من سينما "الانطباع الواحد" إلى "الأكثر مشاهدة"
تحمل بوليوود تاريخاً كبيراً مع المشاهد العربي عموماً، والمصري خصوصاً. فقد تناول أكثر من فيلم الشخصية الهندية في عدد من المشاهد، التي ظل بعضها عالقاً في أذهان الجمهور، منها "المهراجا" في "سي عمر و"آخر كدبة"، و"عودة أخطر رجل في العالم"، و"أضواء المدينة"، فضلاً عن شخصية "الممثل الأوفر"، في "طير أنت"، كان غالبها يضع الرجل الهندي في قالب ساخر عن "صاحب الذهب والياقوت والمرجان القادم من بلاد تركب الأفيال". https://youtu.be/pbAJAeW_gJI?t=2259 ما كان يعزز هذه الصورة، الأفلام الهندية التي كانت تعرضها سينما "سهير" في منطقة العباسية، بمعدل 4 عروض يومياً في فترة الستينات، فضلاً عما كان يعرضه التلفزيون المصري من أفلام في عيدي الفطر والأضحى. وكان يدور غالبها حول قصص الرومانسية والأكشن الزائدة عن الحد، قبل أن تشق "بوليوود" طريقها نحو الانتشار والعالمية في أواخر الألفية الماضية، مروراً بالألفية الحالية. https://youtu.be/ZCOuRaJWR8o?t=5717 تنتج مدن مومباي وتشيناي وحيدر آباد وكالكوتا وحدها 1000 فيلم في العام الواحد، بينما تعد مدينة "راموجي" أكبر إستوديو سينما في العالم. فتضم 240 موقعاً للتصوير الداخلي والخارجي، لذا لا تفاجأوا حين تعلمون أن إيرادات أكثر 10 أفلام دخلاً في تاريخ السينما المصرية حتى الآن لم تتعدّ 307 ملايين جنيه (20 مليون دولار)، بينما بلغت إيرادات آخر فيلم للنجم الهندي عامر خان "Dangal 345 مليار روبية (5.3 مليار دولار) في 17 يوماً فقط. يرى ممدوح مطر (28 عام)، أحد المدمنين الكثر على الإنتاج البوليوودي في مصر، أن ما دفعه لمتابعة السينما الهندية هو تناول معظم سيناريوهاتها قضايا الأخلاق وحب الوطن، فضلاً عن جرعة الرومانسية، التي تعطي المشاهد طاقة كبيرة من الأمل في الحياة. كما أنها في الوقت نفسه بعيدة عن الابتذال الموجود في الأفلام العربية خلال الفترة الحالية، على حد تعبيره. في 2015، استضافت إمارة دبي مهرجان الجوائز العربية الهندية "آيبا" بحضور العديد من نجوم بوليوود، في حدث هو الأول من نوعه في المنطقة. وقال منظموه إنه يهدف إلى مد جسور التواصل بين السينما الهندية والملايين من عشاقها في منطقة الخليج العربي والعالم، فضلاً عن الاحتفاء بإنجازات السينما الهندية وتكريم روادها. يضيف ممدوح أن الإنتاج الفني الهندي حقق انتشاراً واسعاً خصوصاً في الوطن العربي، لدرجة جعلته يدخل في المنافسة مع الأعمال الأمريكية، في حجم الإنتاج الضخم والنجوم الكبار والسيناريوهات القوية، خصوصاً في الأفلام الكوميدية والرومانسية، فضلاً عن أداء الممثلين نفسه وتقمصهم الشخصيات بطريقة أقرب إلى الواقع.واستطرد: "عندما شاهدت فيلم My name is khan شعرت أن شاروخان مريض فعلاً بالتوحد، ولم أتقبل أنه شخص طبيعي، حتى أنني أخذت فترة كبيرة لأستوعب شخصياته في الأفلام الأخرى. ليست هناك مقارنة بين منتج مثل هذا وبين ما تقدمه السينما العربية والمصرية حالياً، فتركز الأخيرة على الأعمال التجارية والمشاهد العارية فقط لاستقطاب جمهورها".
الإبهار والاستعراض توليفة جذب المشاهد العربي
بعد الأمريكي والمكسيكي والكوري والتركي، جاء دور المسلسلات الهندية لتأخذ مساحتها في دائرة اهتمام المشاهد العربي، فباتت تغزو معظم الفضائيات العربية، وتتوغل داخل كل بيت، حتى أصبحت لها قنواتها الخاصة، وأبرزها "MBC بوليوود" التي تعرض 6 أعمال، على رأسها "منتهى العشق"، و"جيت" و"من الحب ما قتل"، و"ZEE ألوان"، التي تعرض حالياً "رحلة سالوني"، و"رباط الحب" و"أمير أحلامي"، وغيرها، فضلاً عن الأعمال الأخرى التي تحرص قنوات عربية ومصرية على عرضها حصرياً للدخول في قائمة المنافسة. "لم تكن الدبلجة وحدها سبباً في هذا الانتشار الواسع للدراما الهندية، تضاف إليها الاستعراضات المبهرة والقصص العاطفية، التي تجذب الكثير من الجمهور، كما أن طبيعة الأزياء الهندية تتناسب مع الملابس العربية المحافظة، بينما تضم منطقة الخليج العربي تحديداً العديد من أبناء الجالية الهندية، ما يعد جسراً لنقل الثقافتين"، هكذا تحكي نوال محمد، 60 سنة، التي تحرص على متابعة استمعظم المسلسلات الهندية مع أسرتها. وتوضح نوال أن حرص الدراما الهندية الدائم على تعزيز الارتباط بالأسرة وحبها والتضحية من أجلها هي من العناصر التي دفعتها إلى متابعتها. وهو الأمر الغائب عن المسلسلات العربية، التي توجه تركيزها نحو إبراز قضايا التفكك الاجتماعي والعشوائيات والمخدرات، مؤكدة أنها لا تمل من مشاهدة 200 حلقة من مسلسل هندي لما يمتلكه من إثارة وتشويق غير موجودين في غيره. &list=PLEI6cY1p4K4XY6HOKbRx33nTUE4PyXx3q&index=1 ما يعزز حرص الهند على نشر أعمالها الفنية عربياً، تقديم سفيرها في القاهرة سانجاي باتاتشاريا مذكرة تفاهم إلى رئيس التليفزيون المصري في مارس الماضي، تتضمن تبادل مواد تليفزيونية وخبرات إعلامية بين البلدين، مؤكداً أنه سيتم إهداء مسلسل هندي للتليفزيون المصري لعرضه حصرياً في الفترة المقبلة. يرى معتمد عبدالغني، صحفي مصري، أن المسلسل الهندي الواحد أشبه بكوكتيل مسلسلات، يركز على الخط الدرامي المتفرع والطويل جداً، كما تظهر فيه شخصيات وأحداث جديدة مع تتابع حلقاته، بما يشعرك كأنك تشاهد عملاً مختلفاً كل فترة، لكن بالأبطال أنفسهم، والشخصيات الدرامية نفسها القريبة من الجمهور العربي والمصري، وهذا ما ظهر من متابعة مسلسل "قبول" الذي يحكي قصة عائلة مسلمة في الهند.ويرى معتمد أن انتشار المسلسلات الهندية ناتج أيضاً عن توقيت عرضها، الذي يصادف اجتماع الأسرة على شاشة التلفاز، ما يحقق نسبة مشاهدة عالية.
الهوس بالهندي: موضة شباب وفنانين و"تجارة رابحة"
تخطى شغف الجمهور العربي بالممثلين الهنود حد المشاهدة، فوصل بالكثير منهم إلى وضع صور وأسماء نجمات ونجوم بوليوود كصفحات شخصية لهم، وعلى رأسهم شاروخان، وكاجول، وبريانكا تشوبرا، وشاهد كابور، وأنكيتالوخاندي، وغيرهم. بينما يشارك آخرون الكلمات الرومانسية، وفي خلفيتها نجوم الأعمال السينمائية أو الدرامية الهندية، ويستغل البعض الآخر شهرة مسلسلاتهم وأفلامهم لإنشاء صفحات باسمها وجذب أكبر عدد من المتابعين. هذا الاهتمام جذب العديد من الفنانات العرب إلى "التجربة الهندية". فظهرت أكثر من واحدة مرتدية الساري في مناسبات سابقة، وأبرزهن يسرا، ونانسي عجرم، وأحلام، ودرة، وبلقيس، وآيتن عامر، كما ارتدته النجمة الشابة ياسمين صبري في فيلم "جحيم في الهند"، الذي عرض العام الماضي.واستغل البعض شهرة الدراما والأفلام الهندية في فتح مجال جديد للتجارة، وهذا ما فعلته صفحات الأزياء المخصصة لبيع الساري واللاهنجا والشوريدار والإكسسورات حسب الطلب. تشرح شيماء أحمد لـ"رصيف 22" كيفية مساهمتها في إنشاء أول قسم متخصص في متابعة أخبار "نجوم بوليوود" في الصحافة المصرية: "كنت أعمل على تغطية أخبار الفنانين الهنود، وكنا نجد متابعة كبيرة من القراء، ما دفع رئيس قسمي حينها إلى اقتراح إنشاء قسم متخصص لجذب محبي هذا الفن، وقد توليت مسؤوليته". وتضيف الصحفية في جريدة "الفجر"، أن ما دفع المشاهد إلى الانكفاء عن الشاشة العربية هو بخل شركات الإنتاج في إخراج عمل جيد. فأفلام مميزة مثل "الفيل الأزرق" لا تظهر في السينمات إلا نادراً، لخوف المنتجين من تعرضهم للخسارة، حال تقديم أعمال هادفة. بينما يحرص معظمهم على تمويل أفلام على شاكلة "السبكي" بحثاً عن المكسب السريع بصرف النظر عن جودة المنتج، والأمر نفسه ينطبق على المسلسلات أيضاً. وتستكمل: "الفيلم أو المسلسل الهندي يضم مشاهد رومانسية وأكشن ومناظر طبيعية واستعراضات، فضلاً عن أجيال جديدة من الممثلين الذين يخرجون مواهبهم مع كل عمل جديد، وكل ذلك يدعمه سيناريو قوي وإنتاج ضخم، ما يقرب العمل من مرحلة التكامل الفني". وتضيف: "المشاهد العربي والمصري سيعودان إلى الشاشة قريباً مع اقتراب عرض مسلسلات شهر رمضان التي تسحب البساط من الجميع في كل موسم، لكننا نأمل أن يستمر هذا الحضور طوال العام وليس خلال شهر واحد فقط". ينهي محمد حسين، صاحب مقهى في وسط القاهرة، الحديث عما وصفه بـ"الغزو الفني الهندي"، ويشير إلى عدد من زبائنه المنكبين على مشاهدة أحد المسلسلات الهندية، قائلاً: "زمان كان الواحد فينا بيتريق على التاني ويقول له أنت فاكرني هندي، دلوقتي الهنود هما اللي بيضحكوا علينا، وإحنا اللي بقينا بنركن الفيل تحت باب العمارة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...