شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
الحلزون التونسي يملأ الموائد الأوروبية

الحلزون التونسي يملأ الموائد الأوروبية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

اقتصاد

الأربعاء 28 يونيو 201712:48 ص

قد لا يبدو الحلزون طبقاً مألوفاً في الموائد العربيّة عموماً، والتونسيّة خصوصاً، ولكنّ الإقبال على هذا الحيوان الرخوي في المطاعم الأوروبيّة حوّله من كائن منبوذ وبريّ إلى مصدر للثروة واستثمار مربح، توليه الدولة التونسيّة اهتماماً بالغاً في جهودها لتوفير فرص العمل والحدّ من البطالة. هذا القطاع الجديد الذي اندفعت السلطات الرسميّة إلى دعمه وتشجيعه تحوّل اليوم إلى أحد أهمّ الاستثمارات المغريّة وإلى مصدر محترم للعملة الصعبة.

بداية متواضعة 

كانت بداية هذا القطاع العام 2003 ببادرة فردية من أحد المستثمرين، الذي استطاع حينذاك أن يجد موطئ قدم في السوق الأوروبيّة، وهذا ما لفت انتباه الدولة إلى هذه التجربة ودفعها إلى تشجيعها ماديّاً ولوجستيّاً بغية تطوير هذا القطاع الجديد والواعد. وقد عمدت إلى سنّ جملة من التشريعات بغية تشجيع المستثمرين وخصوصاً الشبّان منهم على التوجّه نحو هذا القطاع عبر إنشاء مدارس تكوينيّة لطرق تربية الحلزون وتوفير دعم ماديّ لأصحاب المشاريع يناهز 10% من قيمة المشروع، بالإضافة إلى تسهيل استيراد أمّهات الحلزون والحاضنات والأعلاف المركّزة وإعفائها من بعض الموجبات.

بفضل هذه التسهيلات، تطوّر هذا القطاع فبلغ عدد المزارع الخاصّة بإنتاج الحلزون الستّين بحلول العام 2013. وتنتشر مزارع تربية الحلزون خصوصاً في المناطق الممطرة من البلاد في الشمال والشمال الغربيّ، حيث تتوفّر البيئة الملائمة لتفريخ هذه الرخويّات، إذ تعد جهات جندوبة وباجة وماطر من المناطق الملائمة جداً لجمع الحلزون. وتختلف الكميات المجمّعة حسب الفصول والسنوات، وذلك نتيجة دورة النمو الطبيعية لهذا الكائن، والإطار التشريعي الذي يحاول الحفاظ عليه من الجمع العشوائي والجائر.

ويصل الإنتاج إلى ذروته في شهري يونيو ويوليو في حين يكون تقريباً منعدماً في شهري ديسمبر ويناير. علماً أن القانون التونسيّ المنظّم لهذا القطاع يمنع جمع الحلزون في مارس وابريل ومايو، وهي فترة تزاوج هذا الحيوان.

أمّا عن كلفة تجهيز المزرعة والمحاضن الخاصّة بتربية وإنتاج هذا الصنف من الرخويات، فهي لا يتجاوز 40 ألف دولار كحدّ أقصى، وهو ما يمثّل ميزة مهمّة للراغبين في بعث استثماراتهم الفلاحيّة الخاصّة.

 

يبدو المستثمر الشاب محمد الماكني، الذي استطاع بعث مزرعة خاصّة لتربية الحلزون، متفائلاً في حديثه لرصيف22 عن آفاق هذا القطاع. يعتبر الماكني أنّ الكلفة المنخفضة لإنشاء المزارع، بالإضافة إلى تشجيع الدولة للمستثمرين الشبّاب خصوصاً، يمثّلان عاملين مهمّين للنهوض بهذه التجربة الجديدة في تونس وتطويرها، لا سيما في ظلّ الطلب العالمي المتزايد على الحلزون. ويؤكد الماكني أنّ الوقت قد حان كي تنتقل تونس من مرحلة التصدير الخام إلى التصنيع لرفع القيمة المضافة لهذا المنتوج، خصوصاً في ظلّ وفرة الإنتاج وسهولة عملية التصبير والتعليب، التي لا تكلّف الكثير من الاعتمادات الماليّة. ويختم بالإشارة إلى انّ البدايات كانت متواضعة سواء على صعيد حجم الإنتاج أو عدد المزارع، ولكنّ ازدياد الطلب في السوق الأوروبيّة، وتوجّه الدولة إلى زيادة دعم هذا القطاع بشتّى السبل، يمثّلان حافزاً مهمّاً لجذب الاستثمارات الجادة، وهذا ما يطمئن إلى مستقبل هذه التجربة التي لا تزال تتلمّس خطواتها الأولى.

الاستثمار "الرخو"

علماً أن بساطة الفكرة والتكاليف لا تعكس البتّة عائدات هذا الاستثمار وارتداداته الاقتصاديّة. عدا أنّ نتائج التطوّر الكميّ والنوعيّ للإنتاج خلال فترة تقلّ عن عشر سنوات كانت مبهرة جداً. فبعد بداية متواضعة في مزرعة يتيمة، تطوّر هذا الاستثمار ليناهز الستيّن مزرعة تشغّل نحو  300 عامل ثابت، وبشكل موسميّ آلاف القرويّين الذين ينتظرون موسم التجميع للعمل في هذا المجال طوال فصل الصيف. وقد بلغ إنتاج تونس السنوي من الحلزون بحسب إحصاء وزارة الفلاحة 900 طن، يتمّ توجيه 80% منه إلى الأسواق الأوروبيّة. وتحتلّ إيطاليا المرتبة الأولى من حيث وارداتها من السوق التونسيّة بنسبة 95%، ويتوزّع الباقي على إسبانيا وفرنسا والبرتغال.

ومعلوم أن فرنسا تتصدر قائمة البلدان الأوروبية المستهلكة للحلزون عموماً، إذ تستورد حوالي 150 ألف طن سنوياً، تليها البرتغال وإسبانيا بـ60 ألف طن ثم اليونان بـ40 ألف طن وإيطاليا بـ38 ألف طن. ومن المنتظر أن يتطور الطلب العالمي الذي لا يقل عن 425 ألف طن خلال السنوات المقبلة. هذا الطلب المتنامي على إنتاج الرخويّات يمثّل دافعاً قويّاً لمواصلة تطوير هذا القطاع، خصوصاً مع الأرباح المهمّة التي توفّرها عمليات الإنتاج.

أمّا بالنسبة لعائدات هذا القطاع، فهو يوفّر للدولة ما يُقارب مليونين ومائتي ألف دولار سنويّاً بالعملة الصعبة، أمّا على صعيد الربح الصافي للمنتجين، فيبلغ هامشه 10% من قيمة المصاريف باعتبار أن سعر البيع لا يقلّ عن 3 دولارات للكيلوغرام الواحد.

تكمن أهمية هذا القطاع الحديث نسبيّاً على خريطة الإنتاج الفلاحيّ التونسيّ في بساطة التكاليف ووفرة الإمكانات الطبيعيّة التي تضمن نجاحه. أما على مستوى التسويق وتوازنات العرض والطلب، فتبدو السوق الدوليّة للحلزون سوقاً شاغرة وتعاني نقصاً حادّاً في هذا المنتوج الذّي تحوّل إلى ما يشبه مصدراً جذّاباً للدخل، بحيث تتنافس دول جنوب حوض المتوسّط على تصديره للسوق الأوروبيّة، خصوصاً المغرب الذي كان سبّاقاً إلى اكتشاف هذه الثروة المنسيّة.

أما تونس، فلا يزال المجال مفتوحاً فيها أمام توسيع إنتاجها وانتزاع حصة أكبر في الأسواق العالميّة، خصوصاً في ظلّ الضغط الاقتصاديّ الذي تعانيه البلاد منذ سنوات، واضطراب الإنتاج في العديد من المنتوجات الفلاحيّة الأخرى على غرار الحليب واللحوم.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image