يؤكد مدير مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية والباحث الاجتماعي والناشط الحقوقي سعد الدين إبراهيم أن جميع التيارات الإسلامية يمكن قبولها في الدول الديمقراطية، إذا ما اقتنعت بأهمية العمل تحت لوائها، والتزمت بذلك في السر والعلن.
ويشير في حوار مع رصيف22 إلى أن الإصلاح الديني في العالم العربي ممكن، شريطة أن تشارك فيه المجتمعات بأكملها، بما فيها القوى العلمانية والمدنية. كما يبدي رأيه بقضايا كثيرة يبحث العرب عن أجوبة لها.
-
لماذا يرى الكثيرون الناشط الحقوقي إما عميلاً لدولة أجنبية أو باحثاً نهماً عن المال الأجنبي، أو أحياناً جاسوساً؟
الأنظمة العربية التي أسقطتها ثورات الربيع العربي (الفلول) ومجموعات اليساريين، هم الذين أشاعوا هذا النوع من الاتهامات. لماذا؟ لأن اليسار فشل كما فشلت الحكومات المتتالية منذ أكثر من 60 عاماً، وطوال هذا الوقت لم يكن له أي تأثير يذكر، ولم يملك جماهيرية، ما ضاعف من تعثره. وكان يضيره نجاح المجتمع المدني في ما فشل فيه هو، فلجأ إلى تلك الأسطوانة التي رددتها الأنظمة البالية، وعنهما صار الرأي العام يردد أحياناً مثل تلك الاتهامات التي لا يوجد عليها أي دليل.
وأنا أسال الجميع من خلالكم: هل تورطت أية منظمة تتلقى تمويلاً من الخارج في أية قضية تخص الأمن القومي لأية دولة عربية؟ بالطبع لم يحدث ذلك. الدعم الخارجي له أجندة محددة، ولكن لا يعني قبول التمويل أن النشطاء الحقوقيين يعملون لحساب جهات خارجية، وأنا دائماً أدعو مَن يردد مثلك تلك الاتهامات للذهاب فوراً إلى النائب العام في بلاده.
-
لماذا تدعو إلى ضرورة عقد مصالحة بين النظام المصري والإخوان المسلمين رغم الهجوم الشرس عليك من الطرفين؟
لأن المصالحة هي المستقر النهائي لما بعد الثورات. أما عن الهجوم عليّ فهو ليس جديداً، وقناعتي الشخصية أن المثقف دوره الأساسي الإفصاح عن وجهات نظره، مهما كانت نتائجها من تضييق وإيذاء مؤقت، وسبق لي أن تعرضت لهذا الأمر خلال مناداتي بالإفراج عن الرئيس الأسبق حسني مبارك والتصالح معه، ما كان يلاقي استهجاناً من الغالبية، وها هو ما طالبت به يحدث الآن، فمبارك بات طليقاً ويمارس حياته في منزله بعد ست سنوات من الحصار خلف جدران السجون، والنخبة والجماهير تتقبلان الأمر. فما يمكن التعنت معه في الوقت الحاضر، يصبح بعد زمن متاحاً، وسيحدث آجلاً أم عاجلاً التصالح بين الإخوان والنظام.
-
ما هو الإسلام السياسي الذي يمكن قبوله؟ وما العمل مع الإسلاميين المتطرفين الذين يريدون تطبيق أفكارهم وتشكيل المجتمع وفق رؤاهم بقوة السلاح؟ إفناؤهم؟
كل التيارات الإسلامية يمكن قبولها في الدول الديمقراطية، إذا ما اقتنعت بأهمية العمل تحت لوائها، وكانت لها ممارساتها العلنية في ذلك. وهناك تياران معروفان في العالم العربي، ويشاركان حالياً في العمل السياسي، وهما الإخوان والسلفيون، ويستطيعان الاهتداء بالنهج الديمقراطي، وبجوارهما في مسار قريب، تيار عريض ينتظر من بعيد، هو الصوفية، وإن كان لم يفصح عن رغبته في العمل السياسي حتى الآن، ولكن من الممكن جداً نزوله إلى الساحة.
أما عن المتطرفين، فيمكن دمجهم في العمل العام، وهذا يحدث في كل بلدان العالم المتقدم، وإن لم تنفع محاولات احتوائهم، فالتجاهل لهم أفضل حل، إلا إذا رفعوا السلاح، فهنا يحكم القانون في ممارساتهم، وليس عليهم وحدهم، بل يحكم أيضاً على جميع مكونات المجتمع. فليست التيارات المتطرفة وحدها التي ترفع السلاح أو تخالف القانون، هناك غيرهم الكثير.
-
يكثر الحديث عن الإصلاح الديني وعن تنقية التراث. هل الإصلاح الديني ممكن؟ وما هي شروطه؟ ومَن يمكن أن يقوم به؟
الإصلاح ممكن بالطبع، شريطة أن يشارك فيه المجتمع بأكمله، بما فيه القوي العلمانية والمدنية، لأن الإصلاح الديني يهم الجميع. ولم يحدث إصلاح في أوروبا إلا من خارج المؤسسة الدينية، عبر مارتن لوثر الذي قاد انشقاقاً عن الكنيسة. وعموما لم يذكر التاريخ أن أياً من المؤسسات الدينية العتيقة، أو الرسمية قادت إصلاحاً على نفسها.
-
ما هي أبرز مشاكل الثقافة السياسية العربية، ثقافات السلطات وثقافات معارضاتها؟
السلطة كما المعارضة في الوطن العربي لا ترتكز على حوارات داخلية بين أبنائها بشكل صحي وكافٍ لفرز القيادات، ولإقرار برامج إدارة المشهد، كما أن إحدى الآفات القاتلة في الثقافة السياسية العربية للسلطة والمعارضة، على حد سواء، ضعف قدراتهم على مخاطبة الشارع، وإقناعه بأهمية النزول إلى الانتخابات، والاهتمام بالعمل العام، والمشاركة في مشروعات المجتمع المدني.
-
تقول إن الأجهزة الأمنية لدول الاستبداد العربي تمرّست في اختراق أي تكوينات اجتماعية مُستقلة والتحكم في أدائها وصورتها. هل هذا يعني استحالة ولادة تشكيلات اجتماعية ناجحة معارضة للسلطة؟ وكيف يمكن كسر هذا القيد؟
من الخطأ في الأمور الإنسانية الاعتقاد بأن هناك استحالة أو صعوبة تجاه تحقيق شيء ما، في الحياة كل شيء ممكن، ولنا في مؤسسات المجتمع المدني على سبيل المثال أسوة، فلم تتركنا السلطة، بل أدخلتنا السجون بسبب آرائنا وأفكارنا، وظلت المؤسسات والقائمون عليها يدافعون عن أفكارهم، وانتصروا في ذلك. كسر القيد لا يكون إلا بالصمود والإصرار على مواجهة الاستبداد كلما ظهر وأينما كان.
-
مصطلح الدولة العميقة... إلى أي حد يؤدي إلى استحالة الثورة والتغيير؟ فالدولة العميقة هي بحسب استخدام المصطلح الشائع شيء غير معرّف بدقة ما يعني استحالة مواجهته.
كما قلت، ليس هناك أمر في السياسة يسمى استحالة. كل شيء ممكن التعامل معه. أما بالنسبة للدولة العميقة فهي تقاوم التغيير، لأنها توجّه وتدار بواسطة أجهزة أمنية عتيدة وغير معلومة للعامة، وهي التي تتحكم فى سياسات الدولة العامة الداخلية أو الخارجية، ما يجعل الرأي العام تائهاً في تفسير ما يحدث من أمور غامضة، ولكنها ليست عصية على الإصلاح.
-
بعد مرور ست سنوات على ثورات الربيع العربي، ما هي أبرز الدروس المستفادة من كل ما جرى في دول الربيع؟
ربما يكون أهم الدروس أن الثوار لم يقودوا ثوراتهم حتى الآن، وهذا كان خطأ كبيراً، ولا بد من تصحيح الأمر بإتاحة الفرصة للشباب لأنهم أحق الناس بكل مكتسبات الثورات وهم الأقدر على حمايتها، بعدما سُرقت ثلاث مرات، الأولى من التيارات الدينية، والثانية من العسكر، والثالثة من فلول الأنظمة العتيقة التي سقطت، ويحاولون حالياً الانتقام ممن أسقطوهم.
-
إذا سألك ناشطون طامحون للتغيير عن الشروط اللازمة لثورات ناجحة في الدول العربية، ماذا تقول لهم؟
الانفتاح والمشاركة، دمج كافة الجماعات والتيارات معهم، وخاصة تلك التي ظلت مهمشة على أطراف المجتمع، وبعض الفئات مثل الأقليات وذوي الاحتياجات الخاصة، والاهتمام بالعمل العام على المستوي العربي، والانطلاق منه نحو دول الشرق.
ومن أجل ذلك لا بد من استئناف بعض المشاريع الكلاسيكية التي كانت قائمة في وقت من الأوقات، مثل خط الشرق السريع الذي كان يربط بين القاهرة واسطنبول، وإعادته تعني إنشاء مراكز للتنمية على جانبيه. كما كانت هناك مشاريع تربط بين مصر والسعودية، وبين الدول العربية، وهذه القضايا لا تخص السلطة القائمة وحدها في البلدان العربية، بل يجب أن يدركها ويضعها في أولوياته أيضاً كل مَن يطمحون للتغيير.
-
ما هي أبرز ثلاث قضايا يجب أن يضعها المعارضون السياسيون والناشطون المدنيون على رأس أولوياتهم؟ ولماذا؟
ينبغي لهم الاهتمام بالتعليم، باعتباره قضية مركزية للأمة العربية، وتعاني بسببها، وفي إصلاح التعليم حياة لها؛ والقضية الثانية منظومة التنمية، بالاعتماد على إظهار وتطوير الصناعات والمشروعات الصغيرة وغير التقليدية؛ والقضية الثالثة تتعلق بأهمية لعب دور إقليمي، وخاصة في ما يخص العلاقات العربية العربية، فالعمل على هذا الملف تحديداً، يُحيي النبض في ملف الأمن القومي العربي، المُمدد على أجهزة الرعاية المركزة.
-
لماذا كنت من حاملي قضية الأقليات وحقوق الأقليات منذ عقود؟ ولماذا لم تتطرق شعارات الربيع العربي إلى حقوق الأقليات المنتشرة في البلدان العربية من المحيط للخليج؟
سعد الدين إبراهيم: لم يذكر التاريخ أن أياً من المؤسسات الدينية العتيقة قادت إصلاحاً على نفسها، الإصلاح يأتي من خارجها
لأن وجود الأقليات حماية للتنوع، بما يحويه من غنى ثقافي وإبداعي واجتماعي، ما يدفع قدماً بناء المجتمعات. ودعني أختلف معك في ما يخص عدم تطرق شعارات الربيع العربي للأقليات، لأنهم شاركوا في الثورات بالأساس، بل وكانت مشاركاتهم واضحة، وظهر ذلك على سبيل المثال في ثورة 25 يناير المصرية، وحتى الدساتير التي كُتبت بعد الثورات، خُصصت فيها مواد للأقليات، كما خُصص لهم تمثيل وافٍ في البرلمانات والمجالس المنتخبة والمجالس المحلية، بل أننا شاهدنا لأول مرة حضور رؤساء عرب إلى الكنائس للاحتفال بالأعياد مع الأقباط.
وربما كانت الصورة واضحة في هذه القضية في مصر، حيث دأب الرئيس عبد الفتاح السيسي على زيارة المسيحيين في الكنيسة لتقديم التهنئة والمشاركة في الأعياد، وكان يهدف بذلك إلى قطع الطريق على التيارات التي تفننت في التفجير والقتل، لضرب مكتسبات الأقباط من الثورة المصرية، وإرسال رسالة للمجتمع الدولي تفيد بأن النظام يعجز عن حماية الأقباط، وأظن أن الدنيا كلها تنبهت لهذا المخطط، وهذا نموذج لما يحدث في البلدان العربية.
-
ولكن هل هذا يكفي؟ الأقباط لا يزالون ممنوعين من الوصول إلى مناصب رسمية كثيرة ويقيّد حقهم ببناء كنائس ويمنع القبطي من الزواج بمسلمة فيما لا يمنع المسلم من الزواج بقبطية ما يعني تطبيق مبدأ فقهي إسلامي عليهم... هل تعوّض زيارة لرئيس الجمهورية إلى كنيسة في مناسبة معيّنة كل هذا التمييز؟
لا مشكلة بين المسلمين والأقباط، ودائماً أصل المشكلات بين الطوائف الدينية المختلفة بين أبناء الدين الواحد.
-
هل يجب أن تمنح الأقليات حقوقاً خاصة أم أن الحل هو بالمساواة بين المواطنين بدون الأخذ بالاعتبار التنوع الديني والقومي والإثني؟
المساواة بالطبع هي الحل، وفي ظني أن التوسع في ترديد ألفاظ من نوعية الغالبية والأقلية في الوطن العربي، لا يدل إلا على ثقافة التفرقة والتمييز بين المواطنين، وهو أمر لا يليق بأبناء الوطن الواحد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين