شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
هل تنهي الأزمة الاقتصادية الجدل الشعبي حول سكن الرجل في شقة زوجته؟

هل تنهي الأزمة الاقتصادية الجدل الشعبي حول سكن الرجل في شقة زوجته؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 5 مارس 201805:22 م
تحدى محمد حسن (30 عاماً) التقاليد وسكن في شقة تمتلكها زوجته. قد يبدو هذا أمراً طبيعياً اليوم، مع تبدل الأدوار الاجتماعية والمشاركة الفاعلة للشريكين في مختلف جوانب الحياة اليومية في الكثير من المجتمعات. لكن في المجتمع الصعيدي المصري الذي ينتمي له حسن، أن يكون منزل الزوجية ملك المرأة، هو انتقاص من رجولة الزوج. ليس الصعيد استثناء، فلقد بقي الرجل في الكثير من المجتمعات المصرية يتولى مصاريف منزله من الألف للياء. وفي حال عملت المرأة خارج المنزل، يكون راتبها لتلبية حاجاتها الشخصية، في حين يرفض أغلب الرجال مساهمات زوجاتهم في نفقات المنزل بسبب العادات والتقاليد. إلا أن التغيرات التي طرأت على الاقتصاد في مصر خلال العقدين الأخيرين، وتبلورها في أزمة الجنيه الأخيرة، يدفعان الناس إلى تحدي بعض التقاليد.

لا فرق في الحب

"كان من الممكن أن أنتظر حتى سن الأربعين لكي أستطيع شراء شقة"، يقول حسن لرصيف22. وقد تعرف على زوجته في القاهرة حيث يسكن ويعمل صحافياً، وقد سهّل زواجهما امتلاكها شقة بناها والدها. يستطرد حسن: "أصدقائي هم في مثل سني وهناك من هم أكبر وما زالوا غير متزوجين بسبب التقاليد البالية، إذ لا يرضون بالزواج والسكن في شقة تملكها امرأة، في الوقت الذي لا يستطيعون فيه شراء شقة أو حتى استئجارها". ابتعاده عن قريته جعل قرار سكنه في بيت زوجته أقل وطأة، إذ تعوّد أهل العاصمة تخطي عدد من التقاليد بصورة عملية، مقارنةً بالمجتمع الصعيدي. لكن هذا لم يمنع سيل الانتقادات والتحذيرات من قِبل الأقارب والأصدقاء، الذين يرون أن زوجته ستقلل من شأنه، وقد تطرده من دارها عند نشوب أي مشكلة بينهما. إلا أن آراءهم بعيدة عن رادار حسن الذي يرى أن الزواج الذي يكون نتيجة علاقة حب يختلف عن الارتباط التقليدي، فلا يمكن لزوجته التي تحبه أن تُشعره أنها أفضل منه في شيء، أو تجرحه بسبب ملكيتها للشقة. "لا فرق بين شقتي وشقتها، فحتى لو كان البيت باسمي وحدث خلاف بيننا، فأنا من سوف يترك المنزل لا هي، فليست رجولة أن أطردها في حال حدوث خلافات"، يقول حسن لرصيف22.
في بعض المجتمعات المصرية والعربية، أن يكون منزل الزوجية ملك المرأة فهو انتقاص من رجولة الزوج
هل يعني التحرر من التقاليد بسبب الأحوال الاقتصادية تغيراً جذرياً في نظرة المجتمع لأدوار المرأة والرجل؟

متى بدأ التغيير؟

يرى الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية في القاهرة، أن التغيير في الصورة النمطية لأدوار الزوجين في مصر، بما فيها امتلاك بيت الزوجية، بدأ مع الانفتاح الاقتصادي الذي شهدته البلاد في سبعينات القرن الماضي. حينها بدأ التغيير بصورة بسيطة، وازداد مع ازدياد المشاكل الاقتصادية. كان في السابق عيباً أن يسكن الرجل في منزل زوجته بسبب الثقافة الشرقية الذكورية. وقد كان في الوقت ذاته شراء واستئجار بيت متاحين لدى فئة كبيرة من أبناء الطبقات المختلفة. لكن مع الوقت، بات من الصعب على الرجل أن يؤمّن مصاريف البيت وحده، واتجهت المرأة للعمل في الخارج بدلاً من الاكتفاء بدورها في المنزل. وقد دخلت المجتمع المصري في تلك الفترة، بحسب صادق، أدوات وخدمات قلصت الوقت الذي تمضيه المرأة في مزاولة مهمات بيتية، كمطاعم المأكولات السريعة والأجهزة الكهربائية، وأصبح العمل في الخارج أكثر سهولة. حتى بات الكثير من الأزواج يتقاسمون العمل داخل المنزل وخارجه. وبتفاقم الظروف الاقتصادية الصعبة، التي وصلت لذروتها حالياً، تغيّر مفهوم المجتمع الذكوري لدور الرجل الاقتصادي والمادي لدى بعض الفئات. فلم يعد الاعتماد عليه وحده لتأمين مستلزمات المنزل، وذلك انطلاقاً من مبدأ المشاركة بين الزوجين، التي قد تكون من بينها تقبل ملكية المرأة للشقة. ويؤكد صادق أن خشية الأهل من تأخر زواج بناتهن لانتظارهن أن يؤمن الزوج منزلاً، مثّل دافعاً قوياً لقبول السكن في بيت المرأة. فأصبح الأهل يختارون التنازل عن شقة بدلاً من عدم زواج ابنتهم مطلقاً. لكن صادق يشدد على أن الفكرة ليست مقبولة لدى جميع فئات المجتمع وأفراده، رجالاً ونساءً.

جذور أزمة الإسكان في مصر

عاشت مصر في العقود الأخيرة أزمة إسكان، رافقت أزماتها الاقتصادية، وجعلت الشباب يدركون أن لا الشاب ولا الشابة وحدهما، بقادرين على تأمين المنزل، وهم بحاجة لمجهود مشترك. يشرح الدكتور صلاح الدين فهمي، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، لرصيف22 جذور مشاكل السكن في مصر، قائلاً إنه قبل الستينيات كانت الشقق للإيجار، وفئة قليلة هي التي تبني المنزل وتمتلكه، ولا يفكر الناس بشراء المنازل. وكان بدل الإيجار يراوح بين 3 و10 جنيهات. إلا أنه في منتصف الستينيات أصدر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عدداً من القرارات الاشتراكية التي كان من بينها وضع تسعيرة إجبارية لإيجارات الشقق. قرارات عبد الناصر هذه جعلت مثلاً الشقة التي كان إيجارها 6 جنيهات، 3 جنيهات، ولا يستطيع مالك العقار مخالفة تلك التسعيرة، وفي حالة حدوث ذلك يتم تأميم العقار فيصبح ملكاً للدولة، وتُحصّل الحكومة الأموال من المستأجرين، وتستقطع منها جزءاً بسيطاً للمالك شهرياً. تلك القرارات جعلت المصريين يبتعدون عن بناء العقارات، إذ أصبح عائد الاستثمار أقل وبلا ربح، وهو ما جعل جمال عبد الناصر يلجأ لبناء مدن سكنية جديدة في العاصمة مثل مدينة نصر، ومدينة العمال في إمبابة، فبدأ الناس يسكنون لدى الحكومة.

تفاقم الأزمة في السبعينيات وظهور التمليك

تفاقمت الأزمة في منتصف السبعينات مع ازدياد عدد السكان وانخفاض معدل المباني السكنية. فبدأ المواطنون الانتقال إلى بعض المناطق الجديدة بالقاهرة مثل عين شمس وميت عقبة، في محاولة للتغلب على أزمة الإسكان. ثم بدأ لأول مرة، بحسب فهمي، ظهور نظام التمليك في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، فراح المُلاك يبيعون المنازل وأصبحت فئات كثيرة في المجتمع تتوقع من الشاب أن يمتلك شقة عند تقدمه للزواج، وكان سعر الشقة حينها بين 20 و30 ألف جنيه.

القليل من الانفراج

بدأت الأزمة الإسكانية في مصر بالانفراج نسبياً مع حلول 2007 والأعوام التي تلت، إذ ظهرت تعديلات على نظام التأجير. فأقبل المواطنون على بناء العقارات، وقلت خشيتهم من "الإيجار القديم" الذي بموجبه كانوا لا يستطيعون طرد المستأجر من الشقة أو زيادة قيمة العقد. فقد كان العقد سابقاً يعيش حتى 59 عاماً، وما زالت بعض العقود من هذا الشكل سارية حتى الآن، إذ هناك شقق في بعض المناطق الراقية مثل المهندسين، يدفع ساكنوها إيجاراً قدره 20 جنيهاً شهرياً. أما عقود الإيجار الجديدة، فتكون غالبيتها لمدة عام واحد، ويمكن زيادة قيمة العقد سنوياً، أو إلغاؤه في حالة عدم رضا الطرفين، وهو ما يتيح بسهولة لصاحب العقار زيادة قيمة العقد أو طرد المستأجر واستبداله بغيره للحصول على إيجار أكبر. هنا ازدادت نسبة الإيجار تدريجياً حتى وصل المتوسط الآن في العاصمة إلى ألف جنيه، وهو مبلغ ليس من السهل على الشاب الذي يعمل موظفاً ودخله متوسط، أن يؤمنه وحده.

منازل للشباب بشروط

في عهد الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، ومنذ عامين تقريباً، أصبحت وزارة الإسكان توفّر شققاً للشباب ولكن بشروط معينة، منها أن يكون للشاب دخل ثابت ويقدم الدليل على ذلك، ليستطيع تملك شقة في إحدى المدن الجديدة مثل 6 أكتوبر والتجمع الخامس ومدينة بدر وغيرها. يشير فهمي إلى أن الحد الأدنى لسعر تلك الشقق يبلغ 150 ألف جنيه ويصل لـ800 ألف في مناطق مثل التجمع الخامس، إلا أنه بالرغم من مساهمة الوزارة نسبياً في حل الأزمة، فهذا غير كافٍ، بحسب فهمي. يدفع الشاب في أقل شقة مقدماً يبلغ حوالي 40 ألف جنيه، ليستلمها بعد عام، فيما يسدد أقساطاً شهرية لمدة 20 عاماً بحسب دخله الشهري. ويستنكر فهمي الأمر، قائلاً إن دخل الشباب لا يتناسب أيضاً مع  أسعار تلك الشقق، إذ يبلغ متوسط المرتبات حوالي 2000 جنيه. فكيف للشباب أن يعيشوا بمبلغ ألف جنيه فقط في الشهر بعد سداد القسط.

في زمن التعويم

بعد أزمة اتخاذ قرار تعويم الجنيه في نوفمبر الماضي، والتي زادت من قيمة الدولار 48%، ازدادت أسعار جميع السلع الغذائية والكهربائية وغيرها إلى الضعفين تقريباً، فيما زادت أسعار المكونات الداخلة في البناء كالأسمنت والرمل والحديد الذي وصل سعر الطن منه إلى حوالي 7 آلاف جنيه، لذا أصبحت الشقة التي كان سعرها منذ أقل من عام 200 ألف، بـ400 ألف جنيه. ازدادت أسعار جميع السلع الأساسية التي يحتاجها المواطنون، فزجاجة الزيت وصل سعرها إلى 22 جنيهاً، وكيلوغرام الأرز والسكر وصل لـ11 جنيهاً، والبصل وصل إلى 8 جنيهات، وغيرها من السلع التي لا غنى عنها. يقول فهمي إنه كان يتعين على الحكومة الأخذ في الاعتبار البعد الاجتماعي للشباب في عملية الإصلاح الاقتصادي. لذا أصبح أمامهم في الوقت الحالي خيارات محدودة للحصول على شقة، سواء بحصولهم عليها عن طريق الإسكان الحكومي وهو ما يعرف بـ"الإسكان الاجتماعي"، أو اللجوء للإيجار الجديد الذي يستقطع جزءاً كبيراً من الراتب ولا يستطيع الكثيرون تحمله.

تغيير العادات بسبب الاقتصاد، هل هو جذري؟

اليوم، يختار الزوجان في معظم الحالات العيش في أي شقة متاحة، وامتلاك المرأة منزل الزوجية لم يعد حائطاً يعرقل سير السكن. فالخيارات أمامهم شحيحة، والتقاليد لم تعد منطقية. أو على الأقل هذا هو الحال في العاصمة. قد يتمسك بعض الأهالي بضرورة تأمين الزوج بيتاً يمتلكه عند التقدم لطلبها، إلا أن معظهم يرضخ في الآخر لإصرار الأبناء، كما فعل حسن، على التعامل مع الأمر بشكل عملي وتخطي هذه المطالب والأعراف. لكن هل إقدام الشباب على التحرر من التقاليد التي تحكم العلاقة المادية بين الرجل والمرأة تحت وطأة الأحوال الاقتصادية يعني تغيراً جذرياً في نظرة المجتمع لأدوار المرأة والرجل؟ وهل مساهمة المرأة المادية في نفقات المنزل سببه دائماً القناعة والاختيار، وليس الاضطرار؟ برأي الدكتور صادق، الأوضاع الاقتصادية فقط، لا تعني تخلي الأزواج عن الصور النمطية لأدوار الزوجين. فهو يرى أن الثقافة المصرية في حاجة إلى مزيد من التغيير، وما زال الكثير من الأزواج يفتقرون للاقتناع بأن الحياة بينهما شراكة.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image