حول سوريا ومصيرها ومستقبل الصراع فيها، أجرى كريس بولبي، الصحافي المتخصص في التاريخ في هيئة الإذاعة البريطانية BBC حواراً مع اثنين من المؤرخين المتخصصين، هما يوجين روجان، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط الحديث في جامعة أكسفورد ومؤلف كتاب "العرب: تاريخ" (دار بنغوين 2012)، وجيمس جيلفين، أستاذ التاريخ في جامعة كاليفورنيا ومؤلف كتاب "الشرق الأوسط الحديث: تاريخ" (دار أو يو بي 2015)، وذلك في عدد مارس 2017 من مجلة BBC World Histories.
سوريا ملعب لنفوذ تيارات مختلفة
يقول يوجين روجان إن الصراع السوري ينبع من قتال ثلاثة اعتقادات أو نماذج للإسلام السياسي، لكل منها جذور تاريخية عميقة، أقدمها تحالف الوهابية السعودية، ثم الإخوان المسلمون، يليهما النموذج الأحدث للإسلام السياسي، وهو النموذج الذي خرج من عباءة الثورة الإيرانية عام 1979، ونظر إليه جيران إيران العرب السنة كتهديد شيعي لهم من الوهلة الأولى. مع سقوط صدام حسين في العراق، بعد الغزو الأمريكي له عام 2003، وسيطرة الشيعة على معظم السلطة، واتساع نفوذ إيران داخل العراق وامتداده إلى سوريا، عبر حكم الأقلية العلوية، وإلى لبنان، عبر حزب الله، ثم اشتعال ثورات الربيع العربي في 2011، كان من الطبيعي أن يثير فراغ السلطة حروباً أهلية، شهدت سوريا أعنفها. ويضيف روجان أن ما يجعل الصراع السوري معقداً وصعباً هو أن سوريا تشهد قتالاً بين تلك المذاهب والمعتقدات الإسلامية السياسية المختلفة جذرياً، فإيران تدعم الأسد للحفاظ على نفوذها، والسعودية تدعم القوات السُنية، وقطر والغرب والإخوان المسلمون يدعمون جماعات معارضة إسلامية يعتقدون أنها معتدلة.مصير داعش
يضع جيمس جيلفين خمسة سيناريوهات حول مصير تنظيم داعش على المدى الطويل، يرتبهم من الأقل إلى الأكثر احتمالاً:هل يغيّر صعود ترامب مصير سوريا؟
يرى جيمس جيلفين أنه من الصعب التنبؤ بالضبط بموقف الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب تجاه سوريا، وإن كان يرجح أن ترامب لن يؤيد التدخل العسكري أو الدبلوماسي في الأزمة السورية لسببين: الأول هو أن أكثر مراحل الحرب الأهلية دمويةً ربما تكون قد شارفت على الانتهاء، ومن المرجح أن ينتهي الأمر إلى نزاع طويل الأمد منخفض القوة بين الحكومة السورية ومجموعة متنوعة من جماعات المعارضة، تضم فلول داعش والميليشيات الكردية، ثم سرعان ما ستختفي الأزمة السورية عن العناوين وكذلك عن قائمة أولويات صناع السياسة الأمريكية. وكما يقول جيلفين، فإن انتصار الحكومة السورية سيكون في مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، لأنه سيمكن أطراف النزاع من التركيز على القضاء على داعش، والحد من عدد اللاجئين والقتلى، وسيحول دون تفكك سوريا الذي من شأنه زعزعة استقرار المنطقة. السبب الثاني، كما يضيف جيلفين، وراء ترجيح عدم تورط ترامب في الأزمة السورية هو ميله الغريزي إلى العزلة، بالإضافة إلى تأكيده الدائم خلال حملته الانتخابية على عدم رغبته في التورط في مغامرات الشرق الأوسط، وهي التصريحات التي صنعت منه قطباً مغايراً ومعاكساً للغاية عما كانت عليه منافسته هيلاري كلينتون التي تؤيد التدخل العسكري في سوريا ودعم المعارضة. وبرأيه، فإنه في الغالب يشارك ترامب الرئيس السابق باراك أوباما رؤيته بضرورة التقليل من تأثير الولايات المتحدة في الشرق الأوسط حتى يمكن أن تركز اهتمامها على الشرق الأقصى ومنطقة المحيط الهادئ، حيث الدول التي ستكتب تاريخ القرن الحادي والعشرين. وأخيراً قد يلعب إعجاب ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين دوراً في أن يتنازل له عن الدور الأمريكي في سوريا.هل يمكن أن تتخلى إيران وروسيا عن سوريا؟
يرى يوجين روجان أن إيران وروسيا من الدول القليلة التي لديها فكرة واضحة عن مصالحها في سوريا، وقد تصرفتا بشكل حاسم وناجح لتعزيز هذه المصالح، فقد لعبتا دوراً حاسماً في دعم الجيش السوري المنهك خلال سنوات الحرب الأهلية الخمس، ولهما الفضل الأكبر في بقاء بشار الأسد في السلطة حتى الآن.ويقول روجان إن سوريا ظلت حليفاً مخلصاً لإيران منذ أوائل الثمانينيات، وقد فقدت روسيا، منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، جميع حلفائها السابقين في المنطقة باستثناء سوريا. الأسطول الروسي يستخدم القاعدة البحرية السورية في طرطوس، وتعتمد المخابرات الروسية على المراقبة والاستطلاع الإلكتروني من قاعدتها في اللاذقية، وبذلك يمكن تخيل حجم الخسائر الروسية في المنطقة إذا ما سقط بشار الأسد وجاء نظام آخر يكره العلويين. بالمقارنة، فإن استجابة الأمريكيين والأوروبيين للوضع في سوريا يخيم عليها التردد وأنصاف الحلول، مما يعكس عدم وضوح أهدافهم هناك، وعدم استعدادهم للمشاركة في سوريا بشكل أعمق، ويبدو أن الغرب قد نفض يديه عن سوريا، وأنه غير مستعد للدخول في نزاع متجدد مع إيران وروسيا من أجلها.حين يتحدث محللون غربيون عن مصير سوريا، "الصوملة" هي الحل الأكثر ترجيحاً (تحول سوريا إلى صومال أخرى)
كيف يمكن أن ينتهي الصراع في سوريا؟
بحسب جيمس جيلفين، فإن هناك ثلاث نهايات محتملة للحرب الأهلية السورية: إما انتصار الحكومة السورية أو انتصار المعارضة أو الانتهاء بالدخول في تسوية تفاوضية، وهو ما يعرف بـ"الصوملة" وفقاً للمصطلح الذي صاغه أحد ممثلي الأمم المتحدة، والذي يشير إلى تحول سوريا إلى صومال أخرى، حيث حكومة تفرض سيادتها على جميع أراضيها المعترف بها دولياً لكنها لا تحكم. ويعتقد جيلفين أن "الصوملة" هي نقطة النهاية الأكثر احتمالاً، فمن غير المرجح حتى الآن أن تنجح الحكومة السورية في محو المقاومة المسلحة عن الخريطة، على الرغم من المكاسب التي حققتها أخيراً بفضل المساعدات الروسية، كما لا يوجد حافز قوي يشير إلى إمكانية دخول الحكومة السورية في مفاوضات مع المعارضة، فهي ترى أن الكفة الآن تميل إليها ولا ترضى عن استسلام المعارضة بديلاً.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 29 دقيقةكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 3 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...