"الخصام والعار والتمرد على طاعة الأهل"، أمور قد تخطر في بالكم حين تسمعون عبارة "تزوجنا خطيفة". لكن هل من الممكن أن يخطر ببالكم أن الخطيفة تمت لأسباب مادية، وبموافقة الأهل وتعاونهم؟ كيف تطوّر مفهوم زواج الخطيفة والنظرة الاجتماعية له عبر التاريخ؟ إليكم حكايات الاقتران غير التقليدي.
مرح، شابة سورية من قرية طوران، ارتدت ثوباً أبيض لتتزوج، ولكن من دون حفل، فقررت مع خطيبها باسل الزواج على طريقة الخطيفة.
هذا القرار، وإن لم يكن سهلاً على مرح التي لطالما حلمت بحفل زفاف كبير، يبقى أفضل من الانتظار لسنوات دون زواج. فالظروف المادية والاقتصادية الصعبة للشباب السوريين تطرد فكرة الزواج من أذهانهم. وللتخلص من التقاليد الفلكلورية المكلفة، التجأ الكثير منهم إلى زواج الخطيفة.
الخطيفة هنا تتم بموافقة الأهل وتحت إشرافهم، وإن كانوا يدّعون عدم موافقتهم على الزواج والقطيعة مع الفتاة، لتخفيف الأعباء على الشاب، والتملص من كلام الناس الذين قد يصفونهم بالبخل.
لكن باسل يفضل أن يصفه أهل القرية بالبخل، على أن يستدين ليقيم حفل زفاف يعجب الأقارب والأصدقاء. يقول: "تقع على عاتق العريس مسؤوليات مادية كبيرة ونفقات باهظة، لذلك فضلت الزواج على طريقة الخطيفة لأوفر نقود الزفاف في تأمين المنزل والأثاث، شرحت وضعي المادي لأهل مرح، ولم يعارضوا الزواج بدون طنة ورنة، نحن متفاهمان وهذا يكفي. لسنا بحاجة لإرضاء الناس".
الخطيفة للتمرد على الأهل
يلجأ الكثير من الشباب إلى الخطيفة في الزواج، نظراً لمعارضة الأهل ورفضهم الارتباط، نتيجة لاختلافات بين الشاب والفتاة اجتماعياً أو دينياً أو مذهبياً، ويكون الحل الوحيد الهرب والزواج بعيداً، ما يعرضهما لغضب الأهل والمجتمع وانتقامهم.
رامي من مدينة السلمية في ريف حماه، لم يختر خطف زوجته والهرب معها لو لم يعارض الأهل الزواج لأنها من طائفة مختلفة عن طائفته. يقول: "هربنا من أعرافنا وتقاليدنا التي تحتم علينا الزواج من الطائفة نفسها، فأنا من الطائفة الإسماعيلية وزوجتي من الطائفة السنّية، تزوجت دون موافقة الأهل وسكنا في دمشق، لم يكن القرار سهلاً علينا ولكنه الحل الوحيد".
"نجسة" ويجب تطهيرها بالزواج
يعتبر زواج الخطيفة شكلاً من أشكال إكراه الفتاة على الزواج في مناطق أخرى. فتقع الفتاة ضحية رغبات الرجال واستغلالهم للعادات والتقاليد البالية، التي تجرم الفتاة المخطوفة وتقدمها هدية للخاطف.
تعتبر الفتاة حال خطفها "نجسة"، يجب تطهيرها بزواجها ممن خطفها كي تغسل عارها، وتسقط الإثم عن عائلتها. زواج غير مقبول شرعاً ولا قانوناً، ولكنه قائم وفقاً للأعراف والتقاليد، التي تجبر الفتاة على الزواج من الخاطف دون موافقتها ولا موافقة أهلها.
تكثر هذه العادة في بعض القرى السورية المنتشرة على الشريط الحدودي مع تركيا، وقد يكون لانتشارها هناك دور في وصولها إلى تلك القرى. فيكفي أن يعجب الشاب أو الرجل بالفتاة، ليتخذ الخطيفة الطريقة الأسرع والأسهل لإجبار أهلها على القبول به. وبعد دفع ديتها، تصبح الفتاة التي لم تتعدَّ غالباً السادسة عشرة زوجة لرجل قد يكبرها بثلاثين عاماً.
حدث ذلك مع ليلى (14 عاماً)، التي أعجب بها صديق والدها، وهو رجل خمسيني متزوج من ثلاث نساء، أراد الزواج بها، ومع رفض والدها تزويجها، اختطفها لأسبوعين، وبالاتفاق مع وجهاء القرية، تم قبول مبلغ الدية وعُقِد قرانها عند الشيخ كونها لم تتم السن القانونية للزواج.
تقليد شركسي
زواج الخطيفة، وإن تعددت أسبابه وأشكاله، يعتبر تقليداً قديماً من تقاليد الشركس، الذين هاجروا إلى بلاد الشام. ولد كتحدٍّ لتقاليد شركسية أخرى، منها التقاليد التي تحرم الشاب أو الفتاة من الزواج في حال وجود إخوة أكبر سناً لم يتزوجوا بعد، والتي تستبعد فكرة الزواج من طبقة اجتماعية مختلفة، وتقاليد أخرى عديدة، تمرد عليها الشباب بزواج الخطيفة.
أصبح هذا الأمر في ما بعد جزءاً من التراث الشركسي، يعتز به الشباب ويسعون لإحيائه، فالكثير منهم يفضل الزواج على طريقة الخطيفة، اختصاراً للوقت والتكاليف وإحياءً للتقليد الشعبي.
وعن العادات المتبعة في زواج الخطيفة عند الشركس تقول سينا متوخ: "حين تقرر الفتاة الزواج خطيفة، تخبر إحدى صديقاتها أنها ستخطف للشاب الفلاني وتتفق مع الشاب على اللقاء بمكان محدد ولا تأخذ معها إلا صرة ملابس من منزل أهلها. بعدها يأخذ الشاب الفتاة أمانةً لمنزل إحدى قريباته ليتم الزواج، ثم يتولى الشاب إخبار أهل الفتاة أنه خطف ابنتهم. وبعد المداولات، يتم الاتفاق بين أقارب الشاب وأهل الفتاة على تفاصيل الزواج. وتسأل الفتاة عن موافقتها على الزواج بالشاب دون إكراه من قبل إحدى قريباته، فإن وافقت يتم عقد القران وتخرج العروس من المنزل الذي التجأت إليه بدلاً من خروجها من منزل أهلها، ويتكفل أهل هذا البيت بمصاريف العروس من ثوب الزفاف وغيره، أما أهل الفتاة فيمنعون من حضور الزفاف حتى لو كانت الخطيفة مفتعلة وجرى الزواج برضاهم، وبعد انتهاء مراسم الزفاف تعود الفتاة إلى منزل أهلها مع زوجها الذي بات صهراً مكرماً للعائلة".
ما موقف الدين؟
يوضح الشيخ محمد هلال خريج كلية الشريعة الإسلامية من جامعة دمشق، أن الزواج يعتبر صحيحاً وفقاً للشريعة الإسلامية حال موافقة الفتاة عليه وموافقة ولي أمرها، وحضور الشهود والصداق أي المهر. لذا، زواج الخطيفة الذي يتم سراً بدون إشهار وبدون موافقة ولي الأمر، يعتبر زواجاً باطلاً شرعاً. وهو في هذه الحال أشبه بالزواج العرفي المنتشر في بعض البلاد العربية.
ويشرح الشيخ محمد أن الضرر الذي يلحق بالمرأة بسبب هذا الزواج كبير، فمع غياب موافقة الأهل وعدم إشهار الزواج، قد يتنكر الزوج لزوجته وأطفاله في وقت لاحق، وقد يتركها دون معيل ويهاجر أو يسافر، حينذاك لن تتمكن الزوجة من إثبات العلاقة الزوجية، ولا نسب الأطفال في ما بعد.
رومولوس أول من شرع خطف الفتيات
يلفت أستاذ التاريخ من مدينة حلب رامي علوان إلى أن ظاهرة اختطاف الفتيات دخيلة على المجتمعات العربية. وهي تعود تاريخياً للعصر الروماني.
وفقاً للأسطورة التاريخية، فإن رومولوس عندما شيد مدينة روما عام 753 قبل الميلاد، وضع خطة لزيادة عدد سكان المدينة وتوسعها، وضم أراضٍ أخرى إليها، لكن طموحاته قوبلت بخطر داهم، هو نقص النساء في المدينة.
أشار رومولوس إلى مجلس الشيوخ بإرسال سفارة إلى القبائل المجاورة لطلب الزواج منهم، لكنهم رفضوا ذلك الطلب وسخروا من رومولوس، الذي وجد بدهائه الحل لذلك، فدعاهم إلى حضور أحد المهرجانات الرياضية التى يقيمها الرومان، وجاءت الاستجابة من الشعب السابيني، أحد الشعوب المجاورة لمدينة روما. و
أثناء متابعة رجال السابيني للعروض وانشغالهم، قام الشباب الرومان باختطاف فتياتهم بقوة السلاح، فلاذ الرجال، الذين كانوا غير مسلحين، بالفرار، وعادوا لبلادهم. فتحولت النساء السابينات إلى زوجات وأمهات رومانيات.
أسطورة اختطاف أوروبا
ويشير علوان إلى أن أصل القصة قد يعود للعصر اليوناني، حين اختطف الإله زيوس الأميرة الفينيقية أوروبا، بعدما وقع في حبها، وفقاً للأسطورة اليونانية. فأوروبا الأميرة الفينيقية فائقة الجمال، تتمشى على شاطىء مدينة صور برفقة عدد من وصيفاتها عندما شاهدها زيوس، كبير آلهة اليونان، وانبهر من جمالها، فتحوّل إلى ثور ضخم لافت للانتباه. أعجب الثور أوروبا، فاقتربت منه وصعدت على ظهره. فاغتنم زيوس الفرصة مباشرة كي يختطفها وتوجه بها نحو البحر.
وعلى الرغم من صرخات أوروبا، التي تمسكت بقرنيه بشدة، خرق الثور الأمواج وابتعد عن الشاطئ، وعبر بها المياه وأكمل طريقه حتى جزيرة كريت في اليونان، وهناك بقيت أوروبا في الأسر وأنجبت لزيوس عدداً من الأولاد.
سواء أكان أصل القصة يونانياً أو رومانياً، تبقى عادة قديمة لكنها لم تزل منتشرة إلى اليوم في العديد من بقاع الأرض، وإن كانت حلاً للشباب في بعض الأحيان، فهي تحمل الكثير من الظلم للمرأة في أحيان أخرى.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...