حين ترون لقب "دكتور" قبل الاسم المكتوب أمامكم ليس معنى هذا أن صاحبه يحمل درجة الدكتوراه الجامعية في مجال أكاديمي محدد، فربما لم يحصل بعد على الشهادة المتوسطة، لكنه في الوقت نفسه قد يكون أحد الذين منحوا درجة الدكتوراه الفخرية من إحدى الجامعات العربية أو الأجنبية.
بات منح الدكتوراه الفخرية في الجامعات العربية ظاهرة تستوجب التوقف عندها، خاصة أن كثيراً منها يحمل بين ثناياه معاني التملق والنفاق السياسي للشخصية الممنوحة تارة، والابتزاز للحصول على منح ودعم مادي للمؤسسة المانحة تارة أخرى. فهل باتت الدكتوراه الفخرية أحد أذرع الابتزاز الدبلوماسي الحديث؟
شروط مع إيقاف التنفيذ
الدكتوراه الفخرية هي درجة شرفية تُمنح لشخصيات عامة لها حيثية علمية أو ثقافية أو أدبية أو سياسية أو مجتمعية، تقديراً لدورها في خدمة المجتمع، بصرف النظر عن التخصص العلمي أو الشهادة الدراسية أو مجال عمل تلك الشخصيات، ويعود تاريخها إلى العصور الوسطى حيث منحت أول درجة دكتوراه فخرية في العالم لـ"أسقف سالزبوري". هناك شروط عدة يجب أن تتوافر في كل من الجهة المانحة للدكتوراه الفخرية من جانب، والشخصية التي تمنح الشهادة من جانب آخر. فلا بد أولاً من أن تكون الجهة المانحة، سواء كانت جامعة أو معهداً أو مؤسسة تربوية أو أكاديمية، لها الحق في منح هذه الشهادات من خلال نص واضح في قانون إنشائها، مع العلم أنه لا بد أن يكون للجهة المانحة حق منح درجة الدكتوراه العلمية الأكاديمية التقليدية، ثم بعد مرور عدة سنوات من منحها الدرجة يمكنها الحصول على ترخيص لمنح الدكتوراه الفخرية. أما بخصوص الشخصية التي تُمنح الشهادة فلا بد أن تتمتع بمميزات خاصة تؤهلها لنيل هذه الدرجة، وأن تكون لها سيرة ذاتية محمودة في مجال العطاء الإنساني أو الأدبي، أو الثقافي أو المجتمعي، أو العلمي، وأن تكون شخصية عامة ومعروفة ولها حضور ومصداقية وثقة لدى الجميع. كما يحق للجامعة أن تسحب درجة الدكتوراه من الشخص الممنوح لأي سبب من الأسباب على عكس الدكتوراه العادية، كما فعلت جامعة الخرطوم حين سحبت الدرجة من العقيد معمر القذافي، وكانت قد منحته إياها نتيجة مساهمته في بناء عدد من الأبنية التعليمية والقاعات داخل الجامعة.أنواع الدكتوراه الفخرية
تتعدد أنواع الدكتوراه الفخرية وفق الأسلوب والآلية التي تمنح من خلالها، كذا الهدف من وراء منحها، إلا أنها تتمحور في مدرستين رئيسيتين: الأولى، المدرسة النفعية: وهي المدرسة الأمريكية التي تعتمد في المقام الأول على منح درجة الدكتوراه الفخرية لعدد من الشخصيات العامة ذات المراكز المرموقة بهدف دعم المؤسسة المانحة مالياً، أو من خلال تبني بعض البرامج التعليمية والتربوية داخل المؤسسة، ما يخفض من أعباء المؤسسة المادية والتكاليف المنفقة من جانب، ويثري خزانتها من جانب آخر، وهذا النموذج هو المعمول به في عدد من الجامعات الأمريكية الحكومية ومعظم الجامعات الخاصة. أما المدرسة الثانية فهي المدرسة التقديرية، المعمول بها في معظم جامعات دول أوروبا، حيث يتم تحديد عدد محدد من الأشخاص كل عام لمنحهم هذه الدرجة وفق تقاليد جامعية معروفة. ولا تمنح الدكتوراه هنا إلا لشخصيات ذات حيثية علمية أكاديمية أو متميزة في المجالات العقلية والثقافية والأدبية والفنية، ومن ثم تسمح هذه الجامعات الأوروبية للحاصلين على الدكتوراه الفخرية بالانضمام إلى فريق عمل الجامعة والقيام بالتدريس فيها كونهم من الشخصيات المرموقة التي تشرّف الجامعة بأن ينتسبوا إليها. ومن مميزات المدرسة الأوروبية في الدكتوراه الفخرية أنها لا تحبذ منح الدرجة للقيادات السياسية التي تلعب دوراً مؤثراً في المشهد السياسي العام من خلال وجودها على رأس السلطة في أي بلد ما، تجنباً للحرج أو التملق السياسي. إلا أن هذه القواعد لا يتم الالتزام بها بشكل كامل، وهو ما يتضح بصورة أو بأخرى في إعطاء بعض الجامعات الأوروبية الدرجة لبعض الرؤساء الحاليين، كما فعلت جامعة "كورفينوس" المجرية حين منحت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي درجة الدكتوراه الفخرية عام 2015.الزعماء العرب يتصدرون
بالرغم من تحفظ العديد من المؤسسات التعليمية والتربوية الأوروبية والأمريكية في منح الدكتوراه الفخرية للشخصيات السياسية التي لا تزال على رأس السلطة، إلا أن الوضع في الجامعات العربية يختلف بصورة كبيرة، فيلاحظ أن هناك حالة من الإفراط في منح هذه الدرجة للملوك والرؤساء. وتتصدر جامعة القاهرة قائمة الجامعات العربية الأكثر والأقدم منحاً لهذه الدرجة، حيث تعود أول درجة منحتها الجامعة إلى 8 مارس 1980 حين منحت رئيس الولايات المتحدة الأسبق تيودور روزفلت الدكتوراه الفخرية، في حين بلغ عدد من تم منحهم هذه الدرجة بحسب الكتاب التذكاري للجامعة 90 دكتوراه فخرية في العديد من المجالات، منها 21 للملوك والرؤساء.ومن أبرز الحاصلين على الدكتوراه من الزعماء، الملك فاروق الأول في 1939، الدكتور محمد مصدق رئيس وزراء إيران عام 1951، الملك محمد الخامس ملك المغرب في 1960، محمد ظاهر شاه ملك أفغانستان في 1960، شارل حلو رئيس لبنان وذلك عام 1965، فاليري جسكار ديستان، رئيس فرنسا عام 1975، جعفر النميري الرئيس الأسبق للسودان في 1982. الأديب العالمي نجيب محفوظ في 1989، وجيس جاكسون رئيس الولايات المتحدة الأمريكية في 1989، والزعيم الإفريقي نيلسون مانديلا رئيس جنوب إفريقيا في 1990، والملك سلمان بن عبد العزيز العاهل السعودي في 2016. ثم تأتي الجامعة الأمريكية بالقاهرة في المرتبة الثانية ضمن قائمة الجامعات الأكثر منحاً للدكتوراه الفخرية برصيد نحو 73 شهادة لعدد من الشخصيات في مختلف التخصصات. وكان أول من حصل عليها رائد الهندسة المعمارية البيئية بالعالم الدكتور حسن فتحي عام 1984، وآخرهم الموسيقار عمر خيرت في فبراير 2015. أما لبنان فجاء في المرتبة الثالثة من حيث الدرجات الممنوحة، لا سيما الجامعة اللبنانية والجامعة الأمريكية، ومن أبرز الأسماء التي تم منحها الدكتوراه الفخرية، شاه إيران محمد رضا بهلوي عام 1975، ومحمد خاتمي 2003، محمود أحمدي نجاد في 2010. أما الشخصيات العامة فكان أبرزهم: طلال سلمان، صاحب ومؤسس جريدة السفير اللبنانية، ورياض سلامة حاكم مصرف لبنان، إضافة إلى الفنانتين المصريتين فاتن حمامة في 2013، ويسرا في 2016. ثم جاءت الجامعات الأردنية في المرتبة الرابعة، تتصدرها الجامعة الأردنية وجامعة اليرموك، ومن أبرز الأسماء التي منحت الدرجة: الملك الحسين بن طلال عام 1965، الأميرة منى الحسين في 2009، الدكتور عبد السلام المجالي في 2014، والأمير الحسن بن طلال.لماذا يحصل الملك سلمان بن عبد العزيز، عاهل السعودية، على 9 شهادات دكتوراه فخرية؟
باب للتربح والابتزاز
"كلما كانت الجامعة ذات قيمة ومكانة مرموقة ولها صورة ذهنية متميزة، حرصت أن تكون دوافع منحها للدكتوراه الفخرية لشخصية من الشخصيات مقنعة للرأي العام". بهذه الكلمات استهل الأستاذ الدكتور صفوت العالم، خبير العلاقات العامة بجامعة القاهرة، حديثه معلقاً على ظاهرة الإفراط في منح درجة الدكتوراه الفخرية من مختلف المؤسسات التعليمية العربية. وأضاف العالم لرصيف22 أن بعض الجامعات تلجأ لمنح هذه الدرجة لشخصيات بعينها بهدف الحصول على مقابل مادي لا سيما المؤسسات غير المعروفة وهو ما يفسر انتشار الأخبار المتداولة بين الحين والآخر لأسماء حصلت على هذه الشهادة من جامعات لا يسمع أحد عنها. وتابع: "تعرضت أنا شخصياً خلال رئاستي لقسم الإعلام بإحدى الجامعات الخاصة بالإمارات بعرض مقدم من رئيس الجامعة طلب فيه أن أرشحه للحصول على الدكتوراه الفخرية من الجامعة مقابل مبلغ من المال يقدمه لي وللجامعة في الوقت نفسه، وهو ما قابلته بالرفض التام، وكان إنهاء التعاقد معي هو الثمن. وأضاف أن بعض الجامعات العربية تعقد صفقات مع عدد من رجال الأعمال أو السياسيين للحصول على دعم مادي نظير منحه الدكتوراه، مستشهداً بجامعة الخرطوم التي منحت القذافي الدرجة مقابل بناء بعض مباني الجامعة.نفاق سياسي
الدكتوره سميرة موسى، أستاذة الصحافة بجامعة كفر الشيخ، أشارت إلى أن كثيراً من الدرجات الممنوحة تندرج تحت مسمى "التملق السياسي" خاصة تلك التي تعطى لملوك ورؤساء وهم في السلطة، وتساءلت: ماذا قدم الملك سلمان بن عبد العزيز، عاهل السعودية، ليحصل على 9 شهادات دكتوراه فخرية؟ منوهة بأن الإجابة ستتضح بصورة كبيرة حين نعرف أسماء الجامعات والبلدان التي منحته الدرجة. وأضافت لرصيف22 أن بعض الجامعات ترفض منح أي شخصية سياسية درجة الدكتوراه الفخرية تجنباً للوقوع في شبهة المجاملة، كما هو الحال في جامعة الإسكندرية التي اتخذت قراراً بمنع منح أي درجة علمية لأي شخصية سياسية بصفة عامة ومن هم على رأس السلطة بصفة خاصة. وطالبت موسى بضرورة تقنين منح الدكتوراه الفخرية نظراً لفقدها الكثير من قيمتها جراء الإفراط في المنح لشخصيات لا تستحقها على الإطلاق، داعية إلى إعادة النظر في الشروط الواجب توفرها لمنحها، ولافتةً إلى أن معظم زعماء العرب خلال العقدين الأخيرين يمتلكون هذه الدرجة...
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...