شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
الجنود البدو في الجيش الإسرائيلي... تعاون منذ أيام العصابات الصهيونية

الجنود البدو في الجيش الإسرائيلي... تعاون منذ أيام العصابات الصهيونية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 12 مايو 201701:05 م

تتفاخر إسرائيل بدمج الشباب البدو في جيشها، بل تعتمد عليهم سواء كانوا من سكان النقب، جنوب فلسطين، أو من سكان المثلث والجليل شمالاً، في مهمات قتالية نوعية في معاركها المختلفة ضد العرب والفلسطينيين. واستغلت مهارتهم في اقتفاء الأثر لمنع تسلل المقاومين.

وتحاول إسرائيل بذلك إيصال رسالة إلى العالم والعرب والفلسطينيين تحديداً، مفادها أن جيشها هو "جيش الشعب" الذي يضم عرباً وبدواً مسلمين ودروزاً ومسيحيين إلى جانب اليهود.

لكن هل حقق البدو هدفهم؟ فالبدو لم يتجندوا في جيش الاحتلال حباً في إسرائيل أو إيماناً بها رغم كونهم على الأوراق مواطنين إسرائيليين، بل رغبة في تحسين أوضاعهم المعيشية والحصول على فرص عمل جيدة بعد انتهاء فترة التجنيد، علماً أن البدو يتجندون بنظام التطوع وليس الخدمة الإلزامية.

ماذا قدم البدو لإسرائيل؟

يقدم محمد كعبية، البدوي المسؤول عن إلحاق البدو بالجيش وقوات الأمن الإسرائيلية، إطلالة على تاريخ انضمام البدو إلى الجيش الإسرائيلي، بل العصابات الصهيونية قبل إقامة إسرائيل، في مقال نشره موقع "كيكار هشبات" في 30 أبريل 2017، وكتبه بمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ69 لإقامة إسرائيل.

يقول: "بعد خطة التقسيم الأولى التي أقرتها الأمم المتحدة، وخلال الثورة العربية الكبرى، خطط عدد من المتمردين العرب لاغتيال أليكسندر زيد، أحد مؤسسي تنظيمات حماية الجالية اليهودية. سمع جيران وأصدقاء زيد البدو في منطقة بيت شعاريم القديمة بالمؤامرة وعندما جاء المتمردون العرب قدموا الحماية لأسرة زيد بل وأنقذوا حياتهم".

ويضيف: "في وقت لاحق، عشية عيد الاستقلال، خلال عملية يفتاح، تعذّر على يغال آلون وقوات البلماح الحصول على معلومات استخبارية من مدينة صفد التي كانت تحت سيطرة اللجنة العربية العليا. وطلب مساعدة شيخ عشيرة الهيب في قرية طوبا الزنغرية يوسف حسين محمد الهيب، فأرسل الشيخ اثنين من أبناء القرية إلى صفد لجلب المعلومات، لكن ألقي القبض عليهما، ونجح أحدهما في النجاة، فيما قُتل الآخر بعد رفضه القسم على المصحف بأنه لا يرتبط بعلاقات مع اليهود. حينئذ قرر يغال آلون وشيخ قبيلة الهيب إقامة فصيل بدوي في البلماح أطلق عليه اسم "بلهيب"، في إشارة إلى اسم العشيرة".

بعد أن تشكل الجيش الإسرائيلي، كان البدو من أوائل المجندين من بين الأقليات بإسرائيل في وحدة الأقليات، وعملوا كشافين ومقتفي أثر. وكونهم أبناء الصحراء والمنطقة، أظهروا قدرات هائلة في هذا المجال، بحسب كعيبية.

وحدة شكيد

ويكشف المسؤول عن تجنيد البدو بجيش الاحتلال تفاصيل انخراط الشباب البدوي في وحدة "شكيد" المتهمة بقتل أسرى مصريين عزّل.

يقول: "في بداية الخمسينيات أدرك الجيش الإسرائيلي ضرورة إقامة وحدة خاصة لمنع تسلل الإرهابيين والعمليات الانتقامية من ناحية سيناء والأردن، لذلك قررت القيادة الجنوبية إقامة وحدة شكيد التي كانت تحت قيادة تسفيكا عوفر (حل محله بعد عدة شهور ديفيد بن حور) لكن برزت بها شخصية مقاتل محترف ونوعي بات يعد المؤسس الروحي لوحدة شكيد: "عاموس يركوني"، وهو نفسه عبد المجيد خضر عبد الله المزاريب من قرية بيت زرزير الذي تجند في الجيش الإسرائيلي عام 1948 بعد علاقات وطيدة للغاية مع عناصر منظمة "الهاغاناه" في كيبوتس نهلال ومع موشيه دايان".

[caption id="attachment_102947" align="alignnone" width="700"]جنود بدو في الجيش الإسرائيلي من عرب الهيب في يونيو 1949 جنود بدو في الجيش الإسرائيلي من عرب الهيب في يونيو 1949[/caption]

ويلفت إلى أن الوحدة لعبت دوراً مهماً في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وفي حربي يونيو 1967 وأكتوبر 1973 حتى تفكيكها عام 1979.

بالإضافة إلى وحدة شكيد، أقيمت عام 1970 على يد المقدم عاموس يركوني والعقيد حسين الهيب، وحدة قصاصي الأثر في الجيش التي تعمل من الحدود الشمالية لإسرائيل إلى الحدود الجنوبية.

يخضع الجنود لدورة كشافة في مدرسة قصاصي الأثر، ومن هناك يتم توزيعهم على وحدات في كل أنحاء إسرائيل. ويساعد جنود الوحدة قوات الأمن في منع النشاطات المقاومة لا سيما على الحدود الشمالية وحدود قطاع غزة.

ويوضح كعبية: "كثيراً ما منع جنود وحدة قصاصي الأثر تسلل الإرهابيين الانتحاريين داخل الأراضي الإسرائيلية، بمساعدة الكشف المبكر عن أثرهم. يعتمد قصاصو الأثر في عملهم على مميزات كثيرة مصدرها تاريخي في حياة البدو الرحل مثل: حاسة البصر الحادة، وحاسة السمع وغيرها. ويقوم قصاصو الأثر بدوريات على طول حدود إسرائيل بحثاً عن إرهابيين ومهربين ومتسللين مع استخدام أنظمة القيادة والسيطرة، والكاميرات وأنظمة الأشعة تحت الحمراء وGPS والتقنيات المتطورة في الجيش، كالأقمار الصناعية".

في عام 1986، أنشئت وحدة الاستطلاع الصحراوية بمبادرة قائد المنطقة الجنوبية آنذاك، اللواء موشيه بار كوخافا. كان هدف الوحدة بناء قوة صغيرة ومحترفة للإمساك بالمتسللين والمهربين الجنائيين والأمنيين من مصر. في أغسطس 1993 تحولت الوحدة إلى كتيبة الاستطلاع (585)، وتتألف في الأساس من مقاتلين وقادة بدو من شمال وجنوب إسرائيل. وينفّذ مقاتلوها مهمات أمنية روتينية في قطاع غزة والضفة الغربية وعلى الحدود مع مصر.
ويختم: "اليوم ترى الجنود البدو في كل الوحدات والأسلحة بالجيش الإسرائيلي. ورغم أنهم فقدوا 191 جندياً في معارك إسرائيل، فإن المئات من الجنود البدو يتجندون سنوياً في الجيش الإسرائيلي بالتطوع".
[caption id="attachment_102938" align="alignnone" width="700"]تدريبات كتائب "البدو" بالجيش الإسرائيلىINSIDE_BedouinsIDF_3 تدريبات كتائب "البدو" بالجيش الإسرائيلى[/caption]

ويصل عدد البدو في النقب إلى نحو 317 ألف نسمة بحسب آخر الإحصاءات الرسمية في إسرائيل عام 2014، بينما بلغ عدد البدو من سكان المثلث والجليل 60 ألفاً عام 2004.

وبحسب موقع "رجاعيم هيستورييم" الإسرائيلي، مع نهاية الانتداب البريطاني عاش في منطقة النقب ما يزيد عن 50 ألف بدوي مقسمين على ثماني قبائل كبيرة و95 عشيرة، وبعد نكبة فلسطين وإعلان إقامة إسرائيل ظل في النقب بدو من ثلاث قبائل فقط هي العزازمة، والحناجرة، والجوبارات.

ويشير الموقع المتخصص في الأحداث التاريخية إلى أنه عندما اندلعت حرب فلسطين "لعب البدو في النقب دوراً واضحاً، إذ ساعد جزء قليل جداً منهم في المعارك ضد إسرائيل، رغم أن المصريين لم يثقوا بهم. فيما دعم جزء أكبر إسرائيل وساعدوها".

كان بدو فلسطين من أوائل المجندين في إسرائيل. شاركوا في العدوان الثلاثي على مصر وفي حربي يونيو 67 وأكتوبر 73
بدو فلسطين العرب... مات 191 شخصاً منهم دفاعاً عن إسرائيل ضد الفلسطينيين والعرب

الثمن المر

تقول الدكتورة رونيت مرزان المحاضرة في جامعة حيفا بكلية العلوم السياسية، في دراسة بعنوان "الدولة والبدو: من تحالف دم لتحالف حياة"، نشرها موقع "منتدى الفكر الإقليمي" في إسرائيل: "كثيراً ما يتحدث البدو المسرحين من الجيش عن مشاعر مزدوجة بالاستغلال والتمييز والاغتراب. يُمارس التمييز ضدهم بين السكان البدو لأنهم لا يستطيعون العمل في المجالس المحلية التي تسيطر عليها الحركة الإسلامية. بل إن الأئمة يرفضون الصلاة على أرواح البدو الذين قُتلوا في الحروب كجنود بصفوف الجيش الإسرائيلي".

وتتابع: "من الجهة الأخرى يتعرضون للتمييز على يد الدولة التي ترى فيهم حلفاء في ميدان القتال، لكنها تتخلى عنهم عندما يعودون إلى الحياة المدنية. وقتها يعودون ليكونوا جزءاً من المجتمع العربي، ولا يحظون بمعاملة تفضيلية لدى شرائهم أراضي ولا يساعَدون على الحصول على تعليم والاندماج في سوق العمل".

"الدولة تتنكر لنا"

في 26 فبراير 2017 نشر موقع القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي نص رسالة أرسلها عشرات البدو المسرحين إلى وزير الأمن الداخلي "جلعاد أردان" أكدوا فيها نيتهم التوقف عن أداء خدمة الاحتياط على خلفية رفض توظيفهم في الشرطة والمهن الأمنية الأخرى.

وجاء في نص الرسالة: "نحن، مجموعة من مواطني إسرائيل من القطاع البدوي، كلنا من سكان قرية بئر المكسور. على مدى سنوات طويلة فعلنا ما علينا للدولة. خدمنا في الجيش الإسرائيلي في وحدات قتالية ونزفنا الدم والدموع لدى حماية حدود إسرائيل وأمن مواطنيها. لبالغ أسفنا، أدركنا في نهاية خدمتنا العسكرية أن الدولة التي أرسلتنا إلى القتال في ميدان المعارك تخلت عنا".

وأضافت: "مع انتهاء خدمتنا العسكرية، كلنا أبناء القرية، أملنا أن نستطيع بدء حياتنا المدنية، بل وتجرأنا على الحلم بوظيفة، وكسب العيش، وتكوين أسرة هنا في إسرائيل. ما أعظم الألم، ما أشد الإحباط والشعور بالخيانة عندما اتضح لنا أن الدولة التي قاتلنا من أجلها تدير لنا الآن ظهرها وتتجاهل بشدة أولئك الذين يؤذوننا بشكل كبير، ويمنعوننا من إدارة حياة مدنية".

وأكد مرسلو الرسالة أنهم ورغم حملهم السلاح "للدفاع عن إسرائيل" في الجيش يُمنع توظيفهم في أعمال أمنية تتطلب حمل السلاح، بل حتى يُمنع عملهم كسائقي حافلات خوفاً من تنفيذهم عمليات دهس ضد اليهود.

واختتموا رسالتهم: "نقول كفى، لن نسمح بالمزيد من استمرار البصق في وجوهنا على يد مَن يرسلنا كي ننزف الدماء، لن نواصل أداء واجبنا طالما لم يكن هناك مَن يمنحنا حقوقنا. بذلك نعلن وقف تفعيل خدمة الاحتياط. لن نذهب للخدمة طالما لم نشعر بأن الدولة تتعامل معنا بمساواة، وطالما لم تمنحنا الحق في إدارة حياة مدنية مثل كل مواطني إسرائيل".

ونشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية في 29 مايو 2016 تحقيقاً تناول أوضاع الشباب البدو المسرحين من الجيش، والذين قالوا إنهم يوصون أصدقاءهم بعدم الخدمة في الجيش الإسرائيلي بعد كل ما تعرضوا له من تمييز وعنصرية.

"ليس لذلك أية علاقة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني أو بهويتنا العربية، بل بالجانب المدني. لا نحصل على نفس الحقوق ونفس المعاملة التي يحظى بها باقي مواطني الدولة، وكأننا لسنا موجودين في هذه البلاد"، أوضح صلاح الأطرش، 28 عاماً، الذي خدم ثلاث سنوات بجيش الاحتلال.

ويقول الشيخ إبراهيم أبو عفش، 71 عاماً وخدم خلال حرب 1973: "ساعدنا في مراقبة الحدود، وتجسسنا على بث الجيش المصري، وتعقبنا جنود العدو الذين حاولوا التسلل، خدمت في الجيش ثلاث سنوات ولكني اليوم لن أشجع أبنائي على الانضمام إليه. مثل كثيرين من البدو، لم أتمكن بعد تسريحي من الجيش من العثور على عمل بسهولة، وعملت في وظائف منخفضة الأجر حتى التقاعد".

انتفاضة الأرقام

وعرض موقع "والا" في تقرير نشره في 31 مايو 2015 أرقاماً لوزارة الدفاع الإسرائيلية حول عدد الجنود البدو، جاء فيه: "يتضح من معطيات الوزارة أن تراجعاً طفيفاً طرأ بين السنوات 2011 و2013: من 130 شاباً تجندوا سنوياً إلى 120. وتشير الأرقام حول سنة التجنيد الحالية التي بدأت في يونيو 2014 وتنتهي خلال هذه الأيام إلى انخفاض حاد: تجند خلال هذه الفترة فقط 98 شاباً من القطاع البدوي، وهو أقل عدد منذ خمس سنوات".

INSIDE_BedouinsIDF_4INSIDE_BedouinsIDF_4

ونقل "أمير بوحبوت" المراسل العسكري للموقع عن عناصر بوزارة الدفاع الإسرائيلية أن أحد أسباب ظاهرة التراجع يعود إلى نشاطات الحركة الإسلامية التي تجري على حد قولهم دعاية متطرفة ضد المجندين في الجيش الإسرائيلي وصولاً إلى إحراجهم على الملأ.

وقال أحد هذه المصادر: "خلال عملية الجرف الصامد وما بعدها تزايد التحريض ضد الجنود البدو، وتبع ذلك الشعور بالاغتراب بعد زيادة عمليات هدم منازل الجنود وأسرهم، كونها بُنيت في المنطقة البدوية بما يخالف القانون".

ويرى خبراء بالجيش الإسرائيلي أن هناك أسباباً ربما قادت إلى هذا التراجع، كالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في صيف 2014، والتظاهرات التي انطلقت بين عامي 2013 و2014 ضد مخطط "برافر" الذي يعد أضخم مشروع إسرائيلي لتهويد صحراء النقب، مدللين على ذلك بتراجع معدل المجندين البدو إلى النصف مع اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000. بحسب تقرير نشرته صحيفة هآرتس في 7 أغسطس 2016.

وتقدم إسرائيل حزمة من التسهيلات للشباب البدوي لتشجيعه على الانضمام إلى الجيش، كتقليص فترة الخدمة من 32 شهراً إلى 24 فقط، مع إمكانية اندماج الجندي البدوي مع انتهاك الخدمة العسكرية الطوعية في الخدمة العسكرية النظامية الثابتة، بحسب الصحيفة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image