تبدلت النظرة إلى دبي، فهي لم تعد مجرد بوابة للتجارة الإقليمة. تسعى دبي اليوم إلى جذب أنظار العالم، بعيداً عن الاقتصاد، وبذلك تتحول إلى واجهة ثقافية رائدة في المنطقة.
بفضل تكاثر المساحات الثقافية فيها، واحتوائها لأكثر من 70 معرضاً سنوياً، أولت دبي اهتماماً أكبر للثقافة، وساعدت في إطلاق فنانين ناشئين على الساحة الفنية. لا يمر يوم دون أن تشهد المدينة فعالية ثقافية ما، بعضها فرض نفسه على أجندة الثقافة العالمية، على غرار "آرت دبي" و"معرض سكة الدولي".
شهدت السنوات القليلة الماضية افتتاح عدد من صالات العرض الفنية المستقلة. في الوقت الحاضر، تحتل مساحتان الوسط الفني في دبي. الأولى هي صالات العرض "التقليدية" في مركز دبي المالي العالمي، والثانية صالات العرض الجديدة نسبياً التي تحمل طابعاً مختلفاً في "السركال أفنيو" في منطقة القوز الصناعية. يضم مركز دبي المالي العالمي أكثر من 10 صالات عرض فنية، في حين أن "السركال أفنيو" يجمع 20 صالة، ويواصل تطوره بسرعة فائقة، مما جعله واحداً من المراكز الفنية القليلة في المنطقة.
ولدت فكرة السركال أفنيو لدى الإماراتي عبد المنعم بن عيسى عام 2007 عندما أراد إنشاء "مجتمع للفنون في منطقة تتعايش فيها مختلف أنواع الأعمال". يشرح عبد المنعم أن "دبي تطورت وتغيرت لتصبح مدينة عالمية في وقت قصير جداً، وأصبحت اليوم مركزاً للأعمال والفنون بفضل صالات العرض الفنية، ومبادرات أخرى مهّدت الطريق أمام الفنانين في الشرق الأوسط". لذلك، أوجدت صالات عرض "السركال أفنيو" بـشخصية جريئة، هدفها استضافة ومتابعة وتبني فنانين جدد.
تنظر أليسيا هاغز Alicia Hughes، مديرة المجموعات الفنية في متحف صلصالي الخاص، إلى "السركال أفنيو" على أنه "مساحة أكثر صناعية، أكثر انفعالاً، وكأنها أشبه بعملية عضوية... فالكثير من صالات العرض لا تتردد في دعم الفنانين الشباب الناشئين، وتجد نفسها مستعدة لمواجهة هذه التحديات".
ساهم الطلب المتزايد في توسيع "السركال أفنيو"، من خلال افتتاح المطاعم والمراكز الفنية، لتتحول الى أكثر من منطقة فنية. يقول عبد المنعم: "نجحنا في جذب جمهور دولي، وأصبحنا مركزاً دولياً للفنون. لم تعد الساحة الفنية في دبي في طور النمو، بل أصبحت قوية بما يكفي لتبني بنيتها التحتية الخاصة".
لا تختلف صالات العرض في مركز دبي المالي العالمي، وفي "السركال أفنيو" من حيث الموقع والإقبال والأجواء فحسب. الاختلاف الأكبر بينها يكمن في أنواع المعارض والفنانين الذين يتم اختيارهم".
يعتبر ويليام لوري William Lawrie، مدير صالة "لوريشبابي" أن "السمعة التي يملكها مركز دبي المالي العالمي، تخلق دافعاً لجعل العروض الفنية أكثر تجارية، ولا أحكم هنا على قيمة المعرض بحد ذاته… الإيجارات فيه ثلاثة أضعاف الإيجارات هنا، إضافة إلى وجود العديد من التكاليف الإضافية التي تُجبر المنظمين على اتّباع مقاربة تجارية، لكننا نخاطر أحياناً". يتابع قائلاً: "من باب الصدفة، تحولنا الى ما يشبه صالة عرض لأعمال فناني الشتات، وهو أمر يمثّل ربما طريقة عملنا. بكل صراحة، أظن أن شخصية صالة العرض يجب أن تعكس شخصية أصحابها".
لا شك أن كل معرض يجذب جمهوراً معيناً. قد لا ينطبق الأمر على صالات العرض في مركز دبي المالي العالمي التي يُمكن الوصول إليها بسهولة، بل على صالات "السركال أفنيو" التي يجب أن تقصدها عمداً.
تقول عبير حنا من صالة عرض "اعتماد" "مؤخراً، بدأ هواة جمع القطع الفنية بزيارة "السيركال أفنيو"، مما يعني أننا أصبحنا على الخارطة الفنية. الأشخاص الذين يقصدون "السركال" هم أشخاص مهتمون فعلاً بالفن، وأعتبر أن مجرد زيارتهم لهذه المساحة الفنية تعكس مدى اهتمامهم بها. الأمر يختلف عن الصالات الأخرى حيث تتناول العشاء، ثم تمر بالقرب من صالة عرض. هنا، لا بد أن تقصد المكان". إلا أنه من الضروري أن نعترف بأن لا مساحة فنية قادرة على التواجد دون الأخرى، وأن كلاً منها استمرارية للأخرى.
ترى عبير أن "مركز دبي المالي العالمي والسركال أفنيو يكمّل كل منهما الآخر" وأن هذا الوضع يصبّ في مصلحة الفنانين العرب، بفضل منحهم الاهتمام الدولي والإقليمي الذي يستحقونه ويحتاجون إليه.
تعرض دبي اليوم أعمال باقة واسعة من الفنانين. أعمال مغتربين عرب لم يشعروا يوماً بالحاجة إلى عرض أعمالهم في وطنهم.
يسمح موقف صالات دبي المحايد بعرض أعمال فنانين قد لا يتمكنوا من عرض أعمالهم في بلادهم، لأسباب اجتماعية وسياسية.
تقول ميني ماك إنتير Minnie McIntyre، مديرة المبيعات والاتصالات السابقة في صالة عرض "إيزابيل فان دين أيند" "في نوفمبر، عرضنا أعمال الفنانة الجزائرية زليخة بوعبد الله. رسمت مشربية خلفها نساء في لباس السباحة شبه عاريات. أثار هذا العمل جدلاً واسعاً وتمكّنت من عرضه هنا في حين لم تكن قادرة على عرضه في أي بلد آخر في المنطقة".
حالما يصبح الفن أساسياً، ويحظى بدعاية جدية وبتقدير واسع، تمتد جذوره وتنتشر. أثبتت دبي أهميتها وموقعها الحيوي على خريطة الفن العالمي، حتى أنها مرشحة لاستضافة اكسبو ٢٠٢٠ Expo 2020 تحت شعار "تواصل العقول… وصنع المستقبل". علّها إذا نجحت، تفوز برهان جديد يُضاف إلى لائحة إنجازاتها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...