"عندما يدخل الفقر من الباب يهرب الحب من النافذة"، هذا ما يقوله المثل. لكن في مصر، قد يهرب الزواج من النافذة، أو يطرده الزوجان ويبقيان معاً في المنزل.
مع ازدياد الحالة الاقتصادية سوءاً في بلد ال90 مليون مواطن، انتشر الكثير من الحيل لكسب القوت، إحداها "الطلاق على ورق".
يُقدم بعض الأزواج على الطلاق رسمياً دون إعلام الأهل والأقارب، ودون أن يطبقوا القرار، فيستمرون في السكن معاً وإكمال حياتهم لتحصل الزوجة على إعانات الدولة المخصصة للسيدات المطلقات وتساعد بها أسرتها.
حل في الحياة مشكلة في الممات
حسنية محمد (75 عاماً) ربة منزل تقول لرصيف22 إن زوجها كان عاطلاً عن العمل، ولديهما 5 أطفال. وقد اعتمدا في معيشتهما على معونات الأهل والجيران، حتى اقترح زوجها أن يطلقها لتحصل على معونة الدولة للمطلقات، أو المعاش. لم يتجاوز المبلغ الذي حصلت عليه حوالي 16 دولاراً، يكفيها لشراء كيلوغرامين لحمة وأرز وسكر ونوع واحد من الفاكهة، لكنه كان مغرياً. لم يخبر الزوجان أحداً، ولم يفكرا بعقد قران عرفي بعد أتمام إجراءات الطلاق ليضمنا شرعية العلاقة بينهما. اكتفيا باستمرار العيش معاً، لأنهما، برأيهما، استوفيا الشرط الشرعي الأساسي للزواج وهو الإشهار. لكن الزوجة واجهت مشكلة حينما توفي زوجها وأرادت أن ترثه. تقول لرصيف22: "لم يعرف إخوتي إلا عند وفاة زوجي، كنت أطلب منهم أن يضعوا بصمته على ورقة زواج لأرث مع أبنائي المنزل الذي لا يمتلك سواه". وتستطرد: "كاد أخي يقتلني واتهمني أني زانية وجلبت لهم العار بمعاشرة رجل ليس زوجي، وظل يقاطعني حتى أصبت بالسرطان، ولم أرث شيئاً بالطبع". كانت محمد بذلك ضحية القرار الذي أتخذته مع زوجها. وهو ليس غريباً، فبحسب دراسة بعنوان "الفقر والسياسات العامة في مصر"، تؤكد الباحثة هويدا عدلي أن المرأة تتحمل ضريبة الفقر في الطبقات الفقيرة والأعباء الملقاة على عاتقها تكون مضاعفة مقارنة بمثيلاتها في الطبقات الأخرى.سبب آخر: معاش الأهل
يختلف وضع ابتسام علي (40 عاماً) عن محمد، فالفقر والعوز لم يكونا الدافع وراء طلاقها. حالتها المادية وروجها ميسورة لكنها خشيت أن يضيع عليها "معاش التعاقد" الخاص بوالدها، والذي تبلغ قيمته 6 آلاف جنيه أي ما يعادل 350 دولاراً تقريباً. والمعاش هو إعانة شهرية تصرفها الدولة للموظفين المنتمين للسلك الحكومي وتستفيد منه المنتفعا المستحقات من الورثة وهم الأب والأم والشقيقات، غير المتزوجات، بالإضافة إلى الذكور حتى الالتحاق بوظيفة حكومية أو بلوغ الثلاثين. "طرحت على زوجي فكرة الطلاق رسمياً في السر وكتابة ورقة عرفية للحصول عليه"، تقول علي لرصيف22. "لم يمانع، حتى أبنائي لا يجدون في هذا أي مشكلة"، تضيف."الطلاق على ورق"... عندما يتحول هدم الأسر لمصدر رزق
ظاهرة منتشرة
تقسم هيام الجنايني، عضوة مبادرة المحاميات المصريات دوافع الأزواج إلى نوعين. النوع الأول هن السيدات اللواتي يرغبن بمعاش المطلقات، وهن في الغالب الأكثر فقراً لأن المبلغ المُقدم لا يتجاوز الـ25 دولار، وقلما تقدم سيدة على الطلاق من أجله إلا المعدمات. النوع الثاني هن سيدات يتلقين معاشاً شهرياً كبيراً عن الأب أو الأم أو الأخ، والذي يبلغ بضع آلاف الجنيهات، وعندما يحين زواجهن يفضلن الزواج العرفي غير المثبت رسمياً في السجلات، للاستمرار في استلام المبلغ. لكن الأزمة تحدث عندما ينجبن ويرغبن في إثبات الطفل، لذا تلجأ الكثيرات للزواج الرسمي ثم يلجأن إلى الطلاق للعودة للمعاش مع كتابة ورقة عرفية لإثبات العلاقة ولتأخذ شكلاً شرعياً.قصة قديمة
ظاهرة "طلاق الورق ليست جديدة، لكنها تزداد. ودوافعها ليست دائماً الفقر إنما قد تكون علاقة المواطن بالدولة. "يعتقد الناس بأن هناك ثغرة في قوانين الضمان الاجتماعي فلمَ لا يستغلونها؟ ويتعامل البعض مع الدولة وفق مبدأ "اللي يجي منهم أحسن من عينهم" وهذا أمر خطير"، يقول رشاد عبده، الخبير الاقتصادي ورئيس المنتدى المصري للدراسات السياسية والاقتصادية. البطالة وارتفاع معدلات الفقر في الصعيد، والريف بخاصة، يدفعان المواطنين للكثير من الحيل للحصول على مصدر دخل إضافي حتى ولو كان بالتدليس والتحايل، بحسب أبو بكر الديب، الخبير الاقتصادي. "الكثير من الأسر يقل دخلها الشهري عن 600جنيه في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار كل السلع والمنتجات وحتى الخدمات التي تقدمها الدولة من فواتير الكهرباء والمياه والغاز وغيرها"، يقول الديب. وقد قدمت الدولة مؤخراً نظام "تكافل وكرامة"، وهو عبارة عن إعانة شهرية تعادل المعاش للمطلقات والأرامل والمعيلات وذوي الإعاقة. إلا أن شروطه لا تنطبق على كثير من الفقراء، فيشترط السن الكبيرة والحالة المعدمة، بينما هناك أزواج من الشباب لا يجدون ما يكفي لإطعام أنفسهم أو أبنائهم، لذا يقدمون على حيلة التطليق للحصول على معاش المطلقات.ماهو رأي القانون؟
بحكم القانون، تعتبر السيدة التي تستلم الإعادة أو المعاش مزورة، وتحصل على أموال الدولة بدون وجه حق، بحسب الجنايني. وفي حال اكتشاف الخدعة يطالبن بإعادة الأموال التي صرفنها، دون عقوبة أو سجن، وإذا توفي الزوج لا يرثن ولا يحق لهن المطالبة أو الانتفاع بأي نفقات تحق للزوجة. بالطبع يمكن للزوجة إثبات أنها راجعت زوجها قبل وفاته لحفظ حقها في الميراث وإثبات المعاشرة بالشهود، لكنها حينها ستواجه تهم التزوير والاستيلاء على أموال عامة دون وجه حق.الشرع حينما ينعدم الأمان الاقتصادي
حكم التحايل للحصول على المال واضح لدى الكثيرين من خبراء الفقه، لكن حكم العلاقة بين الرجل والمرأة بعد الطلاق، في ظل الزواج الشفهي أو العرفي، هو ما يختلف حوله البعض. ترى آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، أن هذا الفعل "حرام شرعاً" على اعتبار أن الزواج ميثاق غليظ، يكفل للزوجين فعل ممارسات لا تكفلها علاقة أخرى. وبالتالي فإن خدش هذا الميثاق بالغش أو الكذب أو التدليس يبطل العقد، كما أنه لا ينبغي أن يراهن عليه للحصول على أي منفعة. وتلفت إلى أن الزوجين يدخلان في دائرة إنكار الزواج للحصول على مبالغ مالية دون وجه حق، مشددةً على أن "الظروف الاقتصادية الصعبة لا تغير المواثيق ولا أحكام الدين". أما فايزة خاطر، أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر، فترى أن المعاشرة هنا حلال ولا شبهة تمس الزواج لأن الطرفين معترفان به وهناك إشهار، لكن التحريم يمس الحصول على مال دون وجه حق. وتلفت الداعية المعروفة بآرائها المتشددة لرصيف22، إلى أنه "لايمكننا أن نطبق العقوبات الشرعية والقانونية على الناس إلا إذا وفرنا لهم أدنى مقومات المعيشة". تبرهن على ذلك بأن عمر ابن الخطاب عطل تطبيق حد السرقة في عام المجاعة، فلم يقطع يد سارق. فكيف يكون الحال في بلد قد تعيش الأسرة فيه سنين عمرها في ما يشبه المجاعة؟رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون