مالا فتاة من قرية صينية لا يتجاوز عمرها أربعة وعشرين عاماً.
بدأت في البحث عن فرصة عمل في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبعد قليل من الحيرة وقع اختيارها على مصر.
فالفيزا متوافرة ونفقات السفر مناسبة إلى حد كبير مقارنة بالسوق الاستهلاكي الضخم الذي تتمتع به البلد الكبيرة والمأهولة بالسكان.
ساعد مالا على قرار السفر بعض أصدقائها الذين سبقوها إلى مصر لبيع المنتجات الصينية في الشوارع المصرية، بعدما قصوا لها أن العمل متاح والسكن كذلك.
اشترت بضاعتها الصينية المكونة من مجموعة من الملابس لأعمار مختلفة، وبعض كماليات المنزل كأغطية السرير والمناشف، واتجهت إلى مصر لتكون نواة تجارتها الصغيرة.
التقيناها في منزل إحدى زبوناتها في القاهرة.
دخلت البناء محملةً بالأغطية والملابس، لا تعرف السكان، لكنها تطرق على الأبواب مستخدمة كلمات من اللهجة المصرية تعلمتها خلال السنوات الخمس التي أمضتها في المدينة: "واحد صيني بيبيع حاجات".
إذا دخلت، افترشت الأرض، كما اعتادت أن تفعل الدلالة المصرية قديماً وفردت بضاعتها محاولة إقناع الزبونات.
"معايا حاجات للعروسة، معايا لبس للبيت، معايا هدوم للبيبي"، تقول مالا لربة المنزل. تفرح أساريرها إذا ما رأت شابة في سن الزواج في المنزل، فالعازبات هن اللواتي يبحثن عن بضاعة رخيصة لجهازهن.
تبدأ السيدات بمفاوضتها بشأن السعر. وقد تعترض مالا أحياناً قائلة للزبونة بلهجة مصرية: "كفاية فصال.. إنت بتخميني؟".
كيف يدخل الباعة الصينيون إلى مصر؟
مالا هي واحدة من آلاف البائعات الصينيات اللاتي دخلن مصر من باب السياحة واستقررن فيها. وقد حمل مؤتمر للصحفيين الأفارقة فى بكين تصريحات مفادها أن حوالي 100 ألف سائح صيني دخلوا مصر في الربع الأول من عام 2016، وارتفع العدد في الربع الثاني ليبلغ 200 ألف. أما حجم التبادل التجاري بين الدولتين فقد بلغ 12 ملياراً و250 مليون دولار قبيل عام 2016، وفقاً لتصريحات نشرتها صحيفة اليوم السابع المصرية، وبيانات نقطة التجارة الدولية التابعة لوزارة التجارة والصناعة، وإحصاءات السفارة الصينية فى القاهرة. بالطبع لا يأتي كل السياح إلى مصر بغرض الاستقرار والعمل، لكن عدداً منهم، كمالا يفعل ذلك. وعلى الرغم من عدم وجود أي إحصاء رسمي بشأن عددهم بسبب عدم شرعية إقامتهم، فإن بعض السكان يعتقدون أن عددهن يصل إلى الآلاف.لماذا يحب الصينيون العمل في الصعيد؟
العاصمة ليست الخيار المفضل لدى غالبية البائعات الصينيات. فكمية البضاعة الصينية والبائعات الصينيات في المدينة التي يتجاوز عدد سكانها والمحافظات الملاصقة لها الـ22 مليوناً، عصيّان على الإحصاء والعد. لذا يسافرن إلى المدن التي يتركها سكانها لصعوبة العيش فيها، كمحافظات الصعيد والوجه القبلي، وهي مناطق تتسم بالفقر وشح فرص العمل، وصعوبة الحياة بسبب مناخها الحار وسوء الخدمات التعليمية والصحية. ففي الوقت الذي يترك الكثير من الشباب هذه المناطق بحثاً عن فرص عمل في العاصمة والمدن الكبرى، يبقى لهن مكان شاغر. في البدء، تثير لهجتهن المصرية فضول السكان. ثم تجد بضاعتهن الرخيصة استحسان الزبائن: فالمنتجات الصينية، أو المستوردة بشكل عام، لها شعبية كبيرة في الأسواق، لا سيما تلك المنخفضة السعر."أخلاقهن عالية، وبضائعهن جيدة، وأسعارهن أفضل من المحلات".. عن الدلالات الصينيات في القاهرة
عجائب شوارع القاهرة الشعبية: "دلالات" صينيات يتحدثن بالعامية المصرية
شعبية صينية في الأحياء الفقيرة
تسكن مالا مع صديقاتها الست في شقة في مدينة نصر بالقاهرة، يتقاسمن بدل إيجارها المرتفع نسبياً، فهي تقع في منطقة متوسطة، أو على الأقل، أكثر ثراء من مناطق معظم زبائنها. فهي تقصد الأحياء الشعبية كل صباح، ولا تبرحها حتى العاشرة مساءً: شبرا، إمبابة، بولاق والمطرية. تتجول مالا طوال اليوم، وعلى ظهرها حقيبة كبيرة. تصعد سلالم يكاد يتكسر بعض درجاتها من رقة الحال المادي لأصحابها. قلما تُغلق الأبواب في وجهها، فللبائعات الصينيات شعبية في تلك الأحياء. ترفض ماجدة علي (41 عاماً) التي تعمل موظفة حكومية إدخال مندوبي المبيعات إلى بيتها، بسبب تدهور الوضع الأمني، لكنها تتعامل مع البائعات الصينيات وترحب بهن دون خوف، بعدما اكتسبن مع الوقت سمعة طيبة تساعدهن على البيع أكثر فأكثر. "أخلاقهن عالية، وبضائعهن جيدة جداً، وأسعارهن أفضل من المحلات"، تقول علي لرصيف22.البائعات الصينيات وأصحاب الدكاكين
تقول مالا وزميلاتها إن عملهن تأثر بسبب الأزمة الاقتصادية التي ضربت مصر. وهذا ما جعل زبوناتهن لا يشترين إلا بعد الكثير من التفاوض، قد تخسر البائعات بسببه ربحهن القليل. هي تحاول ادخار المال لترسل جزءاً منه لأسرتها في الصين، فيما تستخدم الباقي لشراء بضاعة جديدة، تأتي بها إحدى زميلاتها القادمات من بلدها. لكن مالا وزميلاتها تسببن بأزمة مرشحة للنمو، وقد شعر بثقلها أصحاب المتاجر والدكاكين في الأحياء الشعبية. يقول شريف محمد (35 عاماً)، وهو بائع مصري بحي شبرا الشعبي في القاهرة، إنه يستاء لدى رؤية البائعات الصينيات وهن يترددن على البيوت بالقرب من المخصص لبيع الملابس والمفروشات. هن، برأيه، يسرقن زبائن منطقته، في ظل تراجع حركة البيع والشراء والحالة الاقتصادية المتعثرة. ثم يؤاسي نفسه قائلاً: "أرزاقنا وأرزاقهن بيد الله". تقول مالا إن أسعد لحظاتها في القاهرة هي حينما تدخر مالاً يكفي لتناول وجبة صينية مع صديقاتها في أحد المراكز التجارية. فهي رغم محاولات اندماجها في المجتمع المصري، لم تتعود النكهات المحلية. تسير في شوارع القاهرة بلا خوف، لا يقلقها التحرش المتفشي في المدينة. "أهل مصر أذكياء، ويعرفوا إننا بنعرف ندافع عن نفسنا كويس. وعشان بيشوفوا أفلام الكونغ فو بيفتكرو إننا نقدر نضرب ونطير"، تقول ضاحكة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 20 دقيقةرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحبيت اللغة.