لم تستطع السعودية سميرة العيسى، الموظفة في أحد البنوك التجارية، أن تخفي سعادتها، وهي تغادر قاعة مركز الملك فهد الثقافي في الحي الدبلوماسي الواقع غرب العاصمة الرياض.
فقد شاهدت في الحي الذي لا يمكن في العادة الدخول إليه دون تفتيش دقيق مع آلاف الحضور أول عرض للأوبرا العالمية في بلدها.
تضحك سميرة وهي تقول: "لم أكن أتخيل يوماً أن هذه اللحظة ستأتي، أنا فعلاً لا أصدق أنني شاهدت عرضاً للأوبرا من دون أن أضطر للسفر آلاف الكيلومترات".
تتبادل النظرات مع شقيقاتها الثلاث اللواتي كن يقفن على مقربة منها، قبل أن تضيف: "صدقوني، ما حدث لم يكن أمراً عادياً، هو القفز للقمة بخطوة واحدة".
لو أن سعودياً توقع قبل عام أن يشاهد حفلاً للأوبرا في الرياض، لوُصف بالمجنون على الفور.
غير أن نحو أربعة آلاف سعودي وسعودية، استمتعوا دون فواصل بينهما، وعلى مدار يومين، قبل نحو عشرة أيام، بحفل أوبرالي خاص قدمته الأوركسترا اليابانية على خشبة مسرح الملك فهد الثقافي بالرياض، ضمنَ فعاليات الأسبوع الثقافي الياباني.
انظر لأكثر من زاوية
الحدث ليس عادياً، ولا يمكن النظر له من زاوية واحدة، فتذوق الأوبرا التي تعد خيار النخب الثقافية، يتطلب حساً فنياً عالياً.
واكتظاظ المسرح بأربعة آلاف شخص لمشاهدة الحفل، في مدينة تندر فيها فعاليات الترفيه، يعني أن ثمة تغييراً أو فضولاً كبيراً لدى المجتمع السعودي.
هذا ما يعتقده الدكتور محمد ألف زلفة، الناشط الحقوقي وعضو مجلس الشورى السابق، الذي يشدد لرصيف22 على أن الحدث كان تاريخياً، وبداية خروج السعودية من العزلة الثقافية التي حبست نفسها فيها لثلاثة عقود.
"لم يكن أحد يتوقع أن يحضر هذا العدد الرهيب لحفل الفرقة اليابانية، وأن يمتد الطابور لأكثر من كيلومتر، هذا يعني تعطش هذا الشعب الذي فرضت عليه قلة من أبنائه العزلة"، يقول قاصداً المتشددين أو بحسب وصفه الانعزاليين.
ويشدد آل زلفة على أن هناك تطوراً كبيراً في عدة أصعدة، كلها توحي بأن السعودية لم تعد كما كانت، ويتابع: " نحن نشهد عهداً جديداً للسعودية، باتجاه الحياة السليمة الطبيعية. لم نكن نعيش عيشة طبيعية، كان الشباب يسافرون للدول المجاورة للاستمتاع بالحياة والموسيقى، وهذا ما نحاول أن نخرج منه".
لو أن سعودياً توقع قبل عام أن يشاهد حفلاً للأوبرا في الرياض، لوُصف بالمجنون على الفور
"لم نكن نعيش عيشة طبيعية، كان الشباب يسافرون للدول المجاورة للاستمتاع بالحياة والموسيقى"
المطربة الأولى
ما يميز الحدث هو أن من وقف على المسرح، كانت سيدة، وهي المغنية اليابانية ريناكو، وقد كان نصف الحضور من النساء.
تصف ريناكو التي باتت أول امرأة تغني على مسرح في السعودية بشكل رسمي التجربة بالغرابة. وقد أكدت في تصريحات أدلت بها لقناة العربية أنها كانت خائفة جداً فى البداية ولكن ترحيب الجمهور جعلها أكثر حماساً، ووصفت غناءها في الحفلة بأنها مناسبة تاريخية.
&feature=youtu.be عزفت الأوكسترا اليابانية التي تضم 85 موسيقياً عدداً من المقطوعات الكلاسيكية لأكثر من ساعة ونصف الساعة. وأظهرت مقاطع الفيديو التي انتشرت للحفلتين تفاعل الجمهور مع الفرقة ومع المايسترو "هرو فومي"، الذي كان يقدم التحية بعد كل معزوفه ويعيدها مرة أخرى. &feature=youtu.beيؤكد المخرج التلفزيوني خالد الطخيم، عضو الجمعية السعودية للثقافة والفنون، أنه متفائل بأن تكون "الأوبرا" بداية لحالة فنية أكثر انتشاراً في السعودية، على الرغم من أن غالبية الحضور كانت النخب الثقافية والدبلوماسية في المدينة.
ويقول لرصيف 22: "بالتأكيد الحدث مفرح لأنه هو الوضع الطبيعي، فالوضع السابق لم يكن طبيعياً، ولكن الأهم أن يستمر هذا الحراك الفني، لأن هناك من سيحاول أن يعيدنا للمربع الأول"، قاصداً المتشددين من التيار الديني الذي يعتبر الموسيقى حراماً.
القصة من البداية
بدأت قصة الأوبرا في سبتمبر الماضي، فبحسب مصادر في وزارة الثقافة والإعلام تحدثت لرصيف22 دون ذكر اسماء، خلال زيارة الوزير السابق الدكتور عادل الطريفي لليابان.
تحدث هناك عن الموسيقى وعن حبه للأوبرا بشكل خاص، وعن ما وصفه بالنهضة الموسيقية في بلاده، وتم الاتفاق في تلك الجلسة على أن يحتوي الأسبوع الثقافي الياباني الذي يقام هذا العام للمرة الأولى على عرض للأوبرا، إلى جوار عدة نشاطات ثقافية أخرى.
نفدت التذاكر التي كانت توزع مجانياً قبل أيام من العرض، وعلى على الرغم من ضخامة المسرح امتلأ قبل فترة طويلة من بدء الحفلة بجمهور من الرجال والنساء والأطفال، في البلد التي لا تسمح في العادة بالاختلاط في الكثير من الأماكن.
يؤكد الملحن خالد العليان الذي تعامل في وقت سابق مع كبار الفنانين أمثال أحلام وعبدالمجيد عبدالله على أن السعوديين يعشقون الموسيقى.
يقول لرصيف22: "تضم السعودية العدد الأكبر من المطربين في الخليج، كما أن سبعة من كبار المطربين الخليجين هم من السعودية، وتتواجد أهم ثلاث شركات إنتاج فنية في الرياض وجدة، وفي كل حفلة خارجية، يكون معظم الحضور من السعودية".
ويضيف :"أكثر من 12 ألفاً حضروا حفل محمد عبده في جدة، و8 آلاف حضروا حفلته في الرياض، وتكرر الأمر في حفلات راشد الماجد ورابح صقر، وأعتقد أن هذا أكبر دليل على تعطش السعوديين للموسيقى".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...