"نعيش في واحد من أكثر مراحل الانفتاح الجنسي في التاريخ الإنساني. إمكانية الوصول إلى التكنولوجيات الحديثة خلال الأربعين سنة الماضية، ووسائل منع الحمل، وتطبيقات المواعدة من تندر إلى غرندر، فتحت عالماً جديداً من الاحتمالات. ومع نضوج الثورة الجنسية في السبعينات، تبدلت المعايير الاجتماعية، واتسعت دائرة قبول المثلية الجنسية، والجنس قبل الزواج، والطلاق، والعلاقات المتعددة".
تقرير مطول نشره موقع BBC Future، تحت عنوان "الأسباب المختلفة التي جعلت ممارسة الجنس أقل".
لا يدعي الباحث التعميم، على اعتبار أن العملية الجنسية شأن شخصي وحميمي بحت تحدده ظروف مختلفة، وعلى اعتبار اختلاف النظرة للجنس والتعامل معه باختلاف الثقافات والنظم الاجتماعية، لكنه يسعى لرصد مجموعة من العوامل العامة التي توضح هذه المفارقة.
يأتي ذلك، بينما تستمر الفجوة بالاتساع، إذ تتضاعف غزارة المنتجات الجنسية على أنواعها وتتزايد نسبة الإتاحة، في وقت تشير الأرقام إلى تراجع نسب الممارسة عما كانت عليه سابقاً.
فما هي الأسباب، وفق كوبلاند؟
مع ذلك، تشير الأبحاث إلى أن العالم اليوم يتجه لعلاقات جنسية أقل مقارنة بالمعدل الذي بلغته خلال العقود الماضية.
هذان المشهدان المختلفان يناقش أسباب ارتباطهما المتخصص في علوم الجنس والسياسة والثقافة سيمون كوبلاند، في الحق على "البورنو" و"التواصل"
كخلاصة أولية، يمكن لوم التكنولوجيا الحديثة، والمقصود تحديداً بالأخيرة الإباحية الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي. مع اتساع رقعة الإباحية الإلكترونية، صبّ الباحثون جهودهم للتحذير من خطر الإدمان عليها، والترويج لمصطلحات كـ"إدمان الجنس الإلكتروني" و"إدمان الإباحية" وغيرها. وفي حالة الإدمان، تجري مناقشة كيف يأخذ الأخير مكان الجنس الفعلي، حاصراً الرغبة الجنسية بغرفة النوم. كما يُتهم "البورنو" بالترويج لصورة وهمية، يرى العلماء أن مخاطرها تحفر عميقاً لتتحول إلى "أنوركسيا جنسية"، ويربطون أيضاً بين الإباحية والعجز الجنسي. في العام 2011، وجدت دراسة أجريت على 28 ألف مشاهد دوري لأفلام البورنو في إيطاليا، أن العديد منهم مستهلك "مفرط" للأفلام الإباحية. ورأى الباحث كارلو فورستا أن هؤلاد تعودوا كذلك على "أكثر المشاهد عنفاً". وبناء عليه، يصبح من الصعب على هؤلاء، وخاصة الرجال منهم، الشعور بالإثارة عندما يواجهون شيئاً واقعياً/ حقيقياً، ما يجعلهم من "الميؤوس منهم" في غرف النوم. كما ربط العلماء بين الإدمان على المواقع الجنسية وتراجع معدلات الزواج. تُلام مواقع التواصل الاجتماعي كذلك باعتبارها سبباً لتشتيت أذهان الناس، إذ تأخذ الشاشة لبهم وتلهيهم عن الحياة اليومية الحقيقية. وكما انشغلت الدراسات بوجود جهاز التلفاز في غرف النوم وتأثيره على العلاقة الحميمة، توسعت لتطال الهواتف الذكية وإدمان زيارة مواقع التواصل. في المقابل، يشير كوبلاند إلى بعض الدراسات التي تحدثت عن حضور الأفلام الإباحية بمعدل 40 دقيقة لمرتين أقله خلال الأسبوع، يمكن أن تعزز الرغبة الجنسية، في حين تلعب مواقع التواصل الاجتماعي دوراً في إتاحة فرص كذلك لممارسة الجنس. مع ذلك، يبقى لهذين العاملين تأثير فعلي ينبغي العودة إليه في دراسة تراجع معدلات ممارسة الجنس.عبودية العمل
على رغم الأحلام المبكرة بالتحرر من قيود العمل، يبدو أن تقدم الزمن يرافقه تغلغل الوظيفة أكثر فأكثر في حياة الناس. لا تزال ساعات العمل تعد مرتفعة نسبياً، ومن البديهي أن نربط بين الإرهاق والضغط الوظيفي وبين تراجع الممارسة الجنسية. لكن الخلاصة قد لا تكون بهذه البساطة. ففي العام 1998، وجد باحثون أنه لم يكن هناك من فرق في الأداء الجنسي بين المرأة العاملة وربة المنزل، وأكدوا وجود رابط بين حياة العمل المزدحمة والنشاط الجنسي المرتفع.في المقابل، لا ينفي ذلك اعتبار العمل كعامل مؤثر على النشاط الجنسي. ويوضح هنا كوبلاند أن نوعية العمل هي التي تحدث الفارق أكثر من كميته. يوضح قائلاً إن العمل السيء يكون تأثيره على الصحة النفسية أكبر من أن تكون عاطلاً عن العمل، وكذلك الأمر مع الحياة الجنسية السيئة. وينظر إلى الإرهاق بشكل متزايد بوصفه مؤشراً أساسياً على انخفاض السعادة الجنسية وانعدام الرضى.نعيش في واحد من أكثر مراحل الانفتاح الجنسي في التاريخ الإنساني، ومع ذلك تشير الأرقام إلى تراجع نسب ممارسة الجنس
الحياة المعاصرة
ينعكس انخفاض الإحساس بالسعادة وارتفاع معدلات القلق تراجعاً في النشاط الجنسي وفي الرغبة، فيما تتحول الاضطرابات النفسية وحالات الاكتئاب إلى ما يشبه الوباء العالمي، مع اختلاف مسبباتها. وأشارت دراسات إلى أن حالات الاكتئاب (مع حسبان عوارض الاكتئاب الجسدية والآثار الجانبية لأدوية علاجه) تؤدي إلى تراجع الأداء الجنسي، الذي يعقبه لاحقاً التراجع في الرغبة. وتربط الدراسات هذه الاضطرابات النفسية بانعدام الأمان والقلق اللذان يطبعان شكل الحياة المعاصرة، لا سيما لدى الأجيال الجديدة التي تقلق بشأن تأمين المنزل وفرص العمل والتغير المناخي والحروب وتقلص مساحات التلاقي المشتركة (غير الافتراضية) وغيرها من ظواهر الحياة المعاصرة. الأكيد حسب كوبلاند، أن تراجع النشاط الجنسي هو ظاهرة من ظواهر الحياة المعاصرة، وإن كان يصعب ربطها بسبب واحد بشكل مباشر، لكنها قد تكون ذروة التضافر بين عوامل مؤثرة مختلفة كالتكنولوجيا وطبيعة العمل الحديث ومعدلات القلق والإحباط.حلول ليست بالحلول
يشير كوبلاند في النهاية إلى أن العديد من الدول بدأت تلحظ تلك المشكلة، فيما تتخذ مبادرات محدودة لمعالجتها. ويعطي أمثلة عن بلدية سويدية تدرس تزويد عدد الموظفين ما يتيح للموظفين الحاليين أن يحظوا بساعة فراغ إضافية، تجعلهم يشعرون بالراحة وتعطيهم مجالاً أكبر للحظات الحميمية. يقول كوبلاند إن مثل تلك الحلول قاصرة عن حل مشكلة معقدة الأسباب والنتائج، وبالتالي فإن الحلول التي تستهدف المسببات ينبغي أن تكون شاملة وجذرية، ما ينعكس إيجاباً على الصحة العامة والإنتاجية ومعدلات الرفاهية.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...