في مؤتمر دولي يضم عدداً من رؤساء الدول وكبار المسؤولين من أكثر من ستين بلداً، سيكشف الرئيس الصيني شي جين بينغ في 14 مايو الحالي، عن التصور النهائي لخطة بلاده الاقتصادية الكبرى المعروفة باسم "مبادرة الحزام والطريق".
هذه المبادرة ستغير قواعد النظام الاقتصادي العالمي بشكل جذري، إذ سيبلغ إجمالي الاستثمارات الصينية في الخارج ما بين 120 و130 مليار دولار سنوياً على مدى الأعوام الخمسة المقبلة.
بعد أن ظلت الدولة الشيوعية تثبت نفوذها الاقتصادي تدريجياً لسنوات في الكثير من بقاع الأرض مستفيدة من ظروف موضوعية ومن غرق خصمها الأمريكي في شهواته التوسعية العسكرية. يبدو أنها ستقوم بنقلة نوعية ستتزعم بها العالم من خلال السيطرة على مسالك إنتاج الثروة وتوزيعها.
في العام 2013 أطلق الرئيس الصيني خلال زيارته إلى كازخستان مبادرته "البناء المشترك للحزام الاقتصادي لطريق الحرير" المعروفة باسم "حزام واحد وطريق واحد". والتي لم تكن سوى بحث في خزائن الأجداد عن فكرة خلاقة تهدف إلى السيطرة على مسالك التجارة العالمية، من خلال إحياء طرق التجارة القديمة بين قارات العالم القديم الثلاث، آسيا، وأوروبا، وإفريقيا.
يقوم المشروع على فكرة الممرات الاقتصادية المفتوحة، وعددها وفقاً للخطة ستة ممرات تربط العالم بالإمبراطورية الصينية من خلال تشيِيد شبكات من الطرق وسكك الحديد وأنابيب النفط والغاز والموانئ وخطوط الطاقة الكهربائية والإنترنت.
وبحسب مجلة فورين بوليسي، فإن هدف الصين من المشروع الضخم هو تسهيل التجارة مع 65 بلداً تمثل 60% من سكان العالم.
فالصين، تعاني اليوم من فائض الإنتاج في الكثير من القطاعات الرئيسية من الصلب إلى الاسمنت، وهي تبحث عن أسواق جديدة للحفاظ على نمو اقتصادها، ولن يكون ذلك إلا بالمزيد من مشاريع الإنشاءات الكبرى. كما تبحث عن ممرات واضحة وثابتة للموارد الطبيعية التي تحتاجها.
وقد بدأت فعلياً في خطوات تنفيذ المبادرة، إذ أعلن جهاز التخطيط الحكومي عن أن الاستثمارات الصينية المرتبطة بمبادرة "الحزام والطريق" قد بلغت 60 مليار دولار منذ 2013. في حين بلغ حجم التجارة بين الصين والدول الواقعة على طول "الحزام والطريق" حوالي 913 مليار دولار في عام 2016 أي أكثر من ربع إجمالي قيمة التجارة الصينية.
كما استثمرت الشركات الصينية أكثر من 50 مليار دولار في الدول الواقعة على طول "الحزام والطريق" وساعدت في بناء 56 منطقة تعاون اقتصادي وتجاري في 20 من تلك الدول، ما أدى إلى تحقيق عائدات ضريبية بلغت 1.1 مليار دولار و180 ألف وظيفة محلية. وقد أعلنت الحكومة عن انضمام أكثر من 100 دولة ومنظمة دولية فعلياً للمبادرة.
السعودية والإمارات والكويت أبرز المتحمسين لمشروع الصين الجديد، الذي سيغير قواعد النظام الاقتصادي العالمي
أهمية العالم العربي
تاريخياً كانت المنطقة العربية ترتبط بعلاقات تجارية وثيقة مع الشرق الأقصى عبر طريقي الحرير البري والبحري، وكانت القوافل تأتي من هناك محملة بالبخور والعطور والنحاس. في الحاضر تعتبر المنطقة أحد الأسواق الكبيرة للبضائع الصينية، لذلك فإن جزءاً من العالم العربي سيكون ضمن المسالك والمحطات التي وضعها الصينيون في مشروعهم العملاق. فالشرق الأوسط عموماً له من الأهمية والخصوصية الكثير في السياسة الصينية. يشير عزت شحرور في دراسة نقدية له حول المشروع إلى أن "أهمية الإقليم في هذه المبادرة تكمن في اعتباره أحد أهم مصادر الطاقة بالنسبة إلى الصين، أو واحداً من الأسواق الاستهلاكية الهامة للبضائع الصينية وكذلك للاستثمارات، بالإضافة إلى موقعه الاستراتيجي كجسر على طريق المبادرة يوصلها إلى منتهاها في أوروبا". ومن ضمن الممرات المقترحة ضمن المشروع "الممر الاقتصادي بين الصين وآسيا الوسطى وغرب آسيا" الذي يربط بين الصين وآسيا الوسطى وغرب آسيا وشبه الجزيرة العربية، ويتبع مسار طريق الحرير القديم. يبدأ الممر من منطقة شينجيانغ الصينية ثم يمر على آسيا الوسطى قبل الوصول إلى الخليج العربي والبحر الأبيض المتوسط وشبه الجزيرة العربية، وهو يعبر خمسة بلدان في آسيا الوسطى، و17 بلداً في منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا بما في ذلك إيران والسعودية وتركيا والكويت وقطر والإمارات وعمان ومصر وجيبوتي.تفاعل الدول العربية
أعلنت العديد من الدول العربية عن حماسها للانضمام للمشروع خاصة في منطقة الخليج التي تبحث عن موارد جديدة من خلال تنويع الاقتصاد بعد أزمة أسعار النفط. دخلت الإمارات منذ البداية كمساهم في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، الذي يعتبر الذراع المالي للمشروع برأس مال يفوق 50 مليار دولار. أما السعودية التي وقعت مع الصين، في مارس الماضي، 21 اتفاقية ومذكرة تفاهم، تقدر قيمتها الإجمالية بحوالي 65 مليار دولار، وتشمل العديد من القطاعات، فقد أعلنت دعمها وانخراطها في المشروع، ودخلت في شراكة مع الصين في مجال تطوير البنية التحتية. فالصين تعتبر أكبر المصدريين للمملكة كما أنها تستورد نصف احتياجاتها النفطية من السعودية. وقد أعلن السفير الصيني لدى السعودية "عن إنجاز عدة مشاريع منذ ثلاث سنوات بعد طرح مبادرة الحزام والطريق، أهمها مصفاة ينبع ومصنع الإسمنت في جنوب الرياض بقيمة 9.34 مليار دولار، مضيفاً، بأن هناك تسعة مشاريع يجري العمل عليها؛ مثل محطة الكهرباء بالغاز في جازان، وإصلاح وترقية شبكة الإنترنت بقيمة 5.46 مليار دولار". الكويت هي الأخرى أعلنت أن مشاركتها في المشروع ستكون من خلال "إنشاء ميناء دولي في شمال الخليج العربي سيجعل الكويت محطة رئيسية لتوصيل البضائع والسلع من الصين وجمهوريات آسيا الوسطى إلى أوروبا ودول القرن الأفريقي وبالعكس". كما ستضع جزرها التسع في الخليج في حيز الاستغلال للاستفادة منها في المشروع. وكذلك تعتبر جيبوتي الدولة المحظوظة جغرافياً، من المستفيدين من المشروع الصيني، إذ أن موقعها بين مضيق باب المندب وقناة السويس جعلها في المسار الذي تمر منه 10% من صادرات النفط العالمية و20% من الصادرات التجارية في العالم. وقد أهلها ذلك لنيل الكثير من الاستثمارات الصينية وخاصة أنها تقع على خارطة الموانئ الكبرى التي تشملها الممرات الاقتصادية للحزام الصيني الجديد. وكانت الصين قد وقعت منذ عام 2014 اتفاقاً يقضي باستثمار 590 مليون دولار في إنشاء ميناء في جيبوتي، كما أنها عززت وجودها الاستراتيجي هناك بإنشاء قاعدة عسكرية.العقبات والنوايا
لن يكون تنفيذ الجزء المتعلق بالمنطقة العربية من مبادرة "الحزام والطريق" سهلاً. فالحروب والاضطرابات السياسية وعدم الاستقرار الأمني تشكل أكبر التحديات أمام المشروع، وعلى الرغم من أن المبادرة لا تشمل مباشرة دولاً تشقها الصراعات، إلا أن الجو العام في المنطقة يسوده الاحتقان السياسي والطائفي ومهدد من طرف الجماعات المتطرفة دينياً ما يرفع من مخاطر الاستثمار. كذلك يمكن أن تشكل الأجهزة الإدارية البيروقراطية في الدول العربية عقبة أمام المشروع، فالسياسات العامة للحكومات في المجال الاقتصادي والحوكمة والإدارة، تعتبر أكثر العوامل تعطيلاً لكل خطط التنمية والنهضة الاقتصادية في المنطقة. وتحاول الصين جذب الدول العربية لمشروعها من خلال التأكيد على أنه امتداد وتقاطع مع مشاريعها المحلية في التنمية والنهضة الاقتصادية وليس مشروعاً توسعياً تريد به الهيمنة. تشير ورقة نشرتها وكالة الأنباء الرسمية الصينية في إطار الدعاية إلى أن "المبادرة تلتقي بالرؤى التنموية التي طرحت في العديد من الدول العربية، بما فيها رؤية 2030 السعودية، ورؤية 2035 الكويتية، ورؤية الإمارات لإحياء طريق الحرير، ومشروع تطوير منطقة الدقم الاقتصادية في سلطنة عمان، ومشروع تنمية محور قناة السويس في مصر". لكن ذلك لا يمكن أن يحجب النوايا الصينية الجيوسياسية عالمياً وإقليمياً. إذ تنقل فورين بوليسي عن فرانس بول دير بوتن، خبير العلاقات الأوروبية الصينية في المعهد الهولندي للعلاقات الدولية، قوله بأن "المشروع يجمع بين الكثير من أهداف السياسة الخارجية التي تتبعها الصين، وقد يجلب الاستثمار الصيني في مشاريع الطاقة والسكك الحديدية ومرافق الموانئ في أوروبا وحول المحيط الهندي، أرباحاً جيوسياسية أكبر من العوائد الاقتصادية، ما يسمح لها بتعزيز نفوذها السياسي في آسيا وإفريقيا وأوروبا، الأمر الذي سيخفف عنها الضغوط الجيوسياسية التي تواجهها في شرق آسيا".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...