لم يبلغ زياد الرابعة من عمره عندما كان في المسجد مع والده وصادف أن وجدت جنازة طفل، فباغت والديه بالسؤال: "هم الصغار بيموتوا"؟
هنا بدأت والدته، الدكتورة ولاء نبيل، استشارية العلاج النفسي والسلوكي، رحلتها مع طفلها في الحديث عن الموت.
تميزت رحلة زياد ووالدته بعدة محطات فارقة، تحدثت معه في المحطة الأولى عن أن "الموت لا يقتصر على الكبار فقط، وأن الجميع يموتون، وأنها رحلة إلى الحياة الأخرى، وأننا سنلتقي مجدداً عند ربنا".
تنصح نبيل بعدم تجاهل أسئلة الأطفال عن الموت، لكن في مرحلة ما دون السادسة من العمر لا بد من تبسيط الموضوع، وعدم الخوض في التفاصيل، و تُفضل عدم المصارحة بالموت، والاكتفاء بأنّ الشخص المتوفى "راح عند ربنا"، أو إلى المكان الأنسب، بحسب عقيدة الآباء وتوجهاتهم الدينية.
أريد حيوان لا يموت
كانت المحطة الثانية في رحلة زياد المعرفية عن الموت، في عمر الخامسة تقريباً ، لكنها هذه المرة تتعلق بكلبه روكي الذي مات. بدأ يسأل والدته ويطلب منها حيواناً لا يموت، لتواصل والدته رحلتها بإخباره أن الجميع يموتون، حتى الحيوانات والنباتات، وأن ما عليه هو الحفاظ على حيوانه وعدم تعريضه للخطر، وأن يتذكر الأشياء الإيجابية فيه، مثل التسلية وغيرها.وفاة الصديق
وعندما بلغ زياد السابعة كانت المحطة الثالثة فارقةً وصعبة، بعد أن أصيب صديقه عمر، وهو في مثل سنه، بالسرطان ثم توفي، وحينئذ انهار عمر، وكانت مهمة والدته صعبة وهامة، فكيف تصرفت؟ تخبرنا نبيل أنه يجب إعطاء الدعم النفسي الكافي للطفل في هذا المرحلة، بالإضافة إلى إتاحة المجال للتعبير عن أحاسيسه، وإبداء التعاطف معه، ومساعدته على مواجهة الموقف، مثل الدعاء أو الصلاة لصديقه أو إهداء أشياء لروحه، وتذكر الأشياء الجميلة بينهما، والاطمئنان على والدته ووالده، ومصافحتهما، لأن زياد كان يتجنب الحديث معهما، وإعلامه أن أفعالاً كهذه تسعد صديقه سعيداً.لا يجب تجاهل أسئلة الطفل مهما كانت صعبة أو محرجة ولا يجب الكذب عليه أبداًوتنصح نبيل بأنه من الأفضل إعطاء الطفل المعلومات قبل أن يصادف حادثة وفاة، لأن التوقع يقلل التوتر، بالإضافة إلى أن تغذية الجانب المعرفي للطفل والاستعانة بالأمثلة من محيطه، يجعله أكثر تقبلاً للأمور، ويزيد من صلابته النفسية. كما تشدد على الانتباه للطفل في مثل هذه الحالات، فيما إذا كان يعاني من الاكتئاب، أو الكوابيس، وهل أصبح عصبياً أو عنيفاً أو عنيداً؟ وهل اختلف روتين حياته؟ فإن لم يستطع الوالدان مساعدة الطفل، فعليهما طلب الدعم من متخصص.
المراحل الثلاثة
قسم الدكتور هشام حمودة، أستاذ مساعد في كلية الطب جامعة هارفارد الأمريكية، خلال دورة عن أسس التربية السليمة، مقدمة من مبادرة إدراك، الخوض في حديث الموت مع الأطفال إلى ثلاث مراحل. فماهي هذه المراحل؟ الأولى: مرحلة ما قبل المدرسة، يجب خلالها إتاحة الفرصة للأطفال للتعبير عن مشاعرهم وأحاسيسهم حول الموت، وعدم تجاهل أو تفادي أسئلتهم لأن الأطفال في هذه السن لديهم فضول وخيال وتصورات غير سليمة عن الموت. ووفقاً لحمودة، يجب أن تكون الإجابات في هذه الحالة بسيطة ودون تفاصيل، ويجب التركيز خلالها على شرح الجانب المحسوس للموت: كتوقف الجسم وأعضائه عن العمل، ويرى حمودة أنه لا مانع من السماح للطفل بقراءة كتب تتناول الموت وتتعامل معه على أنه أمر محزن. يجب علينا حينئذ الاستعداد لتلقي ردود أفعال الطفل، كالتأخر في النمو، والخوف، والالتصاق بالوالدين، والغضب، أو حالة من الانسحاب والانعزال، وقد لا نلاحظ أي تغير. المرحلة الثانية هي مرحلة المدرسة، حينما يكون عمر الطفل بين 6 إلى 10 سنوات. وتتميز هذه المرحلة بأن الطفل فيها أكثر واقعية وتفهماً للموت وأنه لا بد منه فهو نهاية حتمية لا عودة منها. وقد تكون لدى الطفل تصورات خاطئة، فقد يظن أن الموت روح شريرة أو شبح، وعلى الوالدين أن يقدما للأطفال إجابات واضحة وموجزة عن الموت. المرحلة الثالثة هي مرحلة المراهقة، وقد يكون لدى المراهق تصور مخيف جداً عن الموت بسبب حادث لصديق أو ما شابه، وعلينا إظهار التعاطف معه، والتعبير عن الحزن بطرق مختلفة.الأسئلة الفلسفية؟
كثيراً ما تتعلق مسألة الموت عند الأطفال بما يسمى الأسئلة المحرجة. برأي نبيل، لن يطرح الطفل مثل هذه الأسئلة قبل سن السادسة، حينما يبدأ في إظهار الجانب الفلسفي للأمور، على أنه في كل المراحل لا يجب تجاهل أسئلة الطفل مهما كانت صعبة أو محرجة. كما ينتقد الطفل أفعال أهله في هذه المراحل، فيلاحظ كذبهم إن لم يقولوا الحقيقة، ويشير إلى التناقض بين تعليماتهم وتصرفاتهم. هنا، تكون الوقاية خير من العلاج، فعلى الأهالي بتجنب ازدواج المعايير، وإن حدث ذلك فيجب على الأهل أن يعترفوا بالخطأ ويطلبوا من الطفل تنبيههم مباشرة حينما يصدر عنهم هكذا تصرفات، على ألا يكون التنبيه أمام الناس. وتشدد نبيل على أهمية عدم تبرير كذبهم أو التدخين أو الشتم أو أي تصرف يَنهون أطفالهم عنه بأنهم "كبار"ويسمح لهم بذلك.من أين جئت؟
لعله واحد من أكثر الأسئلة صعوبة، فمعظم الأهل يتجنبون الحديث عن الجنس. وتشير نبيل أن التربية الجنسية تبدأ من عمر 3 سنوات، وإن كانت نبيل تطبقها من العام الأول، وتنصح الوالدين بعدم تعامل طفلها مع شخص غريب، وأنه في عمر سنة سيبدأ باكتشاف جسمه، فيجب عدم نهره، ومن الأفضل تجاهل الموضوع، وتشتيت فكر الطفل. عندما يبلغ الطفل 3 سنوات، يجب على الأهل تعليمه الاعتناء بنظافته الشخصية، ونصحه بعدم الجلوس على حضن شخص غريب، وتحديد الأشخاص المتاح له الجلوس في أحضانهم، كالأب والأم والجد والجدة والأعمام والأخوال فقط، وكذلك عدم تقبيل أحد من الفم، وألا يستخدم الحمام أو يغير ملابسه أمام شخص آخر. تختلف الإجابة عن سؤال "أنا جيت منين؟" حسب سن الطفل، وبوجه عام يكون تجاهل السؤال سيئاً في كل الأحوال، فالأفضل الإجابة باقتضاب وبشكل مباشر. وتكون الإجابة المباشرة على سؤال من أين جئت : "من بطن ماما"، أما سؤال كيف جئت؟ فجوابه المباشر "تزوجنا بعضنا وأحببنا بعضنا فأنجبناك". ومن المهم جداً تجنب المعلومات المغلوطة، كمقولة أن عصفورة جاءت به إلى المنزل أو خرافات من هذا النوع، فيجب أن تكون المعلومة صحيحة 100%، ويمكن الاستعانة ببعض الكتب والصور كالتي تشرح دورة الحياة لدى الفراشة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه