"يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا".
تحجز الآية رقم 135 من سورة النساء لنفسها مكاناً على أحد جدران كلية الحقوق في جامعة هارفرد الأمريكية إلى جانب مقولات بارزة أخرى تحث على الحكم بالعدل.
ليست الآية وحدها ما يعكس اهتمام الجامعة العريقة بالدين الإسلامي وإرثه القانوني والاجتماعي، بل قسم الشريعة الإسلامية الذي أسسته في مطلع التسعينات وتستمر في إغنائه.
منذ الخمسينيات، بحسب ما يذكر موقع الجامعة الإلكتروني، انصب الاهتمام على تعليم الشريعة الإسلامية والبحث فيها، لكن الأمر اقتصر على استضافة بعض الأساتذة الزائرين من فترة إلى أخرى للكلام في الموضوع.
وفي العام 1991، تمّ إطلاق برنامج دراسات الشريعة الإسلامية، كـ"دليل على اهتمام هارفرد المتزايد بالشريعة"، كما يشير الموقع.
ويعتبر المسؤولون أن هذا البرنامج مكرّس لتعزيز البحوث المتطورة وتوفير الوصول إلى الموارد المتعلقة بالدراسة الأكاديمية للشريعة الإسلامية، مع التركيز على الأبعاد التاريخية والقانونية والاجتماعية، كما على القانون المقارن.
في الإطار ذاته، انطلق مؤخراً المشروع الجديد لجامعة هارفرد وهدفه المعلن حدّ "الخوف من الشريعة" والمساهمة في فهمها الصحيح في الغرب، وبشكل أساسي في الولايات المتحدة، في ظلّ استفحال ظاهرة الإسلاموفوبيا.
"Sharia Source" لتبسيط الشريعة
يجري العمل على المشروع منذ سنوات طويلة، لكنه أبصر النور حالياً بينما تتعمق الحاجة إليه بحسب المسؤولين عنه، لا سيما بعد وصول ترامب إلى الرئاسة وأزمة منع السفر بالإضافة إلى أزمات الحجاب وتناول الصحافة والسينما لقضايا الإرهاب، والتي تعكس بمعظمها صورة مخيفة عن الإسلام وشريعته. ويهدف مشروع هارفرد البحثي، بحسب ما ذكرت المسؤولة عنه شارون تاي، إلى جمع أكبر قدر من المعلومات حول قوانين الشريعة الإسلامية في مكان واحد، يتحول إلى مرجع موثوق للباحثين والصحافيين وصناع السياسة، ويكون متاحاً أمام الجميع بمعلومات تبسيطية وواضحة تحت عنوان "Sharia Source". يُذكر أن فكرة المشروع تعود إلى أستاذة القانون في كلية الحقوق في الجامعة ومديرة برنامج دراسات القانون الشرعي الدكتورة انتصار رب التي قامت بطرحها على إدارة الجامعة قبل عشر سنوات تقريباً، لكن نتائجه بدأت بالظهور في السنوات القليلة الماضية. تقول تاي، في حديثها مع موقع "ميدل إيست آي"، إنه "غالباً ما يُنظر إلى القانون الإسلامي على أنه قانون مغلق ومحصن يصعب اختراقه أو الإحاطة به، أما التصور السائد عنه فأنه يفتقر للمنطق كونه قائم على الدين، لكن في الواقع هناك منطق واضح يدعمه، وقد خدم تاريخياً المجتمعات التي طُبّق فيها". هكذا يبدو عند الدخول إلى Sharia Source كيف تمّ جمع المصادر المتعلقة بالشريعة وتفنيدها في مكان واحد، إذ توجد المصادر التاريخية الأولية من القرآن والحديث وأصول الفقه والفتاوى وغيرها، إضافة إلى مصادر حديثة من قرارات إدارية واجتهادات وتشريعات وقضايا محاكم. وفي الموقع كذلك تقسيم لمختلف البلدان عملاً على إغناء المراجع حولها، إضافة إلى تفنيد مذاهب الإسلام وحقبات الخلافة المختلفة. كما يستضيف المشروع نقاشات علمية لقضايا عرضت في المحاكم، وتعاملت مباشرة مع قانون الدولة والقوانين الشرعية من العالم كله، ويدرج تعليقات الباحثين وأوراقهم ومراجعات كتب.القضاة يهملون الشريعة
تماشياً مع هدف المبادرة بتعزيز فهم واضح وتبسيطي للشريعة، يُعنى المشروع بنشر قضايا على شكل سردي، بغية "تحويل القضية إلى قصة لتوضيح معانيها، وكيف تم التعامل معها، بحيث يقلل ذلك من تعقيد هذه القضايا". وبحسب كلام تاي، معظم هذه القضايا، التي بلغ عددها 173 قضية منشورة لغاية الآن على الموقع، أهمل فيها القضاة القوانين الشرعية تماماً، علماً أن الكثير من هذه القضايا تتعامل مع مسائل تمييز وحريات دينية لسجناء تحولوا للإسلام خلال وجودهم في السجن. على سبيل المثال، كانت أول قضية نشرها المشروع قضية زوجين من باكستان كانا قد تزوجا هناك لكنهما طلبا الطلاق بعدما انتقلا لأمريكا. وعندما وقع الطلاق قال الزوج إنه ليس لها حق في الأملاك لأن ذلك لم يدرج في عقد الزواج الذي تم سابقاً، بينما قالت الزوجة إن الطلاق يجب أن يراعي القوانين الأمريكية حيث تقسم الأملاك العقارية بالتساوي. وافقت محكمة ميريلاند على مطالب الزوجة، على اعتبار أنها لن تراعي القوانين الباكستانية التي تنبثق من الشريعة، بل ستقوم بـ"تقديم المبادئ القانونية الأمريكية".قوانين أم معتقدات؟
ولأن عدد لا بأس به من الولايات الأمريكية كانت قد أصدرت قوانين تمنع استخدام القوانين الشرعية والأجنبية في محاكمها، بينما تفكر ولايات أخرى الالتحاق بها، هكذا ترى تاي وزملاؤها أن الهدف أصبح يتمثل كذلك بتبسيط القانون الشرعي بما يتيح لعامة الناس فهمه بسهولة. ينقل التقرير عن الإمام جون إدرير، الذي كان قد اعتنق الإسلام وهو في الثامنة عشر من العمر، في أوكلاهوما، قوله إن الإسلام يدعو أتباعه إلى احترام قانون الدولة التي يعيشون فيها، بحسب السورة الخامسة من القرآن التي تطلب من المسلمين أن يفوا بالعقود كلها. ويقول إدرير "إذا اخترت أن أكون مواطناً، وأحصل على "الغرين كارد" أو تأشيرة دخول، فإنه ينبغي علي أن أتبع القوانين المرعية الإجراء في ذلك البلد". ولكن الإجراء الذي فرضته أوكلاهوما في العام 2010، والذي يمنع المحاكم من أخذ القوانين الشرعية وغيرها من القوانين الأجنبية بعين الاعتبار تحت أي ظروف، تم إلغاؤه في 2013، على اعتبار أن القانون ينتهك حرية الدين التي يضمنها الدستور الأمريكي. وكان منع القوانين الأجنبية في محاكم الولايات قد أقلق كثر في المجتمع المسيحي واليهودي أيضاً. وكتبت قاضية المنطقة التي أصدرت الحكم حينها "واضح أن الهدف الأساسي من التعديل كان يقصد استهداف الشريعة ومنعها". ويتحدث المراقبون شارحين الأمر بأنه تمييز يطال الشريعة الإسلامية بشكل خاص في المعاملات القضائية، على خلاف قوانين الديانات الأخرى. ويشرح الأستاذ المساعد في التاريخ والباحث في كلية "Reed" ويل سمايلي قائلاً إن القانون الجديد الذي أقر بعدما تم إلغاء القديم في أولاهوما وغيرها من الولايات "يقيد فقط القانون الأجنبي إن كان تطبيق الأخير ينتهك حقوقاً دستورية"، معلقاً "القصد من القانون الحالي قد يكون تمييزياً وكذلك أثره السياسي". ويقول سمايلي: "لا أسمع أحداً يتحدث عن القانون المسيحي... فعندما تتعامل المحاكم مع بعض القواعد والقوانين والأخلاقيات المسيحية واليهودية، نتحدث عن معتقدات دينية وليس عن قانون". وعلى سبيل المثال ما حصل في العام 2014 في قضية بيرويل ضد "هوبي لوبي"، وفي هذه القضية التي وصلت إلى المحكمة العليا، حكم القضاة بأن سلسلة محلات "هوبي لوبي" لم يكن عليها توفير أدوية منع الحمل كجزء من الخدمات الصحية للموظفين، لأن "ذلك يتعارض مع معتقدات مالكي الشركة المسيحيين". وبحسب كريد نيوتن، كاتب التقرير في "ميدل إيست آي"، يبرز في قضية "هوبي لوبي" الفارق في الخطاب الجماهيري، فعندما يتعلق الأمر بمسيحيين، يصبح واجباً أن يستوعب القانون الأمريكي معتقداتهم الدينية، لكن هذا الفرق البسيط في التعبير (الشريعة الإسلامية) يجعل القوانين الدينية الإسلامية المتعلقة بالسلوك والأخلاقيات تبدو أقل خصوصية من تلك المتعلقة بالمسيحيين، وربما تبث الخوف في النفوس".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين