قبل شهور قليلة، انطلقت مسابقة ملكة جمال الصعيد في أسيوط. العنوان وحده كان كافياً لإثارة موجة عارمة من السخط، نسفت المسابقة من أساسها حتى قبل أن تبصر النور. لكن في مجتمع شديد المحافظة كالمجتمع الصعيدي، لا سيما في ما يخص المرأة، لم يكن مفاجئاً الرفض القاطع لكل ما يعنيه استعراض شكلها وقدراتها.
غير أن التجربة لم تتوقف هنا، فقد أصرّ البعض على استكمالها، لكن من المنيا هذه المرة، وبشكل وأسلوب مختلفين. يغيب الشكل عن أولويات المسابقة، لصالح "مضمون المرأة" التي تنافس على لقب "الملكة"، وذلك اعتماداً على أفكارها وأحلامها وقدرتها على المساهمة الاجتماعية والثقافية في المجتمع.
تستمر المسابقة برغم "الهجمات الشرسة" التي واجهتها حسب ما صرح المسؤولون عنها، لكن ما شغل المتابعين فعلاً كان مشاركة امرأة منتقبة في المنافسة، ووصولها إلى نهائيات المسابقة مع 17 مشتركة من ضمنهن العديد من المحجبات، ليتم اختيار الفائزة بينهن في العشرين من الشهر الحالي.
"منتقبة تشارك في مسابقة ملكة جمال الصعيد!"، انتشر الخبر سريعاً، فاجتمع طرفا المحافظة والانفتاح على نقده كل من جهته، الأول رأى في المشاركة مخالفة للدين وإهانة للنقاب، والثاني تخوف من التطبيع مع الأخير واعتباره أمراً عادياً لا بل التشجيع عليه. في وقت سخر البعض من الفكرة ككل.
كيف انطلقت "الملكة" وما شروطها؟
في مطلع الشهر الحالي، انطلقت المسابقة من المنيا. ولتفادي ما حصل في أسيوط، حملت عنوان Queen فقط، من دون ذكر أي تعبير يخص الجمال والشكل الخارجي. وكانت خبيرة التجميل رحاب الحسيني، والتي ترأس المسابقة، قد طرحت الفكرة على المخرج المسرحي محمد سيد والذي أعجب بها، فقاما بالتواصل مع شركات التسويق طلباً للتمويل. حرص الطرفان في البداية، كما تشير تصريحاتهما المتكررة، على تقديم الجانب الخيري والمساعدة الاجتماعية كواجهة أساسية للمسابقة، "لأن المجتمع الصعيدي لا يتقبل إقامة مسابقة خاصة بالجمال"، كما يقول "سيد". اشترط المنظمون على من تريد المشاركة في السباق أن تكون من محافظة المنيا بقراها ومراكزها المختلفة، وأن يتراوح سنها بين 18 و35 عاماً، والأهم أن يكون لديها مشروع تنموي لخدمة المجتمع الصعيدى، يُفضّل أن يكون لمساعدة المرأة الصعيدية تحديداً، مؤكدين أن آخر شرط للمسابقة هو الجمال. وعليه تقدمت 130 فتاة للاشتراك بالمسابقة، بينما اختارت لجنة التحكيم 17 منهن للفوز باللقب، سيخضعن لدورات متعددة في التنمية البشرية والأزياء والأعمال والإتيكيت وغيرها، ويتم بعد ذلك اختبارهن. ومن المقرر أن تتأهل 5 متسابقات لخوض المرحلة النهائية بالمسابقة، في حين تطرح كل فتاة مشروعها أمام لجنة التحكيم، التي تمتلك 50% من الأصوات، بينما يعطى الجمهور نسبة التصويت الأخرى. وتحظى الفائزة بجوائز معنوية، كما يتاح لها تطبيق مشروعها في المحافظة، من هنا تبدو الجائزة بادرة إيجابية في إطار تمكين المرأة في مجتمع يظلمها في مناسبات عدة، كما أن المشاركات جميعهن سيحظين بفرصة من هذا التمكين، يعول المنظمون على انعكاسها الإيجابي على محيطهن.المنقبة تسرق الأضواء
رغم تأكيد المنظمين مراراً على أن المسابقة "تهتم بالعقل والثقافة والتفكير الإبداعي والخلاق والرغبة في التنمية وتقديم صورة مشرفة عن فتيات الصعيد"، إلا أن وصول رضوى محمود، التي ترتدي النقاب، إلى المشاركة بين 17 فتاة، أثارت موجة عارمة من الجدل. كانت مصر قد شهدت سابقاً مسابقة "ملكة جمال المحجبات"، التي انطلقت لدعوة الفتيات إلى الفخر بحجابهن، وركزت على ثقافة المشاركات، بينما نالت الفائزة رحلة لأداء مراسم العمرة، وفرصة لزيارة دول العالم الإسلامي وتقديم صورة إيجابية عن الحجاب. الفكرة ليست جديدة إذاً في ما يخص الحجاب، إذ تشارك في "ملكة" المنيا العديد منهن، لكن النقاب الجديد والمربك. "منقبة! كيف ذلك؟"، "إنها تهين النقاب"، "إنها تشجع على النقاب" وما إلى ذلك من العبارات التي صاحبت الخبر. هكذا خرجت رضوى محمود لتدافع عن نفسها. في برنامج "العاشرة مساء" على قناة "دريم" لتؤكد أن "الفتاة المنتقبة هي بنت عادية لها أحلام ولها شخصية وعلى المجتمع أن يتعامل معها بشكل طبيعي، ولا ينظر إلى ماذا ترتدي". وعن انتقاد المتدينين لها قالت إنها "لم تدخل هذه المسابقة لعرض جسدها، ولكنها تقوم بعرض أفكارها"، أما على الطرف المقابل فردت أن هؤلاء يتعاملون مع عقلية لا شكل، وما سأقدمه هو الأساس. كما رفضت أن يكون النقاب عازلاً أمام ما ستقدمه، على اعتبار ما يراه الناس في النقاب أنه ستار، وقالت إن صوتها مسموع، ويوصل فكرتها التي يجب على الآخر أن يحدد موقفه منها. وعندما سُئلت عن رأيها بالهجوم الذي تشنه عليها جبهة التنوير التي ترى النقاب كخطر اجتماعي وأمني ومن جبهة المتشددين التي ترى أن النقاب لا يمكن أن يتم استعراضه، وأكدت أن الدين يدعو إلى التفكير الذي يخدم المجتمع، وهي تستعرض فكرها فحسب.النقاب و"الملكة" لا يلتقيان؟
بين الانتقادات التي طالت المشاركة المنقبة، كان استعراض فكرة النقاب وعدم تلاقيه مع فكرة التنمية في المجتمع، على اعتبار أن النقاب لا يسمح بإظهار الشخصية بشكل كاف، وبالتالي لا يمكن لها أن تكون محرك تغيير فاعل. وعاد إلى الواجهة قرار رئيس جامعة القاهرة جابر نصار مطلع الشهر عن منع التدريس بالنقاب داخل الجامعة، والذي أعقبه خفض عدد المنقبات من 108 إلى قرابة العشرين. وعزا نصار القرار إلى الجانب الأمني الذي يشغل مصر اليوم، فضلاً عن أداء المعلمين وتعزيز تواصلهم مع الطلاب. وتبقى لمسابقة "الملكة" في المنيا خصوصية معينة في التعامل مع النقاب لارتباطه بشخصية المجتمع السائدة حالياً، فضلاً عن استرضاء المعارضين وتجنب الصدام معهم، ولما تحمله الفكرة من أساسها والتي تركز على الفكر بشكل حصري، حسب منظميها.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه