للحمير في مصر أسواق تُباع وتُشترى فيها. تُنَظم يوم الجمعة من كل أسبوع، وتبدأ أنشطتها من بزوغ الفجر حتى المساء. وفي قرية البراجيل في محافظة الجيزة يقع أحدها على أرض تمتد على مساحة فدانين ونصف الفدان. حضر عماد منصور إليه للبحث عن حمار ثانٍ يشارك حماره في جر عربته الخشبية التي تنقل مواد البناء إذ لم يعد يقوى على ذلك وحده. لكن منصور عاد من دون تحقيق هدفه مكتفياً بالحلاقة لحماره، داعياً له بالصحة واللياقته لأطول فترة ممكنة. "أسعار الحمير ارتفعت بدرجة كبيرة. قبل عامين، كان سعر أفضل حمار 500 جنيه أما الآن فمن الصعب شراء حمار متعافى بمبلغ 1200 جنيه"، يقول منصور لرصيف22. يصل عدد الحمير في مصر طبقاً لإحصاءات وزارة الزراعة عام 2015 إلى 2.5 مليون، معظمها في محافظات المنوفية وبني سويف ودمياط والغربية والمنيا.
بعدسة شيماء سيد[/caption]
لكن الحيوان الذي ذَمّته الثقافة الشعبية وسخرت منه مهدد اليوم بالانقراض في مصر، بحسب الدكتور إبراهيم محروس، رئيس الهيئة العامة للخدمات البيطرية بوزارة الزراعة، في تصريح صحفي له في يناير الماضي.
فقد شهدت البلاد في السنوات الأخيرة وقائع ذبح متكررة للحمير، بعدما باتت وسيلة للثراء السريع، إذ يُباع لحم الحمار إلى المطاعم، ويُصدر جلده إلى الصين لاستخدامه في تصنيع المقويات الجنسية وأدوات التجميل، ما نتج عن هذا قلة العرض ورفع الأسعار.
ثم يتم إلقاء رؤوس الحمير غير النافعة في القمامة، وأحياناً في مياه النيل والترع.
الدخول مجاناً والخروج بفلوس
بعدسة شيماء سيد[/caption]
يعمل محمد حسين على تنظيم البيع والشراء في سوق الحمير الذي استأجره من محافظة الجيزة، وقد لقبه الناس ب"صاحب السوق". يدفع له التاجر 10 جنيهات مقابل توفير مكان للبيع، ويدفع زوار السوق 15 جنيهاً سواء أتموا عملية البيع أم لا.
يشتكي حسين من قلة عدد الحمير ومن كساد البيع، حتى بات سوق المواشي الذي يُنظم يوم السبت أكثر رواجاً وحركةً من هذا السوق.
يرد ضعف الحركة إلى عوامل عدة، أولها قلة عدد الحمير بسبب الذبح المستمر الذي بدأ مع استيراد الصين للجلود، ومع انتشار ظاهرة الغش في اللحم في المطاعم، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها الحمير.
بالإضافة إلى ذلك، لعب انخفاض طلب سكان الأحياء الشعبية للحمار، بسبب انتشار عربات التوكتوك والتريسكل، دوراً في خلو السوق منها.
فقبل ظهورها كانت العربة الخشب التي يجرها الحمار هي الوسيلة الأساسية للتنقل في القرى والمناطق الشعبية، لكنها اندثرت لسرعة الوسائل البديلة وانخفاض تكلفتها.
يدفع هذا الوضع تاجر الحمير عبدالرحمن مرزوق إلى الغضب فيقول: "إذا كانت جلودها تصدر للصين وتذبح باستمرار فكيف يمكن للتجار تحقيق مكسب؟".
وقال تاجر الخردة صلاح إبراهيم، الذي فشل في شراء حمار بأقل من 2000 جنيه: "رفض فلاح أن يبيع حماره مقابل 1200 جنيه قائلاً إن ذبحه وبيع جلده أكثر ربحاً من بيعه في السوق".
بداية التصدير إلى الصين
بعدسة شيماء سيد[/caption]
تستورد الصين جلود الحمير من دول مختلفة بكميات كبيرة، إذ تستخدمها في تصنيع مواد للعلاجات الشعبية، بحسب مقال نشرته جريدة الإندبندنت البريطانية. ويتم استخلاص مواد منها تستخدم في تصنيع المنشطات الجنسية ومستحضرات التجميل وأدوية تساعد في تحسين الدورة الدموية.
مصر هي إحدى الدول المصدرة لهذه الجلود، منذ صدور القرار رقم 692 لسنة 2012 والصادر عن وزير التجارة والصناعة عام 2012، بحسب الدكتور أحمد مصطفى، المسؤول عن ملف الحمير في الإدارة المركزية للحجر الطبي.
رسمياً، تُصدر مصر جلود 8 آلاف حمار إلى الصين سنوياً، بينما يقدر الخبراء عدد الحمير المهربة بأكثر من هذا
هل تنقرض الحمير في مصر بعدما بات ذبحها وبيع جلودها ولحومها وسيلةً إلى الثراء السريع؟وقد حدد القرار عدد الحمير المصدرة سنوياً بـ 8 آلاف لكي لا تتأثر الثروة الحيوانية في مصر، بحسب مصطفى. كما حُددت الجهات المصرح لها بتصدير هذه الجلود، بحسب مصطفى أيضاً، وهي حديقة الحيوان في الجيزة والسيرك القومي، إذ توجد في هذه الأماكن مزارع حمير تُستخدم كطعام للحيوانات المفترسة بعد الإعدام الرحيم لها وفقاً لضوابط محددة، وسلخ الجلود التي يتم تصديرها.
انقراض الحمير
بعدسة شيماء سيد[/caption]
يختلف التطبيق والواقع بعض الشيء عن القانون. ويعتبر نقيب البيطريين الدكتور خالد العامري أن السماح بتصدير الجلود كارثة متمثلة في نقص أعداد الحمير، نظراً لعدم وجود ضوابط تمنع التصدير غير المدروس.
وقال لرصيف22 إن غياب القانون الذي يضع عقوبات رادعة، زاد من عمليات التصدير لرغبة المزارعين في تحقيق الأرباح. ويقدر العامري أعداد الحمير التي تم ذبحها في عام 2016 في مسالخ غير شرعية وبعيداً عن الجهات الحكومية المصرح لها، بحوالي 25 ألفاً.
وأضاف أن ثمة خطورة أخرى تتمثل في إلقاء الجيف في الترع، وهذا ما ينتج عنه تلوث بيئي، تُعاقب عليه الحكومة بغرامة قيمتها 100 جنيه، لمخالفة القرار الوزاري رقم 517 لعام 1986.
بالإضافة لكارثة أخرى تتمثل في بيع اللحوم للمطاعم والعربات الجوالة. ولم يعد خبر إغلاق مطعم شهير لبيعه لحوم الحمير يثير دهشة الناس كثيراً، بعدما تكرر بضع مرات.
وقد أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى في عام 1992 بعدم جواز أكل لحم الحمير، ويتجدد إصدار الفتوى نفسها مع نشر أخبار عن ضبط مطاعم تبيعه.
نقص أعداد الحمير
بعدسة شيماء سيد[/caption] عند مدخل السوق، يقف الحلاق رياض عبدالرازق، وبيده مقص به أمواس لحلاقة شعور الحمير والخيل مقابل 30 جنيهاً. يطلب من أحد المارة أن يمسك رأس "الزبون"، ريثما ينهي الحلاقة بسرعة، فيما ينتظره صفٌ من الرجال ممسكين بحميرهم. يتحدث بثقة ضاحكاً وهو يحلق الشعر المحيط بعين الحمار: "أنا شغال من سنين، بشتغل بقلب جامد ولا يمكن أغلط أبدا". جلس على مقربة منه أبو أدم، تاجر الحمير، جاء إلى السوق كما يفعل كل أسبوع، برفقة ابنه الذي لم يجاوز عامه الثاني. فهو اعتاد أن يشتري الحمير من الباعة ثم يعيد بيعها وينصرف مع غروب الشمس.
بعدسة شيماء سيد[/caption]
لكنه في هذا اليوم، وكالكثير من رواد السوق، لم يجد حماراً بسعر معقول. يقول لرصيف22 إن الحمير مرتبطة بمصدر رزق العاملين في المحافظات الزراعية كالفيوم وأسيوط والصعيد.
ويضيف: "الحمار هو صديق الفلاح إذ لا يستطيع الاستغناء عنه في عمله، لكنه لم يعد يتمكن من العثور عليه بسعر مقبول".
يقاطعه عبدالعال متولي، بائع أكسسوارات الحمير، قائلاً إن عدد الحمير المعروضة في السوق يتضاءل يوماً بعد آخر.
"أنا ورثت الشغلانة عن جدودي لكن أشك إنها ممكن تستمر عشان أقد أورثها لابني من بعدي"، يقول متولي لرصيف22.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...