سوريا: هل تنقلب "الخدمة الإلزامية" على النظام؟
الثلاثاء 8 نوفمبر 201608:04 م
"يا حسرتي ليش ضل في شباب بسوريا؟ يا متخبيين يا مسافرين يا متوفيين... يا انسحبوا عالاحتياط". تتردّد هذه العبارة في سياق التندّر على أن النساء في العديد من مناطق سوريا بات بإمكانهن الخروج من دون غطاء رأس لعدم وجود رجال فيها. أما تراجع عدد الذكور فأسبابه، بعد حرب طالت لأكثر من ست سنوات، باتت معروفة، لا بل تُعدّ طبيعية.
أحد هذه الأسباب هو الخدمة الإلزامية المعروفة عامياً بـ"الاحتياط"، والتي أصبحت في خضمّ الصراع بين السوريين أشبه بفزاعة، علماً أنها لم تكن يوماً مهمة سهلة، حتى قبل الحرب. يشكو البعض، ممّن نجحوا في الهروب من الخدمة سواء بالفرار من البلد أو برشوة عسكريين في الداخل، من أن تمنّعهم لا يأتي نتيجة ضعف "انتماء وطني"، بل الخوف من المصير المجهول أو من المشاركة في قتل "الإخوة".
جيش الفقراء
ومنهم من يخاف التورّط في حرب يقتل فيها سوريين آخرين، لا سيما وأن كثيرآً من العائلات انقسمت في الصراع بين موالاة ومعارضة. ومنهم من يرعبه ترك عائلته والرحيل إلى أجل غير مسمى. يزيد من هذه المخاوف واقع احتجاز الآلاف، وإجبارهم حتى بعد انتهاء فترة خدمتهم الإلزامية على المشاركة في العمليات العسكريّة بسبب الحاجة لمقاتلين. صحيح أن فترة الخدمة تقلصت من ثلاث سنوات إلى ثمانية عشر شهراً، لكن لو ضمن الشباب الذين تكتمل خدمتهم الإلزامية أن يتم تسريحهم بعد انتهاء المدة، لما كان لاحقهم كل هذا الرعب. المشكلة في الجبهات الحامية وفي الرواتب التي لا تُذكر، وفي مدة القتال المفتوحة. وبين هؤلاء من "حالفهم الحظ" فقتلوا على الجبهة، بينما بقي آخرون مع عضو مبتور أو شلل دائم، فيما تكاد الرواتب لا تكفي سدّ رمقهم، فكيف بعائلاتهم؟ لا شكّ أن العديد يخوضون الحرب بدافع عقائدي، لكن هل كل المنضوين تحت لواء الجيش السوري وفي كتائب البعث و"الدفاع الوطني" يتشاركون هذه القناعة؟ تظهر التقارير التي خرجت في مناسبات مختلفة أن العديد من الشباب السوري ممن بقي في الوطن دون الالتحاق بالخدمة، دفع مبالغ تتراوح بين ثمانية آلاف دولار وعشرة آلاف لـ"طيّ ملف الاحتياط" و"كفّ البحث"، أو الحصول على إذن استثنائي لمدة سنة من وزارة الدفاع. من لم يستطع تأمين المبلغ، فضّل الانضمام إلى "كتائب البعث" و"الدفاع الوطني" وغيرها من القوات الموالية للنظام، متنازلاً للقادة العسكريين فيها عن راتبه مقابل إبقائه بأمان وتجنيبه المشاركة في الجبهات الساخنة. وهكذا أصبح عماد الجيش من الفقراء الذين لا واسطة لهم ولا مال ولا قوة. ولم يكن تأجيل الخدمة العسكرية قبل الحرب أمراً غير طبيعي، بل على العكس، أذ كان الولد الوحيد يعدّ محظوظاً لعدم إلزامه بها، بينما كان الشاب الجامعي يماطل بالتعليم، مؤجلاً خيار العمل إلى وقت لاحق. فكيف إذاً سيكون عليه الحال في سوريا بعد الحرب؟"يا حسرتي ليش ضل في شباب بسوريا؟ يا متخبيين يا مسافرين يا متوفيين... يا انسحبوا عالاحتياط".
قضية التجنيد الإلزامي هي واحدة من وجوه الرعب في الحرب السورية، وتدعو التقارير للالتفات إليها واستغلالهابين الفترة والأخرى، تخرج الأخبار عن تنفيذ حملات دهم لسحب المتخلفين عن الخدمة العسكرية، وتصدر اللوائح بأسماء آلاف المطلوبين. في المقابل، ونتيجة ارتفاع نسبة البطالة في سوريا، يجد طيف من الشباب السوري نفسه ساعياً وراء القتال كفرصة تؤمن له دخلاً يكفيه وعائلته.