عاش السوريون ليلة الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024 كأنهم يلامسون نهاية كابوس امتد ثلاثة عشر عاماً. تتابعت الأخبار ككرة ثلج لا يمكن إيقافها، ومع إعلان سقوط النظام بدا الفرح كبيراً لدرجة لم تستطع القلوب استيعابها. لكنّ الخلاص لم يدخل دمشق وحده؛ دخلت معه رايات جديدة، ومظاهر غريبة عن مدينةٍ عُرفت دائماً بوسطيتها. بدا الأمل لحظتها أقوى من الخوف، لكن الأيام التالية كشفت وجهاً أشد قسوة: اغتيالات، اختطافات، انفجار للأحقاد القديمة، ومجازر طالت مدنيين في الساحل والجنوب، كأن الدم السوري محكوم أن يُراق تحت أي سلطة.
ورغم ذلك، لمع ضوء خافت في المشهد: انفتاح دولي غير مسبوق، استثمارات خليجية بمليارات الدولارات، ورفع للعقوبات، وصور للرئيس الانتقالي في موسكو وواشنطن تعلن عودة سوريا إلى الخريطة. لكنّ كل هذا ترافق مع عودة وجوه فاسدة بثياب جديدة، وصفقات مشبوهة، ومحاولات لإعادة تدوير مجرمي الحرب، كأن البلاد تُختبر بين فرصة الميلاد الجديد واحتمالات إعادة إنتاج الخراب.
بعد عام، لا يملك السوريون إجابات نهائية، لكنهم استعادوا شيئاً أهم من اليقين: القدرة على السؤال. يبقى الأمل قائماً بأن ما بدأ بارتباك وخوف قد يتحوّل، إن أحسن السوريون الاختيار، إلى بداية وطنٍ يُنصفهم أخيراً، ويعيد إليهم ما سُرق منهم طوال عقود.