أيام سوداء في انتظار العرب والمسلمين "المرعوبين" من خطوات ترامب الأولى داخل أروقة البيض الأبيض الذي سيدخله في 20 يناير الجاري، مقابل فوائد جمة ستجنيها إسرائيل التي سيعتبر الرئيس الأميركي المنتخب أعداءها أعداءه، وقد يدعم "الوحشية" الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية. كان هذا ملخص ما ذهب إليه المستشرق والباحث الإسرائيلي المخضرم "مردخاي كيدار" في مقاله المنشور على موقع "ميدا" العبري بتاريخ 14 يناير 2017، تحت عنوان "العالم الإسلامي يخشى ترامب"، استعرض فيه ما وصفه بحالة "الذعر" العربي والإسلامي من السياسات المرتقبة للرئيس الأميركي. وفي هذا المقال يستعرض "كيدار" ثمانية أسباب قال إنها تمثل قاعدة للمخاوف العربية والإسلامية من ترامب، والتي تبدو واضحة على حد زعمه في وسائل الإعلام العربية، يتعلق أحدها بإسرائيل التي قد تنجح بواسطة الرئيس الأميركي الجديد ليس فقط في إجبار العرب على معاهدة سلام، بل في فرض ما أسماه بمعاهدة استسلام. وهنا نص المقال:
مَن يتابع وسائل الإعلام العربية يجذب انتباهه أن انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة يمثل للكثيرين في العالم العربي والإسلامي كابوساً تحقق. كلما اقترب اليوم الذي يمسك فيه ترامب بمقاليد الحكم فعلياً، يتزايد الرعب ويسيطر على الكثيرين منهم.
هناك محاولة لإخفاء الخوف من ترامب، لأن إبداء الخوف أمر مهين، لكن من ينصت جيداً لما يقوله متحدثون بلغات الشرق الأوسط لا يمكنه التخلص من الانطباع الذي يؤكّد أن الكثيرين يتحدثون انطلاقاً من الشعور بخوف قوي وقلق عميق.
هذا الخوف ناجم عن عدة عناصر تزيد من حدته. أهمها الشائعات حول تقارب الأفكار السياسية وحتى الشخصية بين ترامب وبوتين، وقد أثبت الأخير بتدخله في سوريا أن ليس له قيود أو حدود. ليس لدى بوتين مشكلة في قصف مدن بوحشية وسحقها على رؤوس سكانها أطفالاً ونساء وشيوخاً دون أن ينصت لأحد في العالم، وإن كان مجلس الأمن الذي تملك روسيا فيه حق النقض ومن خلاله تعرقل أي قرار يعارض الطريقة الوحشية التي تتعامل بها مع كل من يعترض طريقها.
مسألة أخرى هي الاتفاق مع إيران، فرغم أنهم في السعودية ودول الخليج وكذلك في إسرائيل يحدوهم الأمل في أن يلغي ترامب أو يعلق أو يعدل الاتفاق النووي الذي دفع أوباما القوى الغربية إليه، فإنهم في دول الخليج قلقون من أن تكون الولايات المتحدة وحدها في هذا المضمار، بينما تواصل الدول الموقعة عليه، بريطانيا، فرنسا، روسيا، الصين وألمانيا، تطبيقه وضخ الأموال لآلة الحرب والإرهاب الخاصة بنظام آية الله، ليُحيّدوا بذلك نوايا ترامب.
كذلك يخشى الزعماء العرب في الخليج من إعلان ترامب نيته التركيز على الشؤون الأمريكية، والامتناع عن التدخل في الصراعات بأنحاء العالم. وهو الإعلان الذي يسمح للإيرانيين بالاستمرار في أفعالهم بلا توقف، كتورطهم في اليمن والعراق وسوريا ولبنان ودول أخرى. وتمثل الأقليات الإيرانية والشيعية بدول الخليج تربة خصبة لأنشطة تخريبية ضد سلطات تلك الدول.
عندما يتحدث باحث إسرائيلي عن الكابوس الذي سيعيشه المسلمون والعالم الإسلامي عند استلام ترامب للحكم..يُنظر أيضاً إلى نقل السفارة الأمريكية للقدس الذي يتحدث عنه ترامب كخطوة إشكالية للغاية في عيون الكثير من المسلمين والعرب، لأن أي تحسن في مكانة القدس تحت السيطرة الإسرائيلية ينطوي على فشل الدول العربية والإسلامية في محاولتها إخضاع إسرائيل، والقضاء عليها كما يتمنون. يخاف الجيران العرب والمسلمون من إسرائيل قوية للغاية، إلى درجة أن تفرض على جيرانها معاهدة سلام أو الأفضل القول: معاهدة استسلام يضطرون بموجبها للاعتراف بطابعها اليهودي والاعتراف بفشلهم على مدى سنوات عديدة تخللتها الكثير من الحروب. دعوة نتنياهو لحضور حفل تنصيب ترامب يُنظر لها في العالم العربي والإسلامي كصداقة عميقة بين اثنين من أعداء العرب والإسلام، صداقة لا يمكن أن يحدث بفعلها أي شيء إيجابي، لكن مَن يريد أن يرى انهيار إسرائيل؟
الاحتفالات تنتهي أحياناً
بشكل مواز لما يحدث في الشرق الأوسط، هناك أيضاً مخاوف لدى المسلمين المقيمين بالولايات المتحدة، المواطنين والمهاجرين الذين لم يحصلوا بعد على الجنسية. هؤلاء يتخوفون من أن تصبح الحياة في الولايات المتحدة أصعب خلال فترة ترامب. يخشى الكثيرون من المسلمين الذين يعيشون في الولايات المتحدة بسلام وسكينة من عودة الدين الإسلامي إلى قائمة الأشياء المشبوهة التي يتعيّن التحقق منها في جميع وكالات التحقيق الفيدرالية والمحلية، ومن أن يُزج بالناس في السجن أو يُطردوا خارج البلاد إذا ما كتبوا فقط أو قالوا في وسائل الإعلام والميديا الاجتماعية شيئاً يمنح الأذرع الأمنية الأمريكية سبباً للنيل منهم. الكثير من المسلمين في الولايات المتحدة يتخوفون من زرع أجهزة تنصت واستماع في مساجدهم وبيوتهم، وتعقبهم في الشوارع وتفتيش أعمالهم التجارية، ومن التحقيق في تبرعاتهم والشكوك التي ستوجه إليهم كشركاء للإرهاب، فقط لأنهم يصلون خمس صلوات يومياً، ويأكلون "الحلال" ولا يحتسون الخمور. لكن مخاوفهم الكبرى تكمن في تنامي الأجواء المعادية للإسلام التي تتطور بسرعة في الشارع الأميركي، والتي يؤججها ترامب من وجهة نظرهم. هذه الأجواء ستهينهم وتذلهم، ويمكن أن تؤدي أيضاً إلى اندلاع عنف ضد المسلمين، لا سيما من قبل قوميين أميركيين متطرفين ممثلين بمنظمات مثل كو كلوكس كلان، التي استمد أعضاؤها زخماً كثيراً من فوز ترامب. يتحدث كثير من المسلمين اليوم عن خوف الناس منهم، ورفضهم الإقامة بجوارهم، وعن تمييز فج ضدهم في كل ما يتعلق بالقبول في العمل. ملايين المسلمين في إفريقيا وجنوب ووسط أميركا ممّن أملوا في الوصول خلال مرحلة ما من حياتهم إلى "الأرض الموعودة"، أي أميركا، قلقون الآن. يدركون أن حديث ترامب عن تقليص الهجرة الإسلامية للولايات المتحدة يعني أنهم سيظلون إلى الأبد في بلدانهم التي تسير بصعوبة في أفضل الأحوال، وفي الأحوال العادية تشكل ساحات للدم والنار، يعاني أهلها من العنف، والحروب والإهمال وانعدام الأمل والحياة الطبيعية. إغلاق أبواب الهجرة الإسلامية للولايات المتحدة يسبب إهانة كبيرة، لأن مَن خابت آمالهم في الهجرة، يشعرون أن الولايات المتحدة تعاملهم كبشر أقل شاناً وخطيرين. كذلك في قلوب بعض الحكام العرب من أصحاب البترو-دولارات الوفيرة مثل أمير قطر، شعور بقلق بالغ من تراجع قدرتهم على شراء سياسيين أمريكيين والتأثير على اتخاذ القرارات بالولايات المتحدة من خلال أموالهم الكثيرة. احتفالات "الإخوان المسلمين" ضمن طاقم البيت الأبيض ووزارة الخارجية على وشك الانتهاء، وكل المسلمين الذين أحاطوا بأوباما وطاقمه سيضطرون للبحث عن طرق أخرى، ربما سرية، للإمساك بالخيوط السياسية ومحاولة التأثير على قرارات ترامب. سوف يشكو الكثير من المسلمين في الولايات المتحدة من "الإسلاموفوبيا"، وربما نرى أيضاً رحيل مسلمين من الولايات المتحدة إلى دول صديقة أكثر لهم كبريطانيا وكندا. خلاصة القول أن ترامب، حتى قبل دخوله البيت الأبيض، نجح في تعكير الأجواء لدى الكثير من المسلمين والعرب الذين ينظرون إلى الأربع وربما الثماني سنوات المقبلة مثل كابوس ستكون توقعاتهم بانتهائه كبيرة وعميقة، وتشمل الكثير من المجتمعات في الشرق الأوسط وما وراءه. وكيف سيؤثر كل ذلك على إسرائيل؟ بشكل عام، عندما يخشى العرب والمسلمون شيئاً ما، فإن ذلك الشيء مفيد لإسرائيل. يكفي أنهم سيبدأون في التعامل مع الولايات المتحدة على محمل الجد، الأمر الذي أنهاه أوباما، ليتحسن وضع إسرائيل. يخشى العرب والمسلمون أن يبيع ترامب السلاح والتكنولوجيا المتطورة لإسرائيل، ويدافع عن إسرائيل في ما يتعلق بالقضية النووية، ويؤيد السيطرة، وربما حتى الوحشية الإسرائيلية، ويردع أعداء إسرائيل ويميل إلى اعتبارهم إرهابيين وأعداء للولايات المتحدة. كل هذه الخطوات تضع إسرائيل في مكانة عالية للغاية في عيون المتآمرين ضدها. هل لهذه الترقية ثمن؟ على الأرجح نعم. *مردخاي كيدار مستشرق ومحاضر بقسم اللغة العربية بجامعة "بار- إيلان"، وباحث مشارك بمركز بيغن- السادات للدراسات الإستراتيجية في الجامعة نفسها، وضابط سابق بشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان).رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...