تبنّت غالبية واسعة من الرجال بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أفكاراً تقليدية "غير منصفة" تجاه المساواة بين الجنسين، معتبرةً أن "المرأة مكانها المنزل" وأن دورها الأهم تربية الأبناء، بل ذهبت للقول إن تعليم الفتيان أكثر أهمية من تعليم الفتيات، بحسب ما أظهرته دراسة جديدة.
هذه الدراسة التي أجرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة UN Women بالتعاون مع منظمة بروموندو Promundo المعنية بالمساواة بين الجنسين، قامت باستطلاع آراء 10 آلاف من الرجال والنساء بين 18 و59 عاماً، في مصر ولبنان وفلسطين والمغرب، بين أبريل 2016 ومارس 2017، بالتنسيق مع عدد من المراكز البحثية والمنظمات المحلية.
تعد هذه الدراسة الأولى من نوعها التي تضيء على الفكر الذكوري السائد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وعلى مواقف الرجال من قضايا حرية وعمل المرأة والمساواة بين الجنسين، كآباء وأزواج وأبناء، بالإضافة لقياس نظرة النساء أنفسهن إلى قضايا الجندرية.
نقاط جدلية ونتائج صادمة
ليس خفياً على أحد تعرّض المرأة في المنطقة لشتى أنواع التمييز، ولكن الأرقام والإحصاءات التي قدمتها الدراسة أتت صادمة. ففي ما يتعلق بطبيعة الدور الاجتماعي، رأى أكثر من ⅔ إلى ¾ من الرجال الذين شملتهم الدراسة أن "أهم دور للمرأة هو رعاية الأسرة"، بينما عبّر نصف النساء عن تقبل هذه الفكرة. (التفاوت في الأرقام ناتج عن تقسيم الإحصاءات بحسب البلدان، وتفاوت النسب في ما بينها). في المقابل، اعتبرت الأغلبية من الرجال أن دورهم "الأهم" هو مراقبة النساء والفتيات في محيط الأسرة والتحكم بتصرفاتهن، وبدت أغلبية النساء متقبلة لهذا الدور، ورفضت قلة قليلة منهن مجرد طرح الفكرة نظرياً. وفي الوقت الذي ظهر الرجال المصريون الأكثر تعنتاً ضد حق المرأة في المساواة، حل اللبنانيون في مقدمة القائمة.سلطة ذكورية مطلقة
في ما يتعلق بالسلطة في اتخاذ القرارات، أقر 90% من الرجال في البلدان الأربعة أن للرجال سلطة مطلقة في اتخاذ القرارات الرئيسية في الأسرة، ووافقت 58.5% من النساء على ذلك. هذه الأرقام تهدم الادعاء الشائع بأن المرأة هي من تدير المنزل، إذ أوضحت الدراسة أن المرأة أقل قدرة من الرجل على اتخاذ قرار الزواج واختيار الشريك المناسب، لأن للآباء الرأي الأخير في هذه المسألة. في موازاة ذلك، يتمتع الرجل بحرية كبيرة في اختيار الشريك بل يبدي سعادة بتحمل نفقات الزواج وإعالة الأسرة رغم تصاعد البطالة، لأن هذه كلها عوامل تؤمّن له السلطة داخل المنزل. في السياق ذاته، اعتبرت النسبة الغالبة من الرجال أن للزوج حق التحكم في الحرية الشخصية للزوجة، وخاصة في ما يتعلق باللباس ومغادرة المنزل.عمر المرأة مؤثر في افتناعاتها
لم تكن السن عنصراً مؤثراً بالنسبة للشباب في مصر وفلسطين والمغرب إذ أبدوا أفكاراً أكثر تعنتاً ضد حق المرأة في العمل والمساواة مقارنة بكبار السن، بسبب صعوبة الحصول على عمل في تلك البلدان وصراع الرجل ليثبت دوره كممول للأسرة، بينما أبدى الشباب في لبنان قدراً أكبر من الانفتاح على هذا الصعيد. على النقيض تماماً، اتخذت الشابات مواقف أكثر إنصافاً لقضاياهن من النساء الأكبر سناً، فبدت لديهن رغبة مستميتة في التحرر من القيود وتحقيق المساواة مع الرجل.بعد تقصي آراء 10 آلاف شخص: المرأة في الشرق الأوسط مكانها المنزل وللرجل وحده سلطة القرار
أرقام صادمة: 90% من الرجال يرون مكان المرأة في المنزل، ونساء يؤيدن
البطالة تعوق حق المرأة في العمل
تحقق المرأة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أدنى معدلات المشاركة الاقتصادية حول العالم، بحسب الدراسة، ويُعلل ذلك بحالة التعثر الاقتصادي لدول المنطقة في السنوات الأخيرة، وخاصة مناطق النزاع والحروب. وبيّنت الدراسة توارث العنف بين الأجيال، وتناولت عدة أشكال من العنف القائم على أساس الجنس، مؤكدةً أن التحرش الجنسي في الشوارع والعنف البدني هما الأكثر انتشاراً في المنطقة. فالرجال الذين شاهدوا آباءهم يضربون أمهاتهم في الصغر أو تعرضوا للضرب وهم أطفال، مارسوا العنف ضد شريكتهم في الكبر. وبينما اعترف من 10 إلى 45% من الرجال بممارسة العنف البدني تجاه الزوجات، أكد 20 إلى 80% منهم على ممارسة العنف العاطفي ضدهن، وأقرت نسب مماثلة من النساء التعرض للضرب والتعنيف. ومن النتائج المخيفة أن 50% من الرجال المصريين أكدوا أن هناك "مواقف تستحق فيها المرأة الضرب" وأيدت أقل من ثلث المصريات هذا الرأي.التحرش من أجل المتعة
اعترف 31 إلى 64% من الرجال بممارسة التحرش بالنساء، بدءاً من التحديق مروراً بالتعليقات الجنسية وصولاً إلى المطاردة واللمسات الجسدية، وأكدت 40 إلى 60% من النساء التعرض لهذه الأنواع من التحرش. وأوضح 90% ممن اعترفوا بالتحرش، أنهم قاموا بذلك بهدف "المتعة"، في حين ألقى ما يقارب 75% من المتحرشين اللوم على ارتداء النساء لما وصفوه بـ"الملابس المثيرة والاستفزازية". ومن النتائج المستغربة أن الشباب والرجال الأكثر تعلّماً، وأولئك الذين تعرضوا للعنف في الصغر، هم أكثر الفئات تحرشاً بالنساء، بينما النساء الأكثر تعلماً، واللواتي يقمن في المناطق الحضرية، هن الأكثر تعرضاً له.بارقة أمل؟
وأقرت الدراسة وجود بعض الأفكار الإيجابية، منها أن 25% من الرجال أظهروا دعماً لبعض القضايا والمواقف الخاصة بالمساواة بين الجنسين، فتساءلوا عن أسباب العنف ضد المرأة، وأيد بعضهم القوانين التي تحميها. وعبّر البعض عن رغبتهم برعاية أبنائهم عوضاً عن الزوجات لبعض الوقت، ودعمَ آخرون حق المرأة في العمل وتولي مناصب قيادية. كما أيد 50% من رجال العينة حق المرأة المتزوجة في العمل، على نحو معادل للرجل تماماً، مع تقبّل الأغلبية منهم فكرة العمل تحت قيادة نسائية، ولكن مع الإشارة إلى أن هذا القبول "نظري"، إذ يقبل الرجل عمل المرأة ما دام هو العائل الأول للأسرة ولم يطغٓ عملها على دوره هذا. وأكدت نسبة تراوح بين 1/10 و1/3 من الرجال أنهم بدأوا أخيراً القيام بمهمات منزلية منوطة تقليدياً بالمرأة، كإعداد الطعام والتنظيف ورعاية الأطفال. ويبدو جلياً أن عمل المرأة في لبنان ومصر على وجه التحديد، يشكل عنصراً مهماً في زيادة مشاركة الرجل في الأعمال المنزلية. فبين 10% من الرجال الذين تعمل زوجاتهم بدوام كامل في مصر، يساعد 45% منهم في الأعمال المنزلية، وهو معدل مرتفع مقارنة بالذين لا تعمل زوجاتهم. وهنا يمكن اعتبار أن عمل المرأة يدعم قضية المساواة من زوايا عدة. وفي حين أكد أكثر من نصف رجال العينة بأن العمل يبقيهم بعيدين عن العلاقة الوطيدة مع أطفالهم، أكد 2/5 منهم أنهم يتحدثون إلى أطفالهم في قضايا حياتية مهمة، وتوضح هذه المعدلات أن الأبوة قد تكون مفتاحاً لمزيد من المواقف الذكورية الأكثر إنصافاً للمرأة وقضاياها ومشاركتها اجتماعياً داخل المنزل.من يدعم المرأة؟
وعن أكثر الفئات دعماً للمساواة بين الجنسين، كشفت الدراسة أن الأشخاص الأكثر ثراءً وتعلماً وأولئك الذين تلقت أمهاتهم قدراً أكبر من التعليم، وكذلك الذين اعتاد آباؤهم القيام بأعمال منزلية لمساعدة أمهاتهم، هم الأكثر تقبلاً لمفهوم المساواة بين الجنسين. ومعلوم أن التنشئة المحافظة دينياً ورداءة التعليم في هذه الدول تقف خلف الأفكار غير المنصفة للمرأة، إذ اعترف نحو نصف رجال العينة بأن مفهوم المساواة بين الجنسين ليس جزءاً من ثقافتهم ولا من تنشئتهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون