بعضنا يعرف ماركو بولو Marco Polo، وتوماس إدوارد لورنس Thomas Edward Lawrence (لورنس العرب)، وسواهم من المستشرقين الذين لم يكفوا عن الاهتمام بالشرق - الآسيوي والعربي - في المراحل المختلفة من التاريخ، ولكن إضافة إلى هؤلاء، هناك فنانون لم تبلغ شهرة تأملهم للمشرق شهرة فنهم، وقد قدموا أعمالاً فنية وآراءً في الشرق تفوق أحياناً في أهميتها التوثيقية والإنسانية أعمال المستشرقين الكبار.
نعرض هنا لبعض هؤلاء الفنانين وحكاياتهم مع الشرق.
نيكوس كازانتزاكيس (1883 – 1957)
يقول الكاتب والروائي اليوناني نيكوس كازانتزاكيس Nikos Kazantzakis، في سيرته الذاتية المعنونة "تقرير إلى غريكو"، إنه ينحدر من أصولٍ عربية جزائرية، فحين "استعاد الامبراطور الروماني تيسوفوروسر فوكاس كريت من العرب في القرن العاشر وزع العرب الذين سلموا من الذبح في عدة قرى.
وقد سميت هذه القرى "بارباري". وفي قرية كهذه مد آبائي جذورهم. إن فيهم جميعاً آثاراً عربية. فهم فخورون عنيدون ومشدودو الشفاه" (ترجمة: ممدوح عدوان).
في الكتاب نفسه يحكي صاحب "زوربا" و"الإغواء الأخير للمسيح" عن رحلته إلى العالم العربي، والتي بدأها من فلسطين حيث قضى أسبوع الآلام (بين الشعانين والفصح) في القدس. يقول عن ذلك الأسبوع "خلال تلك الأيام السبعة اتضحت أخيراً مغامرة الإنسان المأسوية كلها"، ووصف الجليل بأنها "ببهائها الغنائي وجبالها المتناغمة، وبحرها الأزرق والبحيرة الصغيرة الساحرة، تمتد خلف ظهر يسوع وتشبهه"، واستمرت رحلته في صحراء سيناء، حيث التقى برهبانٍ من عدة أديرة، وحيث رافقه ثلاثة من البدو المسلمين في طريقه، وأبدى إعجابه بطقوسهم الإسلامية خصوصاً صلاة الفجر في مقبرة إسلامية، "مددت يدي إلى طعمة (...) ورددت له بالعربية النداء الإسلامي المقدس: لا إله إلا الله محمد رسول الله. اهتز مندهشاً كما لو أني كشفت سره".ويلفريد بلنت (1840 – 1922)
عرف الشاعر الإنغليزي ويلفريد بلنت Wilfrid Blunt بمعاداته للسياسات الاستعمارية البريطانية، التي أدت في النهاية إلى سجنه سنة 1888 إثر معارضته للسياسة البريطانية في أيرلندا. كان جزءاً من عدة بعثات دبلوماسية للمملكة في بضع دول، منها مصر التي أرسل إليها، والتقى فيها سنة 1881 بأحمد عرابي، قائد الثورة ضد الخديوي توفيق.
زار مع زوجته آن نويل بضع دول عربية، كسوريا والجزائر ومصر، إضافة إلى الهند، وفي ما بعد أسسا معاً ما يعرف باسم “Crabbet Arabian Stud” في سوسيكس البريطانية، وهي منشأة لتربية الخيول العربية الأصيلة، التي حصل عليها من سوريا ومصر ونجد (السعودية). أصدر بلنت إضافة إلى أعماله الشعرية، عدة كتب ومقالات سياسية، منها ما اختص فيها بالحديث عن المشرق العربي والآسيوي.من أشهر كتبه في هذا المجال “مستقبل الإسلام” و”القصائد الذهبية السبع للوثنية العربية” أو المعلقات السبع، إضافة لكتب سياسية تنتقد سلوك بريطانيا، منها “التاريخ السري لاحتلال إنجلترا مصر” و”غوردون في الخرطوم”.
يوجين ديلاكروا (1798 – 1863)
يعتبر يوجين ديلاكرو Eugène Delacroix وفقاً للكثيرين قائد المدرسة الرومانسية في فرنسا، وعرف بلوحته الشهيرة (الحرية تقود الشعب La Liberté guidant le people). بعد سفره إلى شمال أفريقيا، وجد في العرب بسلوكهم ولباسهم معادلاً بصرياً لروما وأثينا القديمتين، "الإغريق والرومان هنا عند بابي، في العرب الذين يتلحفون بملاءات بيضاء ويبدون مثل كاتو وبروتوس".
في سنة 1882 سافر عبر إسبانيا إلى المغرب، عضواً في بعثة دبلوماسية، بعد فترة قصيرة من احتلال فرنسا للجزائر، ولم يكن سفره يهدف لدراسة الفن بقدر ما كان للهروب من باريس بحثاً عن ثقافة أكثر فطرية وبدائية. هذه الرحلة أثمرت نحو مئة لوحة، رسمت أثناء إقامته في المشرق أو من وحيها، أشهرها “متعصبو طنجة” و”عرس يهودي في مراكش” و”نساء الجزائر" (الصورة الرئيسية) و”نساءٌ جزائريات في شقتهن”، كما وجد هناك فرصة لرسم الحيوانات، التي تشكل لديه تجسيداً للعاطفة الرومانسية، فرسم الأحصنة العربية كما في لوحته “أحصنة عربية تتعارك في إسطبل” و”صيد الأسد” التي رسم منها عدة نسخٍ بين عامي 1856 و1861.يوهان فولفغانغ فون غوته (1749 – 1832)
يعد يوهان فولفغانغ فون غوته Johann Wolfgang Von Goethe من أشهر فلاسفة ألمانيا على مدى التاريخ، وقد سمي المعهد الألماني الوحيد الذي يعمل على نشر اللغة الألمانية وثقافتها في العالم باسمه، معهد غوته. عرف عنه اطلاعه على ثقافات الشرق، وتأثر كتاباته بها، إضافة لإعجابه بشكل خاص باللغة العربية، التي قال عنها "ربما لم يحدث في أي لغة هذا القدر من الانسجام بين الروح والكلمة والخط مثلما حدث في اللغة العربية".
أراد غوته منذ صغره أن يختص في الدراسات الشرقية، ولكن والده أجبره على دراسة القانون، وتدرب لاحقاً على قراءة وكتابة اللغة العربية، إضافة لإعجابه بالمستشرقين وقراءة أعمالهم. اتضح إعجابه بالشرق وبالإسلام خصوصاً في ديوانه الشعري الذي صدر في مايو 1814 بعنوان “الديوان الشرقي-الغربي”، وهو مجموعة من القصائد المستوحاة من أعمال حافظ الشيرازي، الذي يقول فيه "هنالك، حيث الحب والشرب والغناء/ سيعيدك ينبوع الخضر شاباً من جديد". أثار غوته جدلاً في ما بعد بتعليقٍ له على الديوان نفسه سنة 1816 بقوله "إن الشاعر (يقصد نفسه) لا ينفي الشك بأن يكون هو نفسه مسلماً".ألكسندر بوشكين (1799 – 1837)
ألكسندر بوشكين Alexander Sergeyevich Pushkin من أهم وأشهر شعراء روسيا، وقد لعب عاملان أساسيان دوراً بالغاً في اتجاهه إلى الآداب والمعارف الشرقية، أولهما أصوله الأفريقية القادمة من جده لأمه، وثانيهما إقامته منفياً في القوقاز، ذات الغالبية المسلمة، حيث بدأ اهتمامه بالإسلام واللغة العربية. قرأ القرآن، واهتم بكل ما يأتي من الشرق، خصوصاً كتاب “ألف ليلة وليلة” وأشعار “مجنون ليلى”، معتمداً بشكلٍ كبير على ترجمات صديقه المستشرق يوليان سينكوفسكي.
كتب بوشكين بضع قصائد ذات عناوين ومضامين متأثرة بشكل واضح بالتراث الإسلامي، منها “قبسات القرآن” التي نظمها سنة 1826، و”الرسول” التي نظمها سنة 1824، كما عثر بعد وفاته على أوراق تنتمي لمراحل مختلفة من حياته، تحوي محاولات لتعلم الحروف العربية، مرفق بها شروح وملاحظات حول الأرقام العربية.نشر هذا الموضوع على الموقع في 03.03.2015
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...