبل يسمى حجر الزواجة، من يصيبه من الرمية الأولى من الشباب يبارك له على الزواج بلا شك، والكلام لطاهر.طقوس عالمية
بقي أن نوضح، للأمانة، أن العرب ليسوا وحدهم من يمارس مثل تلك الطقوس التي يخرج بعضها عن إطار العقل. ففي أوروبا وتحديداً فرنسا في القرن الرابع عشر، كان هناك اعتقاد بأن الحصول على جزء من ثوب العروس مبعث خير ويجلب سرعة الزواج، فكان الضيوف ينقضون عليها ويمزقون قطعاً من ثوبها. وكانت بعض الفتيات تلجأ لحيلة ربط أجزاء من الثوب على قدمها لإلقائها على الحضور ليبتعدوا عن ثوبها، كما لجأت أخريات لباقة من الورود تلهيهم عنها قبل أن تجري هرباً خوفاً من التعري، ومن هنا جاء طقس إلقاء العروس لباقة الورد (البوكيه) الذي أصبح منتشراً في مختلف دول العالم. وفي تركيا، وحتى الآن، تكتب العروس أسماء صديقاتها أسفل نعل حذائها، والتي يُمحى اسمها أولاً تكون الأوفر حظاً بسرعة الزواج.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...