سيحاولون إقناعكم أن الدجاجة إذا وثقت بنفسها تتمكن من الطيران متفوقة على النسور، وأن حضور جلساتهم سيحولكم إلى أشخاص إيجابيين يضمنون النجاح، والاستماع إلى نصائحهم سيرفعكم إلى السماء السابعة دون أن تغادر قدماكم الأرض.
ملبسهم الأنيق، وأسلوب عرضهم الشيق، والشحنة التي يصدرونها إليكم، ستجعلكم لا تهتمون كثيراً بمعرفة حقيقة النجاح، الذي يقوم على الجهد والمحاولة والعمل والمعرفة، وغالباً، ستكتفون بالاقتناع بأن استعدادكم النفسي للنجاح سيجذبه إليكم، من دون الحاجة لمغادرة مكانكم.
ملايين تستثمرها الشركات في ندوات تحفيزية ومحاضرات لخبراء التنمية البشرية وتطوير الذات، ومئات من الكتب تحمل عناوين مثيرة حول أسباب السعادة وقوة التأثير على الآخرين، وخفايا العقل الباطن ومفاتيح الثروة، لكن العديد من الخبراء وعلماء النفس يؤكدون أن الكثير من إستراتيجيات التنمية البشرية عديمة الجدوى تماماً، وقد يكون أثرها مدمراً، فهي، في رأيهم، ليست نصائح للتنمية البشرية بقدر ما هي مجموعة منمقة من الأكاذيب.
الأكذوبة الأولى: التفاؤل يحفزكم على النجاح
"صدقوني، يمكنكم أن تحققوا أي شيء تريدونه. كل شيء ممكن إذا اعتقدت أنك تستطيع تحقيقه. نعم، يمكننا!".
يتردد صدى هذه الكلمات في آلاف قاعات المؤتمرات حول العالم، على ألسنة مدربي التنمية البشرية، ورغم ذلك يزداد علماء النفس تشككاً في صدقها.
فكما يحذر عالم النفس توماس لانجنز، فإن الأهداف الإيجابية الوهمية، يمكنها أن تقوض أو تضعف الحافز الحقيقي على النجاح. فقد كشفت دراسة جرت على خريجي جامعات، أن من لديهم توقعات عالية حول مستقبلهم الوظيفي بعد التخرج، تلقوا عدداً أقل من عروض العمل من منافسيهم الأكثر تشاؤماً. وبعد عامين، حقق هؤلاء "المتفائلون" دخلاً أقل من الآخرين الأكثر واقعية.
يفسر علماء النفس ذلك بأن النجاح الموعود جعلهم يستمتعون بالمستقبل المنتظر، قبل أن يصبح حقيقة، وأن يحصلوا على رضىً وهمي وشبع نفسي، منعهم من التقدم بخطوات كافية لتحقيق هذا المستقبل. وكما يقول عالم النفس الاجتماعي الأسترالي جوزف فورجاس، فإن الأفكار السلبية ليست بالضرورة شيئاً سيئاً، علينا استثمار نقاط قوتها، فالمشاعر السلبية غالباً تعزز نمط التفكير وتجعل الشخص أكثر انتباهاً وقابلية للتكيف.
الأكذوبة الثانية: الثناء يدفعنا إلى الأمام
يقتنع خبراء التنمية البشرية أن الثناء يلعب دوراً مهماً في النجاح، في حين يرى علماء النفس أن الثناء المفرط يمكن أن يدمر الدافع للنجاح ويضر به. وقد ذكرت دراسة أجرتها جوان جروسيك في جامعة تورنتو، أن الأطفال الذين اعتادوا تلقي الإشادة والثناء بسبب سخائهم، كانوا في الواقع أقل سخاءً من الآخرين في حياتهم اليومية.
فلم يعد الثناء المتواصل ذا قيمة، ولكنه سلوك يمكن القيام به بحساب مدروس للحصول على رد فعل معين من البالغين، لذلك يعتقد العديد من الباحثين أن أجيالاً كاملة من الآباء أضروا أطفالهم بطريقتهم الخاطئة في الثناء عليهم، فتحول تركيز الطفل من الاستمتاع بالمهمة التي يؤديها إلى البحث عن مزيد من الثناء، الذي يصبح كما المخدرات، يجب أن ترتفع جرعتها لتحقيق التأثير المطلوب.
الأكذوبة الثالثة: المال لا يشكل حافزاً على النجاح
على عكس ما يقول خبراء التنمية البشرية، فإن المال ليس مهماً ولا يشكل دافعاً للنجاح، يعتقد علماء النفس أن للمال تأثيراً إيجابياً للغاية على الدوافع. فقد وجد الباحثون في معهد علم الأعصاب الإدراكي في لندن، أن الدماغ البشري يعمل بشكل أسرع إذا علم برصد مكافأة له، حتى لو لم تتعد قيمتها 50 سنتاً، فالمال ينشط المحفزات في الدماغ مباشرة، خصوصاً منطقة الإشباع العاطفي في المخ، وهي مركز النظام العاطفي الذي يحكم سلوكنا.
الأكذوبة الرابعة: لا تستسلموا أبداً
عندما تبحثون عن مقولة "لا تستسلم أبدأ" باللغة الإنجليزية Never Give Up على محرك جوجل، تقفز أمامكم نحو 160 مليون نتيجة بحث، تتنوع بين صفحات ويب ورسوم بيانية ونصوص مرئية. الغرض هو التشجيع على المثابرة والتمسك بتحقيق أهدافنا، ومع ذلك يرى علماء النفس أن تلك المقولة تؤدي إلى الفشل.
فقد بيّنت ثلاث دراسات، أجراها خبراء في جامعة كونكورديا في مونتريال، أن الأشخاص القادرين على إعادة حساباتهم والتخلي عن الأهداف التي لا يمكن الوصول إليها، كانوا أكثر سعادة ونجاحاً من المصرين على تحقيق أهداف معينة لا يحيدون عنها.
ويعطي الخبراء مثالاً على ذلك بشركة أبل العملاقة، التي عاد ستيف جوبز رئيساً لها عام 1997، فإذا به يتخلص من 340 منتجاً من أصل 350 للشركة في هذا الوقت، ليعيد حساباته ويركز اهتمامه على 10 منتجات فقط، أصبحت آبل بفضل النجاح فيها الشركة الأكثر قيمة في العالم.
الأكذوبة الخامسة: ركزوا على الأهداف الكبيرة
يقول خبراء التنمية البشرية إنه كلما كان الهدف كبيراً كان النجاح مدوياً، بينما يقول خبراء الموارد البشرية وإدارة الأعمال، بمن فيهم كلوديا تاونسند في جامعة ميامي، إن الأهداف الكبيرة والبعيدة قد تقضي على أحلامك تماماً. فكيف يمكن لشخص أن يتسلق جبلاً وهو ينظر إلى القمة فقط، وليس إلى موضع قدمه.
ويؤمن علماء النفس بنظرية "خطوة خطوة" Step by Step، فالأهم هو التفكير في مراحل صغيرة، والتركيز على التحدي القريب المقبل، والعمل على اجتيازه، بدلاً من السقوط في منتصف الطريق.
الأكذوبة السادسة: الاستمتاع في العمل سر النجاح
يقول علماء النفس إن الاعتقاد بأن الاستمتاع بالعمل يمكن أن يكون حافزاً للنجاح، هو قول من قبيل الهراء، فكما يوضح ستيفن كيرشنر، وهو كاتب ومؤلف في مجال القيادة وتطوير الذات، العمل ليس دائماً ممتعاً، لذلك، الشرط الأساسي للنجاح في العمل هو النجاح في فهم نقاط قوتكم وتطبيقها على وجه التحديد في مجال عملكم، والمرور في طريق صعب من الجهد والمشقة لتحقيق الإنجاز والنجاح. ويسأل كيرشنر سؤالاً مهماً: بأي نسبة تعتقد أن لاعبي الكرة المحترفين أو الممثلين أو المديرين الكبار يستمتعون بعملهم؟ إن النسبة ضئيلة للغاية إلى جانب جهدهم ومشقتهم من أجل تحقيق هذا النجاح.
الأكذوبة السابعة: تجنبوا الصراعات
هل تؤثر الصراعات والنزاعات داخل العمل على النجاح؟ وكيف يمكن تجنب الصراعات، كما ينصحنا خبراء التنمية البشرية، وهي موجودة في حياتنا اليومية وشائعة في أماكن العمل؟
يقول علماء النفس إن الصراعات لا تضر بالضرورة بالعمل، إنما يمكن أن تدفع الموظفين لأداء أفضل، شرط أن تكون صراعات من النوع الصحيح، أي نزاعات أو خلافات عمل وليس خلافات شخصية، أي خلافات على السياسات أو الإجراءات أو طرق التنفيذ ووسائل تنفيذ العمل.
وتشير الدراسات إلى أن المناقشات والصراعات حول العمل يمكن أن تشجع أعضاء الفريق على التفكير بشكل أكثر إيجابية، مثل التفكير الدائم في أساليب بديلة، والتأني قبل الموافقة على مهمات العمل.
الأكذوبة الثامنة: ابتعدوا عن الإجهاد والضغوط
لا أحد يختلف حول الأثر السيىء للإجهاد والضغوط العصبية، والذي يبدأ من القلق ويصل إلى البدانة والمرض، ولهذا يأتي التحذير الدائم لخبراء التنمية البشرية من الإجهاد العصبي، القاتل الصامت للروح المعنوية.
ومع ذلك، يفرق علماء النفس بين الإجهاد السلبي والإيجابي، والأخير يعرف باسم "أوستريس" Eustress، ويشبه العلماء الإجهاد الإيجابي بالتمرينات الرياضية التي تجهد العضلات فتقويها، وهو الضغط العصبي المفيد الذي يلازمنا عند اقتراب موعد امتحان أو تسليم عمل، فيدفعنا إلى مزيد من التركيز، لذا ينصح ستيفن كيرشنر أن ننظر دوماً وراء الضغط العصبي الإيجابي ليتولد لدينا دافع الوصول إلى النجاح.
الأكذوبة التاسعة: الثقة بالنفس سر النجاح
لا يزال الاعتقاد السائد هو أن الثقة في النفس تخلق الدافع والحافز للنجاح، وهي مقولة يروج لها خبراء التنمية البشرية ولا يعترف بها كثير من علماء النفس. فكما يقول ستيفن كيرشنر، الذي قام بالتحليل العلمي لدوافع كثير من اللاعبين المحترفين، مفتاح النجاح ليس دائماً الثقة في النفس، ولكنه في كثير من الأحيان عدم اليقين أو الشك في النفس.
ويضيف كيرشنر أن نتائج دراسته العلمية كشفت أن 90% من اللاعبين المحترفين الأكثر كفاءة وشهرة لا تعميهم الثقة في أنفسهم، وهم يتدربون بشكل مكثف أكثر من غيرهم، بسبب مبدأ عدم اليقين الذي يساورهم، وأهمهم ليونيل ميسي، الذي يعتبر أعظم لاعب في جيله، والذي درس كيرشنر حالته عن قرب.
الأكذوبة العاشرة: التركيز الشديد يصنع المعجزات
دخلت العداءة الأمريكية هيثر كامف إلى إحدى بطولات الجري 600 متر، في 2008، لكنها تعثرت وسقطت ليسبقها ثلاثة عدائين من منافسيها، لكن هيثر لم تستسلم، فقد وقفت على قدميها وتابعت الجري، حتى كانت أول من وصلت إلى خط النهاية.
يتداول خبراء التنمية البشرية الوقائع المشابهة لما حدث لهيثر كامف، كدليل على أن التركيز الشديد على هدفك لا بد أن يؤدي بكم إلى تحقيقه، على الرغم من أن فوز هيثر لم يكن ليتم بتركيزها وعنادها فقط، لولا بنية جسدية ولياقة بدنية تسمحان لها بالتفوق. بل إن التركيز الشديد على هدف بمفرده وبصورة مستمرة دون انقطاع، يؤدي إلى انخفاض في موارد الانتباه في الدماغ، فيعرقل الأداء ويقلل التركيز، ويؤدي إلى انفصال الشخص عما حوله، ويقلل من طاقته، ويؤدي إلى فراغ داخلي، كما تشير الدراسات الحديثة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...