تهوى سمر سلامة (33 عاماً) شراء الملابس، لكن ظروفها تمنعها من مغادرة المنزل لفترة طويلة، لذلك وجدت ضالتها المفقودة في التسوق عبر مجموعات على فيسبوك تبيع الملابس ومستلزمات المنزل المختلفة، ويوصلها مندوب مبيعات إلى باب بيتها.
إلا أن المندوب قد يأتي بمفاجآت ليست سارة أحياناً. فحينما اشترت ملابس جديدة لابنتها، وصلت دون غلاف، فبدت كما لو أنها مستخدمة، إذ لا تحمل أي علامة تفيد أنها جديدة.
لم تكن هذه المرة الوحيدة التي وجدت نفسها تستلم بضاعة مستخدمة دون أن تعرف.
فقد اشترت ملابس لها عبر صفحة فيسبوك أخرى، وسددت قيمتها عبر المحمول قبل الاستلام، ليصل إليها المندوب وبيده ملابس قديمة، رديئة الخامة، تختلف تماماً عن الصور وتفوح منها رائحة السجائر.
حاولت استرداد الملابس، لكن مديرة الصفحة رفضت طلبها وأخرجتها من المجموعة.
سلامة هي واحدة من مئات الباحثين عن بضاعة جيدة ورخيصة في مجموعات فيسبوك، التي تختلف عن المتاجر الالكترونية المُرخصة، حيث يجدون في صفحة واحدة ملابس ومستحضرات تجميل وأحذية وحقائب وسلعاً مختلفة.
هذه الدكاكين الافتراضية، والتي انتشرت خلال السنوات الثلاث الأخيرة، هي ملاذ البائع الذي يرغب في توفير مصدر دخل من دون تحمل أعباء إيجار أو امتلاك محل تجاري أو دفع ضرائب وفواتير الكهرباء.
وهي وجهة أفراد من الطبقة الوسطى، يرغبون بالتجديد وشراء المستلزمات لهم ولأبنائهم، بأسعار متاحة من دون الحاجة للخروج من المنزل.
لكن ما لا يعرفه الكثيرون هو أنها أيضاً المدخل الأنيق لبيع الملابس المستعملة، أو البالة، من دون إعلام المشتري، وفقاً لتصريحات محمد عبدالسلام لرصيف22، رئيس غرفة صناعة الملابس في اتحاد الصناعات.
بعيداً عن الفيسبوك، أين تجد البالة؟
"البالة" هو الاسم المتعارف عليه للملابس المستعملة، ووفقاً لتعريف المعجم الجامع فإن البالة هي صفة للتعبير عن الأثواب القديمة الممزقة. وتعتبر المنطقة الحرة في محافظة بورسعيد الساحلية أشهر مناطق بيع البالة في مصر، وتشتهر بجودة منتجاتها منذ إنشائها عام 1976. وفي القاهرة، يشتهر سوق "وكالة البلح" ببيع الملابس المستعملة، وهو من أقدم أسواق القاهرة إذ يعود إنشاؤه لعام 1880، ويقع في منطقة بولاق أبو العلا بالقرب من كورنيش النيل. سمي بهذا الاسم لشهرته ببيع البلح في بداياته، وأصبح الآن يجمع البالة في شارع 26 يوليو المعروف سابقاً بشارع بولاق، والمنتجات المستوردة، وبالأخص الأقمشة.الجمعيات الخيرية، بوابة ذهبية
تستورد مصر الملابس المستخدمة، وقد بلغ حجم الاستيراد خلال عام 2016 قيمة 50 مليون جنيه، أي 250 ألف دولار، وفقاً لبيان صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، نشرته صحيفة اليوم السابع. لكن حجم الملابس المستعملة الموجود فعلياً في السوق يفوق الرقم الرسمي المُصرح به ويصعب إحصاؤه، إذ تدخل البلد كميات كبيرة مهربة بسبب ضعف الإجراءات الجمركية. ويقول محمد المرشدي، رئيس غرفة الصناعات النسجية، في حديث هاتفي مع رصيف22 أن نحو 60% من الملابس المعروضة في السوق المصرية مستخدمة.الجمعيات الخيرية: بوابة ذهبية لتهريب الملابس المستعملة إلى مصر
الأكزيميا والعدوى تلازم بعض الملابس المستعملة التي تباع على صفحات الفيسبوكلكن كيف تدخل الملابس المستعملة إلى مصر رغم قرار رشيد محمد رشيد، وزير الصناعة السابق بوقف استيرادها؟ أجاب عن السؤال محمد عبدالسلام، رئيس غرفة صناعة الملابس الجاهزة في إتحاد الصناعات، فقال لرصيف22: "الجمعيات الخيرية هي البوابة الذهبية لدخول الملابس المستعملة إلى مصر، حيث يتم استيرادها لتوزيعها على المحتاجين وتقوم الجمعيات ببيعها لتجار الجملة، الذين بدورهم يبيعونها لتجار فيسبوك". ووفقاً لقانون الجمعيات، تُعفى الجمعيات من الضرائب والرسوم الجمركية على ما تستورده من آلات وأجهزة، وعلى ما تتلقاه من هدايا ومعونات من الخارج بقرار رئيس الوزراء. وهذا ما يعني أن الملابس المستعملة التي يتم استيرادها غير خاضعة للجمارك بخلاف الملابس الجاهزة. لهذا، شدد عبدالسلام على ضرورة إصدار قرار بوقف الاستيراد للملابس المستعملة لأي سبب، لأن معنى وجودها في الشارع وبيعها من خلال فيسبوك هو عدم حصول الفقراء عليها كما يفترض. كما تقدمت النائب في البرلمان المصري غادة صقر، باستجواب لوزارة المالية في شهر يونيو عام 2016، ضد قيام عدد من الجمعيات الأهلية بإدخال بضائع تحت بند دعم الفقراء، وأُعفيت هذه البضائع من الضرائب والرسوم الجمركية، ثم باعتها الجمعيات فى الأسواق. يلفت عبدالسلام إلى أن التجارة عبر المواقع الإلكترونية المرخصة لا يوجد ضرر منها لأنها تضمن للمستهلك الحصول على حقوقه، وتشمل عرض بضاعة معلومة المصدر، لكن المشكلة تكمن في المتاجر الافتراضية غير المرخصة.
انعدام حقوق المستهلك
عدوى البكتيريا الطفيلية والأكزيما، هما في عداد الأضرار الناجمة عن شراء ملابس مستخدمة من أماكن غير موثوق بها. وهذا ما حذر منه الدكتور بهاء يسري، أستاذ الأمراض الجلدية في جامعة عين شمس، فالملابس هذه تنقل الأمراض والعدوى والفيروسات التي لا تموت، كما أنها قد تحمل حشرات ضارة مثل القمل والقراد وغيرهما. وتكمن المشكلة الأخرى التي قد يقع فيها المشتري في ضياع حقوقه كمستهلك. وتقول الدكتورة سعاد الديب، رئيسة الاتحاد النوعى لجمعيات حماية المستهلك، لرصيف22: "حذرنا عدة مرات المستهلك من شراء منتج لم يعاينه جيداً ويتفحصه قبل شرائه، كما أن مشكلة هذا النوع من المعاملات تتمثل في انعدام حقوق المستهلك في الاستبدال والاسترجاع لأنها تتم بدون رقابة". برأيها، إن الزيادات المستمرة في الأسعار هي ما دفع الطبقة المتوسطة للبحث عن مصدر إضافي للدخل، وأيضاً تحقيق المعادلة الصعبة من خلال شراء أفضل منتج بأقل سعر، ومجموعات فيسبوك تعتمد على ذلك. يحاول شريف أنور (29 عاماً)، والذي يدير صفحة لوكاس على فيسبوك لبيع الملابس، أنه يراعي زبائنه ولا يبيعهم سوى الملابس الجديدة. لكنه لم يتمكن من حماية نفسه من الملابس المستعملة. فقد اشترى، بحسب قوله، بضاعة من أوروبا بمبلغ كبير، اكتشف عند وصولها أنها سيئة ومستخدمة. يقول لرصيف22: "بسبب الوقت الضاغط لم أفرزها قبل الشراء، فكانت مختلفة تماماً عن العينات، ورغم الخسارة لم أبِعها، ولم أفكر في استرجاعها لأن عملية الشراء من التجار تتم بدون فاتورة والتاجر يصر على جودة منتجاته". دخل أنور مجال بيع الملابس بمشاركة زوجته قبل شهور معدودة بهدف زيادة الدخل، وما زال التحدي الأساسي أمامه هو عدم خسارة رأس المال. يقول إنه يشتري الملابس من تجار الجملة Outlet، وهو مصطلح يشير إلى ما تبقى من السلع المخفضة في أوروبا ولم يتم بيعها، وتضم ملابس جديدة وغير مستعملة، بمقاسات وألوان محددة.البالة تباع بالكيلو
تُستورد غالبية الملابس المستخدمة من أوروبا، بحسب تاجر يبيع الملابس بالجملة، تحدث مع رصيف22 ورفض ذكر اسمه. أما البضاعة التي تستوردها الجمعيات الخيرية، فيتم بيعها لـ"تجار فيسبوك" عبر وسيط، يكون في العادة واحداً من تجار الجملة. يوضح التاجر نفسه أن مخزنه يقع في حي شبرا، ويضم ملابس متنوعة للنساء والرجال والأطفال، بمقاسات مختلفة. وهو أيضاً وسيط يستلم الملابس من الجمعيات الخيرية ويبيعها. وتتم عملية البيع بالكيلوغرام، الذي يبدأ ثمنه من 50 جنيهاً ويصل إلى 200 وفقاً لجودة المنتج، مع شرط عدم فرز البضاعة قبل الشراء. تاجر آخر للملابس المستعملة رفض ذكر اسمه عرض بيع الكيلو بـ65 جنيهاً، وأكد أنه من خلال عمله يوفر فرص عمل للشباب، وبضاعة عالمية بأسعار رخيصة للمستهلك الذي يعاني من مشاكل الغلاء.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع