"نعرف جميعاً أن الفن ليس الحقيقة، بل كذبة تجعلنا ندرك الحقيقة"، بابلو بيكاسو.
من هذا المنطلق، استغلت النظم السياسية السينما أيما استغلال، واستطاع كل نظام سياسي جديد التمهيد لفكره وأهدافه عن طريق السينما، بطرح أفلام تتناول إيجابيات النظام وتبرز سلبيات ومساوىء النظام الذي سبقه.
فليسقط الحكم الملكي
في 23 يوليو عام 1952، أطلقت مجموعة من الضباط على أنفسهم تنظيم الضباط الأحرار، لإنهاء الحكم الملكي في مصر. التحرك الذي أتى بثماره في طرد الملك فاروق، تحول عقب ذلك بمباركة الشعب إلى ثورة 23 يوليو. وتعد فترة ما بعد ثورة يوليو التحول الأكبر في تاريخ السينما، فتحولت إلى آلة دعائية كبيرة للترويج ضد النظام الملكي، وإبراز الجوانب السلبية لهذه الفترة، في مقابل تحقيق حلم الثورة وأهدافها. وأبدعت السينما المصرية عقب ثورة يوليو بمجموعة من الروائع، التي تحدثت عن إرهاصاتها، لعل أبرزها فيلم "رد قلبي"، الذي تحول بمرور الأيام إلى وثيقة عن ثورة 23 يوليو، وأفضل الأفلام التي تناولت فساد الحكم الملكي، الذي كان سبباً قوياً لقيام الثورة بقيادة الضباط الأحرار. كما تم الترويج لأهداف الثورة، وتمهيد المجتمع للمرحلة الجديدة بمجموعة من الأفلام، منها: "القاهرة 30"، "الأيدي الناعمة"، "شروق وغروب"، "الأرض". وأفلام مناهضة للاحتلال الإنجليزي، مثل "في بيتنا رجل"، و"لا وقت للحب". فضلاً عن سلاسل أفلام إسماعيل ياسين في الجيش، وفي البحرية، وفي الطيران. ويذكر أن جمال عبد الناصر بعد العدوان الثلاثي، طلب من الفنان فريد شوقي عمل فيلم عن العدوان. فأنتج فيلم "بورسعيد"، الذي يرصد مسألة المدينة ضد العدوان الثلاثي عليها.المجد للسادات
عقب تسلم الرئيس السادات مقاليد الحكم، بدأت مرحلة مجتمعية جديدة، تطلبت معها مرحلة فنية، تواكب أحداث الفترة، التي كان أبرزها حرب أكتوبر المجيدة، والانفتاح الاقتصادي وظهور الجماعات الإسلامية المتطرفة. وكالعادة استطاع النظام السياسي استخدام السينما في الترويج لأفكاره، بمجموعة من الأفلام التي تناولت أحداث المرحلة، ومنها "نصر أكتوبر"، الذي تم رصده بمجموعة من روائع السينما، أبرزها "الرصاصة لا تزال فى جيبي"، "العمر لحظة"، "أبناء الصمت" وغيرها من الأفلام. كما كان للانفتاح الاقتصادي مجموعة من الأفلام التي هيّأت المجتمع لتلك الفترة، بسلبياتها وإيجابياتها، كان أبرزها فيلم "أهل القمة". تم الترويج لعصر السادات وإيجابياته والحرية التي أتاحها، عن طريق صناعة أفلام ترصد الاستبداد الأمني والسياسي في عصر سلفه عبد الناصر. وكان من أشهر أفلام السادات، فيلم "الكرنك" عام 1975 من إخراج علي بدرخان، وبطولة نور الشريف، الذي على الرغم من ناصريته، قام ببطولة الفيلم. الفيلم ناقش عيوب المرحلة الناصرية، وازدراء الحكم البوليسي، الذي سيطر في ذلك الوقت والسبب في ذلك وعيه بأن لكل مرحلة عيوبها. وفي تصريح له في أحد البرامج التلفزيونية. قال: "أنا ضد أي حكم بوليسي، ولو كنت أعلم أن عبد الناصر يعلم ما يدور بالمعتقلات لما كنت ناصرياً"، ولكنه واثق بنسبة كبيرة أنه كان لا يعلم. "فيلم سواق الأوتوبيس" أيضاَ من أقوى الأفلام التي روجت لعصر السادات والحريات المتاحة، عن طريق رصد التضييق الأمني والسياسي في عصر عبد الناصر.مبارك يركب الموجة على ظهر السادات
مع بداية الثمانينات اغتيل الرئيس السادات، وتسلم الرئيس مبارك مقاليد الحكم. وبدأت مرحلة جديدة، واكبتها مجموعة من الأفلام التي هيّأت المجتمع للحقبة الجديدة، التي استمرت 30 عاماً، أفرزت خلالها السينما أفلاماً تناولت أبرز أحداثها منها "الإرهاب" و"الإرهاب والكباب"، الذي ظهر فى التسعينات، بجانب أفلام الجاسوسية التي أعقبت تحرير طابا، ومنها " فتاة من إسرائيل"، " بئر الخيانة"، "إعدام ميت"، وأفلام الدجل والشعوذة التي اشتهرت بها تلك الحقبة، فضلاً عن الأفلام التي واجهت توحش الجماعات الإسلامية، ومنها "طيور الظلام". وكعادة النظم السياسية الجديدة، روج نظام مبارك لأفكاره بمجموعة من الأفلام التي تناولت مساوئ وسلبيات عصر السادات. كان أبرز هذه الأفلام "المواطن المصري"، الذي صدر عام 1991، وحاول الإجابة على تساؤلات حول حرب أكتوبر، منها: لمن يُنسب النصر في هذه الحرب؟ من جنى أرباح ذلك النصر؟ وغيرهما الكثير من الأسئلة التي شرع في الإجابة عنها الروائي يوسف القعيد، بمشاركة السيناريست محسن زايد، فقدما إلى الجمهور عملاً بديعاً أصبح علامةً مهمةً في تاريخ السينما المصرية. وهناك أيضاً فيلم "سواق الأوتوبيس"، الذي عرض عام 1982، واختير لقائمة أفضل مئة فيلم قدمتها السينما المصرية. ويعد من أهم الأفلام التي تناولت ظاهرة الانفتاح الاقتصادي في عصر السادات، إذ يرصد التشوه الاجتماعي الناجم عن هذا الانفتاح، والضغوط الاجتماعية التي تواجه الكادحين. المثير في عصر مبارك، ظهور أفلام انتقدت سلبيات حكمه بقوة، كان أبرزها "ضد الحكومة"، الذي قدمه الراحل أحمد زكي، ويرصد مدى تفشي الفساد وغياب العدالة والحقوق في عصر مبارك. كما تنبأ المخرج يوسف شاهين بمولد ثورة على الأوضاع المتردية من فقر وجهل وظلم اجتماعي فى عصر مبارك. فقدم مجموعة من الأفلام القوية، أبرزها "هي فوضى"، الذي تناول فساد السلطة، ممثلاً في فساد أمين شرطة قام بتجسيده ببراعة الراحل خالد صالح.الثورة تلهم والسيسي ينتج
مع بداية عام 2011، وتحديداً 25 يناير حدث ما تنبأ به المخرج الكبير، وقام الشعب المصري بثورة عظيمة أجبرت الرئيس مبارك على التنحي عن الحكم. حينها تحدث صنّاع السينما عن أفلام ترصد أحداث الثورة وتمهد للمستقبل الذي يجب أن تكون عليه مصر من حرية وعدالة اجتماعية، عقب ثورة قضت على الطغيان والفساد. وبدأ صناع السينما في التجهيز لمجموعة من الأفلام التى ترصد الثورة المصرية، خصوصاً الأيام ال18 الأولى من أحداثها. وكعادة أي مرحلة جديدة، أفرزت السينما مجموعة من الروائع الفنية. التي تهيىء المجتمع للمرحلة الجديدة، فضلاَ عن رصد سلبيات عصر مبارك، فظهر لنا "فبراير الأسود"، "حظ سعيد"، "صرخة نملة"، "الشتا اللي فات"، "بعد الموقعة"، "بعد الطوفان"، "18 يوم"، "نوارة". كانت الثورة مصدر الإلهام والمحرك الرئيس للفنانين والكتاب حينذاك، حتى أن المخرجة هالة خليل قالت في كلمتها التي تلت العرض العالمي الأول لفيلمها "نوارة"، ضمن فعاليات مهرجان دبي السينمائي الدولي الثاني عشر، إنها كانت تقول باستمرار إنه من المبكر جداًً صناعة فيلم عن الثورة المصرية، لكنها لم تستطع عندما أقدمت على كتابة فيلمها إلا أن يكون عن الثورة. وعقب الحراك الشعبي في 30 يونيو، وانتهاء حكم جماعة الإخوان المسلمين، استغل النظام السياسي حينها السينما في التمهيد للأوضاع الجديدة، بتقديم مجموعة من الأفلام والمسلسلات التي تناولت مساوىء عصر جماعة الإخوان المسلمين، ووصم الجماعة بالإرهابية. كان أبرزها "المشخصاتي"، و"المشخصاتي الجزء الثاني" فضلاً عن مسلسل "الجماعة" للكاتب الكبير وحيد حامد، الذي تناول نشأة الجماعة على يد مؤسسها الشيخ حسن البنا، ومن المقرر عرض الجزء الثاني من المسلسل في رمضان المقبل. يشاع في الأوساط الإعلامية أن نظام السيسي بدوره يحاول الترويج لفكره وأهدافه، باستغلال السينما التي يحاول إحكام قبضته عليها، عن طريق مجموعة من رجال أعماله، الذين أنشأوا شركات إنتاج سينمائية بدأت في صناعة أفلام تروج بشدة للنظام السياسي وأهدافه.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...