لم يكن مشهد الضربة الأميركية التي استهدفت قاعدة الشعيرات العسكرية في حمص جديداً بالكامل.
في العام 2014، انشغل العالم بالتحضيرات الأمريكية البحرية لتنفيذ ضربة عسكرية على سوريا، رداً على المجزرة التي وقعت في الغوطة الشرقية، والتي اتهم النظام باستخدام أسلحة كيميائية فيها.
تصاعد الجدل في وقتها حول خطورة مثل هذا التدخل، وحول تبعات الضربة العسكرية، في وقت بدا الداخل الأمريكي، الكونغرس تحديداً، كما الحلفاء غير متحمسين لتنفيذها، ما دفع، بحسب ما وصف أوباما حينها، الإدارة الأمريكية إلى إعادة تقييم "الخط الأحمر".
بعد ذلك، حصلت تسوية تحفظ ماء الوجه للجميع، في وقت تدخلت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لسحب ترسانة النظام، بعدما وقع الأخير على المعاهدة وأبدى تعاوناً في هذا الشأن.
قبل أيام، تجدد السيناريو في خان شيخون في إدلب. وقعت المجزرة الكيميائية، واتهم النظام باستخدام غاز السارين الذي أودى بحياة العشرات وأصاب المئات. بينما نفى النظام المسؤولية بالكامل، ودعت منظمة الحظر إلى انتظار التحقيق، خرجت الإدارة الأميركية ومعها حلفائها ليؤكدوا يقيناً تورط النظام في المجزرة.
إنه الكيميائي إذاً في الواجهة مجدداً، الكيميائي الذي اعتبره ترامب "بشعاً" وفيه "إهانة للإنسانية". هكذا أكد الرئيس الأمريكي أن "موقفه تغير من سوريا" بعد خان شيخون، وأن خطوطاً كثيرة جرى تجاوزها، في إشارة إلى خط أوباما الأحمر.
لوّح ترامب بالضربة، شكك البعض بها، باعتبار أن إدارته شككت قبل أيام بإزاحة الأسد من منصبه، وبالاستناد إلى سياسة ترامب الأساسية "أمريكا أولاً".
لكن الرئيس فعلها، وأمطر قاعدة شعيرات العسكرية، التي يعتقد أنها استخدمت للانطلاق اتجاه خان شيخون كما لتخزين الأسلحة الكيميائية، بـ59 صاروخاً من طراز توماهوك، حسب ما أعلن المتحدث الرسمي باسم البنتاغون جيف دايفيس.
وعلى ما ذكرت "واشنطن بوست"، فإن استخدام توماهوك أتى بسبب عدم تطلبه لطيار في موقع قريب من الهدف المحتمل، إذ أن الصاروخ قابل للإطلاق والاستهداف عن مسافة بعيدة، ما يتيح مساحة آمنة في المواجهة العسكرية، بدل التعرض للدفاعات الجوية.
كما لا تحمل هذه الصواريخ قدرة تدميرية هائلة، وعليه فهي مثالية لتحقيق أهداف من هذا النوع، كتدمير الطائرات السورية الرابضة في القاعدة، كما ذكر الضابط السابق في البحرية كريس هارمر للصحيفة.
دمرت القاعدة بشكل شبه كامل، وعلق ترامب بأن ضرب القاعدة هو في "صميم مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة، لأنها تمنع انتشار واستخدام الأسلحة الكيماوية".
تغير في المعادلة؟
هكذا، حمل فجر اليوم تأكيداً على التحول في مقاربة الإدارة الأمريكية الجديدة حيال الأزمة السورية، وطرح أسئلة عما إذا كان التدخل محدوداً بهذه الضربة، أو يتبعها انخراط فعلي للولايات المتحدة في الصراع؟ صاحبت ضربة الفجر الأمريكية موجة عارمة من الترحيب كان أبرزها من تركيا وإسرائيل وفصائل من المعارضة السورية، التي اعتبرت قرار ترامب انتصاراً للعدالة، في وقت رأى آخرون أنها خطيرة لما ستجره من تعزيز لقوة الجماعات المتطرفة. واستعاد هؤلاء تجربة العراق ومزاعم وجود الأسلحة الكيميائية وما كشفته التجربة لاحقاً عن خراب العراق وزيف وجود الأسلحة. رافق ذلك تأكيد وزير الإعلام السوري محمد ترجمان أن الضربة جاءت محدودة ومتوقعة في الزمان والمكان، مستبعداً أي تصعيد عسكري. مع ذلك، عندما يتعلق الأمر بسياسة ترامب الخارجية، لا يمكن التكهن بجواب مؤكد، لا سيما وأن ضربة الشعيرات تعد أول تدخل عسكري أمريكي مباشر ضد الأسد. لكن المناخ الذي أعقب الضربة، كما الذي سبقها، يشي بصعوبة الانخراط الفعلي حالياً للولايات المتحدة في محاولة إسقاط عسكرية للأسد. وهو ما حمله كلام وزير الخارجية ريكس تيلرسون قائلاً "لا تغيير في الوضع القائم حالياً". وحول هذا الجو مؤشرات عديدة، تحذر من تبعات هذا السيناريو على مختلف الأصعدة، أبرزها خلق فراغ عسكري وسياسي يستفيد منه بشكل أساسي "داعش" و"النصرة".التعقيدات الداخلية
في الجانب الداخلي، تذكر تعقيدات استكمال مثل هذا التدخل بما حصل إبان إطاحة نظام معمر القذافي في ليبيا. عندما حاول أوباما التدخل هناك، ووجه بمعارضة الكونغرس، الأمر الذي دعاه للجوء إلى مجلس الأمن والذهاب إلى الأرض الليبية مع حلف شمال الأطلسي. يعود الإذن بالتدخل في سوريا واليمن والعراق، إلى أيام جورج بوش الذي منحه الكونغرس حق استهداف التنظيمات الإرهابية وحسب. ولكن في ما يخص ضربة اليوم، لم يتضح بعد ما إذا كانت بتشريع من الكونغرس أو لا. لكن بحسب "سي أن أن" فإن ترامب أبلغ أعضاء من الكونغرس بأنه يأخذ في الاعتبار توجيه ضربة عسكرية لنظام الأسد، في حين نقلت مجلة "ذا أتلانتيك" تصريح مسؤول في الإدارة لـ"رويترز" أن الخيار العسكري مطروح على الطاولة. في الداخل كذلك، تعالت الانتقادات بسبب تناقض ما حصل مع تأكيدات ترامب الدائمة على أنه لن يورط بلاده بحروب خارجية مؤذية. من هنا كانت خان شيخون، وصورها المروعة، فضلاً عن تصريحات ترامب بأن "الضربة خدمة لمصالح الأمن القومي" واستحضار الروح الإنسانية واستعادة "ضعف أمريكا" في عهد أوباما، محاولة أساسية للرد على مثل هذه الانتقادات."أزمة مع روسيا" و"تكرار لتجربة العراق"؟
على الصعيد الخارجي، كتبت "نيويورك تايمز" متحدثة عن ثلاثة مخاطر يمكن أن يجرها هذا النوع من التدخل. أولاً، تعد هذه الضربة ذات تأثير مباشر على العلاقات مع روسيا ولا سيما في الجبهة السورية. وسترخي بظلالها على الاجتماع المزمع عقده الأسبوع المقبل بين بوتين وتيلرسون والذي كان مقرراً لمناقشة أزمة التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية. وبينما تولى البنتاغون إشعار روسيا بالضربة قبل تنفيذها، لتأكيد التنسيق المستمر، وصف الجانب الروسي الضربة بـ"العدوان السافر"، معلناً تعليق العمل بالمذكرة الروسية الأمريكية لضمان سلامة التحليقات في سوريا. ثانياً، تعتبر الصحيفة أن تركيز ترامب على الأسد حالياً سيعيقه عن هدفه الأساسي في سوريا، وهو محاربة "داعش" التي تشكل تهديداً أساسياً. وتوضح أن انهيار سوريا، يعني أرضاً خصبة لتعزيز نفوذ داعش، وهو السيناريو الذي يحاربه ترامب. وتنقل "نيويورك تايمز" عن ديفيد بترايوس حديثه عن تجربة العراق، حيث استغلت الجماعات المتطرفة الفراغ السياسي الذي خلقه التدخل العسكري هناك.ثالثاً، يتمثل هذا الخطر بافتقار إدارة ترامب لخطة سلام واضحة ومحكمة في سوريا. كما أن السبب الذي دفعه لاختيار مناسبة تدخله المباشر الأول، بعد 77 يوماً على استلامه الحكم، ليس واضحاً. ففي تصريح سابق للرئيس لم يكن قادراً على تحديد الأسباب التي قد تدفعه للتدخل تماشياً مع شعاره "أمريكا أولاً". وعليه، ترى الصحيفة، أن ثمة ما يشبه الانقسام في فريق ترامب السياسي بشأن توقيت واختيار آلية استخدام القوة الأمريكية، ما يجعل التدخل في سوريا أكثر من عرض رمزي لقوة أمريكا. من جانبها، أعادت مجلة "نيوزويك" التذكير بالعدو الأول لأمريكا، "القاعدة"، التي تفرع منها تنظيمات تحارب بدورها النظام السوري. كما طرحت خيارات عدة أمام ترامب غير التدخل العسكري الذي قد يجر تبعات سلبية ومنها المناطق الآمنة، لافتة إلى أن الظروف تغيرت وازدادت تعقيداً منذ تراجع أوباما عن التدخل العسكري. وعلقت "واشنطن بوست" على واقع أن "الأسد اختبر أوباما. وها هو الاختبار المبكر لترامب يأتي"، لافتة بدورها إلى تعقيد الوضع وخطورته مقارنة بعهد الرئيس السابق. أما صحيفة "الغارديان" فقد اعتبرت أن الضربة "ليست سوى سعي من صانعي القرار في أمريكا للشعور بالرضى عن أنفسهم". كيف ذلك؟ بحسب الصحيفة، فإن ترامب الذي أقفل حدوده منذ فترة أمام السوريين الهاربين من الحرب، يريد أن يقنع الرأي العام بأنه يهتم لأطفال سوريا. حقيقة الأمر، حسب المقال، أن الرئيس مجرد "ممثل سيء". لا يبدو أن لدى الإدارة الأمريكية تصوراً واضحاً لما يجب تحقيقه ولما ينبغى تجنبه. لقد قدمت الضربة على أنها "رسالة إلى النظام"، فهل يعتقد المسؤولون حقاً أن النظام سيستجيب فعلاً؟ وهل أصبح دور الإدارة الأمريكية توجيه الرسائل فقط؟ وفي إطار آخر، تخلص الصحيفة إلى أن الحرب السورية لا يمكن وقفها سوى بتسوية بين الأطراف المختلفة وليس في أطر عسكرية. وإن كانت الضربة تُشعر ترامب بالرضى، لكنها تهدد بتعميق الحرب السورية التي لا تمتلك إدارته أي تصور لكيفية إنهائها.بحسب تحليلات إحدى الصحف الأمريكية: "الرئيس مجرد "ممثل سيء". ولا يبدو أن لدى الإدارة الأمريكية تصوراً واضحاً لما يجب تحقيقه ولما ينبغى تجنبه"
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...