ليس غريباً أن تجد الناس يقبلون على حفظ القرآن رغبة في "مرضاة الله" في مدينة يميل الكثير من سكانها إلى التدين والالتزام، كغزة. الغريب هو أن يكون الدافع وراء حفظ أكثر من سبعين ألف كلمة هو الرغبة في الحصول على زواج مجاني.
الزواج في غزة مسألة صعبة، والسبب ليس قلة عدد الراغبين فيه، بل مصاريفه الباهظة واستحالة تأمينها في ظل البطالة التي يعيشها الكثير من الشباب والحصار الإسرائيلي.
لذلك أطلقت جمعية الرياض الخيرية وجمعية تيسير الزواج والتنمية مشروع "الرضوان“، الذي يضمن زواجاً مجانياً لكل من يحفظ كل آيات القرآن. فتؤمن مصاريف الحفل، إضافة لدفع مبلغ مالي كبير للعروسين.
يُقدّر عدد الشباب الحافظين القرآن في غزة بالآلاف، وهذا يعني أنهم أمام فرصة الحصول على زواج مجاني.
لكن ماذا يفعل من ليس مسلماً أو من لا يستطيع حفظ هذا الكم من الآيات؟ وهل من الممكن وضع شرط ديني، لا يمت بصلة للخدمة المقدمة، لمساعدة شخص في الحصول على حقه في تأسيس عائلة والتمتع بحياة أسرية طبيعية؟
أكثر تديناً يعني أكثر جدارة؟
يقول وائل الخليلي، رئيس مجلس إدارة جمعية تيسير الزواج والتنمية، لرصيف22 إن الفكرة جاءت نتيجة عزوف الشبان عن الزواج، بسبب ارتفاع تكاليفه ومصاريف الحياة بشكل عام. "جاء هذا المشروع للتخفيف عنهم ومساعدتهم لإكمال نصف دينهم"، يضيف الخليلي. لكن المساعدة مخصصة للفئة الأكثر تديناً. وبرأيه، لا حرج في تخصيص حفظة القرآن، فهم من ضمن "الأكثر التزاماً دينياً وأخلاقياً في المجتمع"، ويستحقون التمييز. خاصة أنه يرى في التكفل بمصاريف زواجهم تقوية لـ "التزامهم الديني والأخلاقي". يشترط المشروع أن يكون هذا الزواج الأول لرجل لا يقل عمره عن 26 عاماً. وعليه أن يثبت احتياجه المادي للمنحة، واجتياز برنامج تثقيف اقتصادي للمقبلين على الزواج وطبعاً اختبار مسابقة القرآن. وبحسب صفحة جمعية الرياض، فإن مشروع الرضوان ممول من الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية بدولة الكويت وأيادي الخير في قطر.المنح والمساعدات المشروطة
لم يتمكن عبد الرحمن أبو مصطفى (27 عاماً) من إتمام مراسم زواجه بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية، ولكنه لن يستطيع أيضاً الحصول على المنحة كونه لا يحفظ القرآن. وحفظ هذا العدد من الآيات أمر شاق يتطلب منه جهد أشهر أو حتى سنوات. يقول لرصيف22: "كنت أنتظر تنفيذ مثل هذا المشروع بفارغ الصبر، لأني لا أستطيع الزواج نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة". كشرط حفظ القرآن أغلب المؤسسات العاملة في قطاع غزة، برأيه، لا تقدم المساعدات للمحتاجين إلا للحصول على ولاء معين. فهو لم يستفِد من أي معونة في القطاع رغم حاجته لها، لأن عدداً كبيراً من المؤسسات تخصصها لأعضاء الأحزاب السياسة أو الملتزمين دينياً، وهو لا ينتمي لأي حزب سياسي وليس حافظاً للقرآن. لا يستنكر السكان أن تشترط منحة دراسية معدلاً مرتفعاً، أو أن تشترط مساعدة فنية وجود موهبة معينة، لكن الزواج برأيهم حق للجميع والمساعدة على تخطي ظروف خارجة عن إرادة الشباب يجب أن تكون متاحة دون شروط، أو أن تكون الشروط ملائمة لطبيعة المنحة.تستخدم الكثير من المؤسسات الدينية في غزة المساعدات لتثبت الولاء السياسي أو الالتزام الديني
هل من الممكن وضع شرط ديني لمساعدة شخص في الحصول على حق بسيط: تأمين مصاريف الزواح؟"تأتي إلى قطاع غزة مساعدات كثيرة، إما لتزويج الشباب أو إقامة مشاريع تشغيلية للعاطلين عن العمل، ولكن عند التنفيذ لن يستفيد الجميع منها بسبب الشروط التي تعتبر تعجيزية في بعض الأحيان، بهدف تخصيصها لفئة معينة من المجتمع وليس لجميع الفئات"، يقول أبو مصطفى لرصيف22. أما أشرف خريس (27 عاماً)، فيرفض الاستفادة من المنحة رغم حفظة للقرآن منذ ثماني سنوات "لينال الأجر والثواب". ويتابع: "رفضت التقديم... لكي لا أشجعهم على وضع شروط لمساعدة الناس، فمن يريد أن يساعد الآخرين لا يضع شروطاً". برأيه، جزء من المشكلة يكمن في المتبرعين الذين يتحكمون بطريقة توزيع الأموال التي يقدمونها للمؤسسات الخيرية.
الوضع الصعب
أظهرت إحصائية فلسطينية رسمية حديثة أن هناك ارتفاعاً في حالات الطلاق مقابل انخفاض في حالات الزواج في قطاع غزة خلال عام 2016. وبحسب الإحصائية التي تلاها رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي الشيخ حسن الجوجو في مؤتمر صحفي بغزة، فإن عدد حالات الطلاق بلغت 3188 خلال العام الماضي، مبيناً أن النسبة وصلت إلى 16.6%، مقابل 14.6% في العام الذي سبقه. وأشار الجوجو إلى وجود انخفاض في حالات الزواج في العام الماضي عن سابقه بنحو 1450 عقد زواج بفارق يصل إلى نحو 8%. إقتصادياً، أظهرت إحصائية للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني العام الماضي أن نسبة البطالة بين صفوفهم الشباب في العام 2015 بلغت حوالي 54.7%. ويقول الجهاز إن نسبة الشباب مرتفعة في فلسطين، حيث يشكلون في الفئة العمرية من 15-29 ما نسبته 30%، من إجمالي السكان.لن أتزوج شاباً تقدم للمنحة
تقول ناريمان مرتجى (24 عاماً) أنها ترفض الزواج من شاب تقدم لهذا المشروع. "من يريد حفظ القرآن الكريم، يحفظه بنية صادقة لوجه الله تعالى حتى ينال الأجر الثواب منه، وليس لمساعدته في الزواج". برأيها إن الأموال التي تقدمها الدول الخارجية للجمعيات تكون بهدف تنفيذ مشاريع لجميع أفراد المجتمع، ولكن المؤسسات المحلية التي تُشرف على تنفيذها تخصصها لتناسب الأشخاص الذين تريدهم أن يستفيدوا من مشاريعها.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...